إن الكتب حينما تخطها بروحك، تترك أثرا دائم بمن يقرأها، و في هذا المقال اصف كل ما تأثرت به من هذا الكتاب.

رسائل سقطت من ساعي البريد

أللكلم سوق تباع فيها و تشترى؟ إن كان كذلك فقد ابتاع الدموكي أجود الأنواع و أحسنها.

منفلوطي عصره، ذكرنا بماضينا، و الجروح التي كادت تندب أيقظها ليطرق باب ذكرايات علقة بين العلم و طي النسيان، استفاقت داخلنا مشاعر الحنين و الحنان:

حنين تجاه وطن فقد أو صديق كان بمثابة وطن فقد،

حنان بأشخاص فقدوا الحنان منذ أتوا هذا العالم المتحجر من بطون أمهاتهم؛ فكان بمثابة الكف المطمئن المحتضن لهم.

رسائل يرسلها من نظن أن لا قيمة له، ولكنه هو من صنع لمجتمعنا القيمة؛ كعامل النظافة الذي نلقبه بال"زبال" و لكن في الواقع "الزبال" هو من يلقي القمامة في الطرقات لينحني ذلك العامل الذي لا فارق بينه و بين من ألقى القمامة سوى نبل الأخلاق- أتحدث بالطبع عن العامل لا على الملقي.

رسائل يرسلها من فقدوا القدرة على الأرسال؛ فقد نفد عمرهم و شلت ألسنتهم كذلك الشخص الذي اخترق الرصاص صدره ظلما و الكلمات التي لا تجد الوقت الكافي لتنفجر من أسارير لسانه سائلة حالها: ألم وئد ذلك اللسان: ألنطقه حقا أم لحرية فؤاده البرئ؟!

رسائل تحمل قصصا قضايا على المجتمع احتضانها و التفكر في معانيها: لا تلقوا الإتهامات على من لم تعرفوا ماضيهم، لا تكونوا كقاض ينطق حكم المحكمة دون سماع الشهود. فلتسمعوا القصة من بدايتها حتى نهايتها ثم أطلقوا أحكاما كما تشاؤون و لكن قيدوا أحكامك بالعدل فلا تنفلت منه أبدا.

رسائل قطعت شوطا كبيرا حتى استقلت بين أيدينا يجمعها لنا يوسف في أوراق يصعب التمييز مما صنعت لتتحمل كل هذا الثقل الذي لم يحتمله ظهر الساعي و لا حقيبته، فأنى لبضع ورقات أن تحمله صامدة؟! أتراها من زبر الحديد أم ماذا؟

أوجدت حقا بين الرسائل رسالتي؟ بلا، فقد كانت كل الرسائل رسالتي: قضايا معلقة في ذهني تنتظر دورها أن يتخذ بإصرها قرار قاطع يحدد مصيرها و مثواها.

أثر الكتاب في كثيرا في بضع ساعات؛ و هو زمن إنهائي قراءته، فشعرت بمعنى الرحمة و التواضع و الإيثار حين أحسست حرارة كف العجوز تربت على ظهري بعد إجلاسي إياها في مكاني متأثرة بما ذكر في الكتاب.

أرأيتم كيف لقطرات حبر أن تغير أمما؟!

أرأيتم كيف كان للقدر مجال في تحقيق أمانينا فبدلا من التأفف منه حين لا يأتي بما يسعدنا؛ فلنمحوا له الماضي، و لنقدم له جزيل الشكر على إسقاطه الرسائل من ساعي البريد!


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Mariam Amr Bassioni

تدوينات ذات صلة