لا ينكر اثنين ان الترابط والتلاحم الاجتماعي في مجتمعاتنا في انحلال مستمر

،ولأنه من الطبيعي إذا تُركت مشكله دون علاج فإنها ستتفاقم وتفتح الابواب لمشاكل أخرى، وهذا ما حصل، فالوهن امتد وطال الاسرة، فنخرت العلاقات بين افراد البيت الواحد، إلى أن آل بنا الامر وأضحينا نغبط كل اسرة ما زالت متماسكة مترابطة. وزادت حدة هذا الوهن الى ان طال الفرد، فأصبح الفرد العربي يعيش بِـ إزدواجية غريبة !؟ فنحن لا زلنا نمتلك مخزون لا بأس به من الاخوان والأصدقاء والاحباب، لكننا في الوقت نفسه لا نثق بأحد!!

ولأننا ندور في نفس الدائرة فلربما تكون منبع المشكلة بعكس ما ذكرت.

لذا نحن هنا في صدد الوقوف على أحد أسباب هذه التبدد والتشتت وهو انعدام الثقة بين الافراد، ولأكن أكثر وضوح ومنطقية أقول نحن هنا لنرقع ما يمكن ترقيعه.

......

يقول سييف ستيفنز وهو عالم بيانات سابق في جوجل: الناس يكذبون على أصدقائهم، وأحبابهم، وأطبائهم، وحتى على أنفسهم، لكنهم يشاركون جوجل جميع معلوماتهم العادية والمحرجة مثل (الزواج الذي يخلو من العلاقة الجنسية، وجوانب الصحة العقلية، وانعدام الشعور بالأمان، والعنصرية والميول وغيرها ...

ومن جهتي اخذت منحنى أكثر حساسية فأجريت استطلاع للرأي على صفحتي في الانستقرام وكانت النتيجة مثل ما توقعت، فـستة وسبعون بالمئة من المشاركين في الاستبيان يفضلون الاحتفاظ بأسرارهم وعدم مشاركتها مع أحد، وخمسة عشر بالمئة منهم كانوا مطاطين أكثر فهم يشاركون ولكن بحذر، والفئة القلية المتبقية هي التي لا تمتلك اسرار لأنها تبوح بكل اسرارها مع كل من حولها.

اما بالنسبة للمبررات الفئة الاولى فكانت محصورة تقريبا بين: (يقول الكاتب الفلاني ويقول الشاعر الفلاني، الحياة علمتني، لا أحد يستحق الثقة، الأقارب عقارب، لكي لا اندم)

وإذا ما أردنا دمج وجعل (ما قاله سييف ستيفنز ونتائج استطلاع الرأي) في ايطار منهجي سنقول ان مسببات انعدام الثقة بين الناس تتمحور في:

*التجارب الفاشلة.

*وجود ملجأ آخر (الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي).

*التأثر بآراء الاخرين .

......

وقبل ان نبدأ في البحث عن الحلول يجب ان نعرج على سؤال مهم وهو: هل كل حدث يصلح بأن نطلق عليه مصطلح سر؟ بالتأكيد لا... فهناك معايير عند كل شخص، فما اراهُ انا عاديا، ممكن ان تتحفظ عليه انت بشده، والعكس. وهذا ما يوصلنا لسؤال آخر: هل جميع اسرارنا اسرار؟ اترك لكم الإجابة.

......

أرى ان بين الثقة العمياء وبين انعدام الثقة هناك منطقة يمكننا ان نطلق عليها "المنطقة الدافئة"، منطقة لا يغلب فيها العقل الحب ولا يغلب فيها الحب العقل، هي منطقة ترويض النفس والتحكم بها، منطقة التقبل والتسامح وإعطاء الفرص. فالحل يكمن في سقل هذه المنطقة وإعادة اعمارها وترسيخ أسس قوامها بين الافراد، فمن خلالها يستطيع الفرد التحكم بأفكاره ومشاعرة فيمسك العصا من المنتصف فلا يشد فيقع فالأولى ولا يرخي فيسقط في الثانية.

نعم لست مع البوح بجميع الاسرار، لكنني أيضا لست مع كبتها جميعاً، فحتى الورقة تصبح أخف إذا حملها اثنان، والتركيز هنا ليست في حمل الورقة بل مع من تُحمل. لذا يجب تقييم حجم السر أو المشكلة أولاً، بعدها نستطيع ان نحدد مع من تشارك، اخ، صديق، قريب، أب، أم، حبيب، ابن، ام يجب الاحتفاظ بها لأنفسنا.

أدرك تماما ان الامر ليس بهذا السهولة، ففيه من التعقيد الشيء الكثير، لكن الأصعب هو انعدام الثقة صدقوني.

عزيزي عزيزتي إذا ما أردنا الحفاظ على تماسك ما بقي لنا من خيوط اسرية فيجب إعادة هيكلة هذا الجدار المتداعِ.لِنتخلص من أفكار فلاسفة الرومانسيه فليس كل طريق يتجه للداخل، لنتخلص من فكرة ان قلوبنا من زجاج، وما كسر لن يعود، بل يجب علينا ان نؤمن ان التسامح وإعطاء الفرصة تلوا الأخرى والتفكير بمنطق العقل والحب معا كفيل بإزالة هذه التفكك أو شيءٌ منه على اقل تقدير.

ولأننا نعيش تحت سقف واحد فهذا يجعل منا متشاركين في البناء او الهدم، فإذا ما أردنا تقويم المجتمع فيجب علينا تقويم الاسرة أولا وإذا ما أردنا اصلاح الاسرة يجب علينا اصلاح الفرد، ولن يحدث هذا الا بتفعيل الثقة بين الافراد، والى سنعاني مثلما تعاني بعض المجتمعات التي فقدت فيها الثقة جوهرها فحلت محلها المصلحة والمادة.

ختاماً: لنبحث عن المنطقة الدافئة لِنُريح ونستريح.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

مقال بديع لفكرة حميمية ، لعلني ارى تباين بين المنطقة الدافئة ، الاسرة والأسرار
الترابط الأسري قد لايوجد المنطقة الدافئة المعنية بالثقة، برأيي المتواضع حيثما برز الاهتمام الحقيقي المصحوب بقليل من الحب الغير مشروط توفرت المنطقة الدافئة من اي احد وفي اي مكان

راقت لي جدا عباره *المنطقه الدافئه* مقال اكثر م رائع.

أحييك على هذه النظره العميقة..لكن من رأي لا توجد حلول جذرية لهكذا مشاكل، رغم أن المنطقة التي تكلمت عنها راقت لي كثيراً

إقرأ المزيد من تدوينات خالد الزعابي

تدوينات ذات صلة