القيم المستنبطة من كتاب "ماجدولين" للكاتب الفذ مصطفى لطفي المنفلوطي
"ماجدولين" أو "تحت ظلال الزيزفون" هي مختصر لسلسلة من المعاناة، والبؤس، والشقاء التي قد تواجه فردا من المجتمع قُدّر له أن يربى يتيم الأم، فاقدَ عطف الأب، يترنّحُ بين ألم فقدان الأولى، وفظاظة قلب الثانية، وتأبى الحياة إلا أن تدعسه تحتَ قدم المعاناة، وتذيقهُ من مرارتها شرابا مزيجُه الخيانة، والغدر، ولوعة الحب، وقلة الحيلة، مع الحضور القوي للماديات داخل ساحة الوغى.
إن المسافة بين جمال البدايات، وقساوة النهايات تكمن داخل الشخص بعينه، حيث يقف مسؤولا أمام وعوده التي نكثها، وخجلا في حضرة الوفاءِ، إثر الخيانة التي اقترفها، فلا هو يصحح مسار أغلاطه التي سار على دربها، ولا هو يغفر لنفسه الذنوب التي اقترفها في حق من أحبه وصانه، فغرز خنجر الغدر في صدره.
بين ماجدولين الفتاة القروية الساذجة بعفتها وحيائها، وطهارتها وشرفها، وبين ماجدولين المتمدنة الصاخبة بانجرافها في تيار الماديات والقصور والأبهة، يختفي جمال استيفن بروحه الشاعرية الصادقة، ومشاعره الطاهرة الغيورة، وأخلاقهُ الطيبة ومروءته في نظر ماجدولين، بعد أن زيّنت لها شياطين الإنس أهمية الغنى والثروة، واستحقرت لها مشاعر الحب الفقيرة المفقرة التي لا تزيد المرء إلا افتقارا وتدهورا، فمن أين لنفس لا ترى في شريكها إلا ما يمتلكه في جيبه، وتزنه بميزان ثروته، أن تعرف أو تُقدّر أهمية الحب والمودة التي قد تجمع شريكين في حياة بسيطة غنية بالمشاعر الصادقة، ثرية بالمودة والحب، مستغنية عن ثروات الدنيا بحضن يحتويها فينسيها هموم الدنيا وما فيها، وروحٍ تغدقُ عليها باهتمامها وعطفها، بينما تفيض عليها من خيراتِ قلبها فتشبعُ وتقنع، وتطمئن؟
إن حياة المرء سفينةٌ هو ربانها، يتحكم في سيرها، ويختارُ لها بعنايةٍ من يشاركهُ قيادتَها، ويتعاونُ معه في قيادتِها، ومتى ما توافرَ التّوافق الرُّوحي، والميول القلبِي، والتفاهم العقلي؛ بحيثُ يكون يومٌ عليهِ ويومٌ على شريكهِ، حينها فليعزِم أمره، وليحزِم قرارهُ، وليتوكل على خالقهِ داعياً تيسيرَ شأنه. فليسَ للمتحابينَ من مآلٍ يرضي خالقهم، ويُطَمئنُ قلبهم إلا التّرابُط برباطٍ شرعيّ مُقدّسٍ، يكونُ فاتحةَ خيرٍ لإطلاقِ العنانِ لطائرِ الحبّ الذي جمعهم، ولِغرسِ ثِمارِ المودةِ في عشِهم، بغيةَ قطفِها ناضِجةً وقتَ الشّدّةِ فتذكّرهم بسالفِ عهدهم، وتُجدّدُ حبّهم الخالد إلى الأبد.
يأبى قلمي إلا أن يسافرَ بعيدا عن صلبِ الموضوع، ويستنشقَ عبير الاستثناءات الواردة، معاتباً الحقائق المؤلمة التي تناولها الكتاب، فقد حالَ غدرُ الحبيب طمعا، وخيانة الصديق شهوةً، عن اجتماع عصفورينِ تعاهدا على مشاعر الوفاء قبل الحب. وقبّحَ الله الفقرَ والغدر إذا اجتمعا على شخصٍ واحدٍ بائس مسكينٍ، يغرزان مخلبيهما في صدره، ويُمزّقانِ قلبهُ أشلاءً دون شفقةِ منهما أو رحمة.
ما يبنى على باطلٍ، فإن مآلهُ أن يصيرَ هشيماً تذروه رياحُ المللِ والبرود، أفمن أسّسَ بنيانه على الصّدقِ، والوفاءِ بالعهدِ، والحُب، كمن أسّسَ بنيانه على التّلاعب، والتمثيلِ، وتزييفِ المشاعر، لا يستويانِ أبدا. فأيٍّ من امرؤ غلبتْه شهوته ودفعتهُ غريزته لأمرٍ، إلا ويغدو جافّاً بارداً بعدَ أن يقضيَ منه وطره
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات