مراجعة كتاب "من أبواب متفرقة" الكتاب عبارة عن مقالات، إلا أنها تحمل من كل فن طرب، بينما تلجُ كلمات الكاتب أبواب متفرقة ومتنوعة من أبواب الحياة.
رافقني هذا الكتاب مدة من الزمن، راهنتُ في البداية على قراءته ولم أندم مطلقا على هذا الرهان لأني وجدته عكس الكتب الاعتباطية والركيكة التي يتداولها البعض ويثني عليها بالمدح والتضخيم بينما إذا قرأتها وجدتها لا تزنُ مثقال ذرة في ميزان الأدب أو المنطق.
بالرغم من كون الكتاب عبارة عن مقالات، إلا أنها تحمل من كل فن طرب، بينما تلجُ كلمات الكاتب أبواب متفرقة ومتنوعة من أبواب الحياة، حيثُ المعنى والمغزى، وأينما وُجدَ المعنى وجدت الحياة.
لطالما أبغضت المحبطين والمثبطين، حتى إذا ما مررتُ بهم أجدني أوَلي مدبرةً أجرّ أملي باحثةً عن مخرجٍ من قوقعة البؤس والشقاء التي أقحمتُ فيها نفسي، حتى توالتْ عليّ الإحباطات فانزويتُ على نفسي غير آبهةٍ بعقد علاقات أو صِلات من هذا النوع.
إن أسوءَ ما يمكنُ أن يعيشهُ المرء هو أن يفقد المعنى، فيصبحُ بذلك تربةً منجرفةً لا أمل في إحيائها من جديد.. ومتى فُقِد المعنى ماتَ الشخصُ إلا من جسدٍ يستنشقُ الهواء ويقتاتُ الطعام منتظراً أجله، لا القلبَ ينبضُ بالحياة، ولا العقل يفكر ويتدبر في السماوات. خلقَ الإنسان ضعيفاً، وفي كبد ومشقة، وجودنا في الحياة الدنيا تختزله كلمة الاستخلاف في الأرض، وهذه الكلمة تحملُ بين طياتها الكثير والكثير من المسؤولية والمشقة والصبر واليقين والتمسك بالإيمان ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا..وجودنا ليس اعتباطيا ولم يكن كذلك، بل أنه ينطوي على حكمة إلهية عظيمة، وما دام الله أوجدنا في هذه الدنيا إلا وعلينا أن نتحمل ما نتجرعه منها سواء كان ذلك عذب زلال، أو آسنٌ مرٌّ، وكما نستمتعُ ونتمتع بلذّة الأول، فعلينا أن نصبر ونستحمل علقم الثاني، فكلاهما وجهان لعملة واحدة ألا وهي الحياة.
إننا وإن بلغنا عنان السماء، وتطاولت بنا الإنجازات من الممكن أن نعودَ للنقطة التي بدأنا منها في رمشة عين، فمن الحكمة أن نعطي لكل ذي حق حقه. لنفسنا علينا حق، ولخالقنا علينا حقوق. ولأهلنا وأحبابنا ورفاقنا علينا حق، لوطننا علينا حق، ولإخواننا المسلمين علينا حق، للإنسانية علينا حق، ولديننا علينا حق، لكل ذي كبد رطبة علينا حق، ما دمنا وجدنا لنستخلف في هذه الأرض.
إذا كانت الحياة هي المعنى، فإن هذا المعنى نصلُ إليه بعبور أبواب متفرقة، وهذه الأبواب يعنونها الكاتبُ حسب مسار حياته، وطريقه الذي عبره ليصلَ لهذه المعاني، فإن كان بابُ الحبّ يدخلنا في متاهة المعاناة والعشق وتجرع الآلام، إلا أننا بالنهاية نصلُ لمعنى واحد وهو أن الحبّ الحقيقي لا يموت، ويوجدُ الحبّ الحقيقي متى وُجِد الشخص المناسب، بغض النظر عن التجارب التي خضناها في البحث عن هذا الحب، إلا أنه يأتي في اللحظة التي نتوقفُ فيها عن البحث، لأنه رزق، والرزق مهما سعينا جاهدينَ لتحصيله إلا أنه نعمةٌ من الله يهبها لمن يشاء، ويمسكها عمن يشاء؛ وهنا لا أقول أننا علينا أن نضع يداً على الخدّ، وننتظر الحياة لتهبنا المال والعمل وتحقق لنا الطموحات ونحن جالسين. بل أن هناك ما يأتي دون بحثٍ أو سعي وراءه. وإذا مررنا بباب الحكمة فإنه سينبغي علينا أن نخوضَ غِمار التجارب، وأن تضُمّنا المواقف إلى حضنها، وتدرِسُنا الصّعابُ على بيادرها، وتغربلنا المعاناة كي تحرّرنا من الضّغفِ والوهن، وأن تطحننا الآلام كي تجعلنا أقوياء أنقياء أتقياء، ثم تعجننا بالإيمان واليقين كي نلين ونستقيم.
وسيراً على قصيدة الشاعر أحمد شوقي أقول:
وما نيلُ الحياةِ بالتمني
ولكن تؤخذُ المعاني غلاباَ
وما استعصى على قومٍ منالٌ
إذا الإقدامُ كان لهم رِكابا
وأعتذر من الشاعر على تغيير البيتين الأولين، ليتوافقا ومعنى النص.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات