أميرة القسطنطينية

حكاية من التاريخ، صوّرت بلذّة العمارة؛جوهرة العمارة البيزنطية

ارتدى العالم العديد من الأثواب الحضارية، فكانت هذه الحضارات بمثابة النتاج الفكري والثقافي والمادي، حيث قدّمت كافة العلوم من الطب الى الجغرافيا وغيرهما، لذلك يعتبر تاريخ الحضارات أثمن وأغلى الأمور في الحياة البشرية ومن الضروري ان نعي انّه تجلى في فنّ العمارة الذي تغنّت به الحضارات السّابقة فكان فن العمارة مقسم ضمن إطارين: يكون هذا الفن قد تمّ بناؤه على يد الغزو، امّا على يد أهل البلاد. وعليه سأتناول في هذه السلسلة فنون العمران في البلاد العربية والغربية وستكون وجهتي الأولى الى بلاد العثمانيين فلابد من الإضاءة على مدى نجاحهم آنذاك في نقش العمران وبالإضافة الى هذه السّلسلة سيكون لنا وقفة عند قصة كلّ قلعة:

أ‌. آيا صوفيا:

"آيا صوفيا" باللغة التركية، "الحكمة المقدسة" أو "الحكمة الإلهية" باللغة الإنجليزية.

والجدير بالذكر مرّت آيا صوفيا في العديد من المراحل:

أولا، يعود بناء آيا صوفيا إلى العهد الروماني حيث بُني من قبل الإمبراطور الروماني قسطنطين في الفترة ما بين 325-330 قبل الميلاد، وكان الإمبراطور قسطنطين أول إمبراطور روماني يعتنق الديانة المسيحية لذلك أمر ببناء آيا صوفيا لتكون كنيسة مسيحية، وذلك خلال إعادة بناء مدينة بيزنطة لتكون عاصمة له.

أما البناء الحالي لآيا صوفيا فيعود إلى القرن السادس، وذلك بأمر الإمبراطور البيزنطي جستنيان بإعادة بناء الكاتدرائية، وبعد ذلك مرت آيا صوفيا بعدة تحولات حيث وفي عام 1453 عندما احتل العثمانيون المدينة تم تحويلها إلى مسجد وبعد ذلك في عام 1935 تم تحويلها من قبل جمهورية تركيا الجديدة إلى متحف.

وتجدر الإشارة بأن الجمهورية التركية قد اعادت آيا صوفيا الى مسجد.

امّا في الشق الجغرافي والعمراني فلابد من ذكر ان مسجد آيا صوفيا كما هو معروف اليوم في تركيا يقع في إسطنبول في مدينة فاتح وبالقرب من السلطان أحمد ويتألف من طابقين حيث ندخل من باب ونتجه مباشرة الى قاعة ضخمة وهناك درج إذا كنت ترغب بالصعود الى الطابق العلوي. امّا الطابقان يطلّان على القاعة ويحتوي سقف البناء قبة كبيرة، ومجموعة قباب أصغر في الأعلى. ويجدر الذكر انّ الدخول الى هذا المسجد هو مجانيّ.

أما بالعودة الى حكاية هذا المسجد، تقول القصة:

سميّ هذا المسجد بآيا صوفيا نسبة الى قديسة مصرية اسمها (الحكمة الإلهية) باليونانية فكانت هذه القديسة تعبد الأوثان الى ان تأثرت بالديانة المسيحة فاعتنقتها، ثمّ كان اعتناقها لهذه الديانة وتأثرها بها ترك أثر كبير في نفوس المسيحين. فذاع صيتها في إرجاء المملكة حتى وصل الى مجلس الإمبراطور الوثني الروماني أكلوديوس بدوره خاف منها فأمر بقتلها، وبهذا الخبر والأمر أصبحت أيا صوفيا شهيدة الدين المسيحيّ.

تغيّرت أحوال هذه اللؤلؤة في عهد القسطنطيني الأكبر حيثً أمر بنقل جثمانها الى القسطنطينية لتدفن هناك، وتمّ بناء حولها كنيسة عظيمة عام 360م، الا انّ البناء الأول لهذه الكنيسة دمّر بسبب زلزال قويّ، وفي عام 415م تمّ امر بإعادة افتتاحها للعبادة من قبل الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني. وفي نفس الصدد انّ هذا المبنى تعرض للتدمير مرة أخرى بسبب بعض الثورات عام 532م، وبعد 5 سنوات من هذا التاريخ تمّ الانتهاء من بنائه للمرة الثالثة على يد الإمبراطور البيزنطي جستينيان الأول عام 537م الذي امتد حكمه من اسبانيا الى منطقة الشرق الأوسط، ولابد من الإضاءة الى الغاية لإعادة بناء الكنيسة هو حيث أراد ان تكون صرحا تاريخيا لا مثيل له في العالم.

وتسرد الرواية كيف تحولت هذه القلعة المسيحية لأول مرة عند الفتح العثماني على يد السلطان محمد الثاني الملقب (محمد الفاتح) للإمبراطورية الرومانية وهذا الدخول عام1453م حوّل هذه الكنيسة من محطة انظار المسيحين الى وجهة المسلمين في الصلاة بعد ان صلى فيها للمرة الأولى، وهذا الدخول لم يؤثر فقط بآيا صوفيا انما أيضا حوّل اسم المدينة الى إسطنبول.

وهنا لابد من ذكر كمال اتاتورك الذي انهى حكم الخلافة العثمانية و اقام جمهورية علمانية للبلاد و في عام1931 حيث منع ايّ شعار دين و حول هذا المسجد الى متحف وطني، لكن العثمانين وعلى مدار الأعوام طالبوا بإعادته الى مسجد وبعد 85 شهرًا أي في عام 2016 طلب الرئيس بأن ترفع يوميا في شهر رمضان تلاوة القرآن الكريم من نفس الموقع الذي خمد فيه أخر مرة، وليس هنا فحسب بل وفي نفس الصدد عام 2016 طرح الرئيس إمكانية إعادة الكنيسة الى جامع بعد ذبح كريس في نيوزيلاندا.

و في الختام عادت أيا صوفيا مسجد ووجهة للسياح عند النزول الى إسطنبول، و لا يمكن ان يُنس البناء المجاور لها بناء السلطان أحمد(يتبع).