روى ابن الجوزي رحمه الله حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه " إذ بينما الحُجَّاج يطوفون بالكعبة، ويغرفون الماءَ مِن بِئر زَمْزَم، قام أعرابي فحسر عن ثوبه،

ثم بال في البئر والناس ينظرون،فما كان من الحجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت،وخلَّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبَّحك الله، لِمَ فعلت هذا ؟. قال الأعرابي: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فُلان الذي بال في بئر زمزم .فما أقبح فعلته، وما أكثر المقلدين لها.

نحن كبشر بطبيعتنا نحب التميز والظهور المرموق في البيئة التي تحتوينا، بغض النظر عن الحدود البيئي لكل فرد، ولا عيب في ذلك فكما يؤكد علماء الاجتماع دائما على تفعيل أكبر قدر من الغريزة الاجتماعية في طبع البشر وأن العذول عن هذه الغريزة هو ما يسبب القلق. لكن أن نجعل من هذه الغريزة هوس ينقاد صاحبها لارتكاب حماقات وتنازلات دنيئة فقط من اجل الوصول إلى مبتغاه! فلم يعد مهمَّا لماذا تريد ان تكون مشهوراً وإنما المهم أن تصْبح، بأية طريقة أو بالأصح بأبسط وأسهل طريقة. وتعال معي لِتُقْنِع هذا وتلك بأن الجمال وحده ليس مؤهِلاً للظهور، وأن الرسالة أو المبدأ هو المطلب الأساسي لتقويم المتلقي، وأن المنخرط في أي مجال يجب أن تكون له حصيلة ومعرفة ونزاهة في إيصال المعلومة. حاول وستجد المستحيل. يقول جون فيشر مجتمعاتنا يتم تخريبها بهذه المعادلة: الشباب يساوي الشهرة، الشهرة تساوي النجاح، والنجاح يساوي السعادة.

رسالتي ستنقسم إلى شطرين، أما الأول فهي لكل مهووس بالشهرة، أعلم عزيزي ان الشهرة هي مناط تكليف وليس تشريف كما تظن، وانك مسائل امام الله على كل كلمة وكل رسالة وكل حماقة تخرج منك، أعلم أن الذي لا يغارُ على أهله لا يُرجى منه شيء ولن أذهب بوصف ابعد عن هذا ، فلا تجعل من أهلك سلعة وسُلَّم لرغباتك ونزواتك، ولتعلمي يا أختاه أنه لم ولن يكرمك أحد كما كَرَّمَكِ الإسلام، فلا تُخدعي بهم فَيسيقونَكِ إلى هذا الهوس، قدمي محتواكِ دون تفسخ وانحطاط. واعلموا ان حياتكم لكم فلا تشاركونا خصوصياتكم، فلكل بيت حرمته. وأن التوهج يليه اشتعال ثم احتراق ثم رماد والنتيجة هباءً منثورا، فلا تغركم المعطيات وتنساقون خلف جَشعِها وأكتفوا بالتوهج.

أما الشطر الآخر فهو للمتلقي. إذا كان المهووس بالشهرة يرضى بأن يتنازل عن قيمه وأخلاقه فلماذا نساعده نحن بمتابعتنا لهذا الانحطاط؟ لماذا نجعل من الحمقى مشاهير؟ لماذا لا نميت الباطل بالتغاضي عنه؟ لماذا لا نبحث على ما هو مفيد في وسائل التواصل؟ لماذا صار البعض مهوسين في حياة (الكبلز) الذين يدعون الكمال في العلاقة، والزمن كفيل في توضيح النهايات؟ والغريب ان كثير من الناس يتابعون اشخاص لا يروقون لهم! ويضح ذلك جليا في تعليقاتهم، لكن هوس معرفة أخبار المشهور والبحث عن زلاته هو من يقودهم إلى الانصياع والمتابعة!؟ إذا نحن وبهكذا أفعال ارتضينا ما يقدمون وإلا لماذا نتابعهم؟ إذا نحنُ مشاركون في هذا التقهقُر بصورة أو بأخرى.

بتاتا لست ضد الشهرة، بل أرى أنه يجب على كل صاحب رسالة سامية ان يوصلها للمجتمع، فحقٌ على هذه العقول الظهور، وحقٌ للكلمات والأفعال السامية أن ترى النور، لكننا وللأسف صرنا نعاني من شح الفائدة في وسائل التواصل، وهنا لا أحصر الفائدة بالمحتوى الثقافي أو الادبي أو الديني، فالشخص الذي يستطيع أضحاك الناس دون الإساءة فهو يقدم رسالة جميلة يعجز عنها الكثيرون، وذاك الموهوب في أي مجالٍ كان رياضي أو فني فهو أيضا يقدم رسالة، فالمحتوى الجيد ليس مقصورا على الثقافة والأدب. ولنجعلها كالمعادلة: فكلما كثُر عقلاء البشر كُلما قل أقزامهم، فهي رسالة لكل صاحب محتوى: أبهرنا بما لديك، ولا تترك مجالاً للمشوهين، فكفانا حماقات.

ختاما يقول المصطفى: "رُبَّ أشعثَ أغبر مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره"

فالشهرة الحقيقية هي أن تكون معروفاً في السماء. فياليت قومي يعلمون.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات خالد الزعابي

تدوينات ذات صلة