على الإنسان أن يعود لذاته، لقيمه التي افتقدها، لشغفه الذي يشتاق إليه، لا يهمل نفسه فتهجره، و لا ينسى حظه من سنة الحياة المفروضة.

يولد الطفل، فيأخذه والداه إلى المدرسة، ثم ينهي المدرسة ليذهب إلى الجامعة، ثم يبحث عن عمل، ثم يبحث عن زوجة و يتزوج، ثم ينجب، فيربي أولاده ليعيدوا لنفس ما قام به، ثم يمرض و يموت!

قصة رتيبة جدا مليئة بالكثير من "ثم"، لكنها واقع مؤلم.

فمعظم الناس تضيع أعمارهم في اتباع سنة الحياة، و ينسون أنفسهم، يضسعون شغفهم بين زحام الحياة، يفقدون الخيط الموصل لحلمهم، بل و ينغمسوا أكثر و أكثر في دوامة الحياة التي لا تنتهي!

تبدأ حياة الإنسان بأيام المدرسة و الحضانة، و تبدأ عقده: "لم لا أملك كذ مثل فلان"، " لماذا لا يحبني الآخرون"، " لم أنا وحيد"، إلخ إلخ إلخ

و الأم لا تفقه ما تقول، والأب يمل و يغضب، فيضربه، فيفقد ثقته بنفسه و يكمل دراسته بشخصية أخرى كما نكملفها نحن جميعا، فنطمس أنفسنا لأن التعرف للعالم الخارجي يكون شيئا غريبا علينا.

والازدحام الشديد الذي يجعلنا نفكر كيف ننجز كذا ، و كيف نكون هناك على الموعد، نؤدي جيدا في الامتحانات كي أدخل الكلية التي أتمناها،

و إن سألت فلانا لما كلية (كذا) رد بأنه لا يعرف، و في أفضل الأحوال رد بأنها شغفه.

المرء عندما يصل إلى كليته يكون قد نفد رصيده لإكمال ما تبقى لكن تذكره بأن هذا هو الحلم الذي سعى لأجله كل يوم و كل ليلة يجعله "يستخسر" تركه، و تبدأ رحلة جديدة من "المعجنة" الاستيقاظ مبكرا و النوم متأخرا و مواعيد تسليم المشاريع وغيرها و غيرها، بعد أشهر يكتشف أنه يخصر وزنه و تتراجع صحته، فيفكر فيما صنعه بنفسه، و الآن حانت فقرة طبيب الأغذية الإرادة المتراجعة التي تهوى شاورمما الشارع!

يقابل فتاة، يعجب بمظهرها و لا يكلمها، لأنه محرج، ثم يكتسب شجاعته أمام مرآة دولابه المتداعية، و يقدم لها زهرة قطفها من الحديقة العامة، لأن مصروفه نفد، فتقبل هي رومانسيته رغم انها أول مرة تراه فيها، لكنه كان وسيما كما ادعت.

يشجعه وجودها في حياته على الالتزام بالغذاء الصحي، و يصير وقته مزدحما أكثر بين الكلية و مواعيدها، و الطبيب، و فتاته.

يتخرجا و تلح عليه بالتقدم لخطبتها و يتزوجان في قاعة "اللؤلؤ" ، و ينجبا طفلا فيسميه على اسم جده الله يرحمه.

لا يتحدث الطفل قبل الأوان فيخشى عليه والده و تظن أمه أنه أصيب بالتوحد، و تكتشف أنه ببطئ التعلم لا أكثر.

يكبر الولد بشخصية الفنان المبدع، لا يفهمه والده، و ينتقده: "لم لا تركز على دراستك بدلا من تلك اللوحات الفارغة؟!"

يبدأ الولد بإخفاء الأمر على والده، و يكبر و يصير مراهقا و والده بعيدا عنه، يتعرف على صحبة السجائر و ينسى صلاة الجماعة بالمسجد،

يعرف أباه فينهار و يموت بالسكتة القلبية لأنه يهول الأمور!

يدخل الولدأحد المعاهد لدراسة الفن الذي هواه منذ الصغر ليرى فتاة و يحبها و إلخ إلخ

فتعاد نفس القصة، لكن الولد يتخلى عن حلمه لأن الفن لا يجلب المال!

الفارق هنا أن الولد صنع ما أحب و أباه لم يفعل، و دوامة الحياة التى تفرض علينا أن لا نعيش، و الجميع يدرك هذا لكنه يصعب الأمر لغيره و كأن الشقاء قدر من أقدارنا.

فاذكروا: "اعملوا لشغفكم، طوروا أذهانكم، و تابعوا اللحاق بأدواركم في دورة الحياة المعهودة، لكن بالطريقة التي تحبونها أنتم"


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Mariam Amr Bassioni

تدوينات ذات صلة