تعرفنا في الجزء الأول على أساليب التهجير، وهنا نعرف حال الفلسطيني في أرضه وخارجها.


أدت حرب 1948 وبعدها حرب الأيام الست سنة 1967 إلى تشتيت وتهجير عدد يقارب نصف سكان فلسطين التاريخية، حيث لم يبق داخل الأراضي المحتلة سوى بعض العرب الفلسطينيين والذين يطلق عليهم الآن عرب 48 نسبة إلى الداخل الفلسطيني المحتل الذي يسمى بأراضي ال 48. هُجِّر الفلسطينيون إلى الضفة الغربية وإلى قطاع غزة، فأصبحتا بذلك خليطا من سكان أصليين ومُهجرين لاجئين ونازحين (اللاجئ هو من هُجر من بلاده عام 48 أما النازح هو من نزح من بلاده بعد حرب 67)؛ بالإضافة إلى تهجريهم إلى دول عربية وأجنبية والذين يطلق عليهم مصطلح فلسطينيو الشتات. يقدر العدد الكلي لفلسطينيي العالم في مطلع عام 2020 وفقا لمركز العودة الفلسطيني بحوالي 13 مليون و350 ألف فلسطيني يعيش ما لا يقل عن نصفهم خارج بلدهم.


تعتبر الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) اللاجئين الفلسطينيين أولئك الذين أقاموا في فلسطين والذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948. كما أن ذرية أولئك اللاجئين الفلسطينيين الأصليين يستحقون أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة باعتبارهم لاجئين كذلك. في عام 2015 سجلت الأونروا ما يقارب 5 ملايين ليرتفع العدد بعد بضع سنين إلى 6 ملايين لاجئ، يعيش ثلث اللاجئين المسجلين في مخيمات رسمية للأونروا يبلغ عددها 58 مخيم في كل الأردن ولبنان وسوريا (قبل الحرب الأهلية) وقطاع عزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ويعيش الثلثان الآخران في مناطق قريبة من هذه المخيمات لتيسير الوصول إلى الخدمات التي تقدمها الأونروا. تم إضافة عشر مخيمات أخرى لاستيعاب النازحين بعد حرب 67 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. وفقا لمركز العودة الفلسطيني وفي سياق نتائج التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2018-2019 الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، فإن العدد الحقيقي للمهجرين اللاجئين بما فيهم غير المسجلين لدى الأونروا يبلغ حوالي 9 مليون لاجئ، أي يفوق المسجلين لدى الأونروا بثلاثة ملايين لاجئ.


نتيجة الحروب والقوانين والاتفاقيات أصبح من الممكن تقسيم الفلسطينيين إلى خمس مجموعات، كل واحدة منها تسري عليها قوانين مختلفة ولها هوية مختلفة وإدارة مختلفة، وهذا التقسيم أحد صور الاضطهاد والاستبداد المتبع من الكيان الصهيوني تطبيقا لمبدأ "فرِّق تَسُد". هذه المجموعات هي سكان الضفة الغربية وقطاع غزة وعرب 48 (الداخل المحتل) وفلسطينيو القدس الشرقية وفلسطينيو الشتات. فيما يلي نعرض أحوالهم بشيء من التفصيل.


الضفة الغربية وقطاع غزة:


قبل حرب 1967، كانت الضفة الغربية بما -فيها القدس الشرقية- خاضعة للسيادة الأردنية، بينما قطاع غزة كان خاضعا للسيادة المصرية. حينها منحت الأردن الجنسية الأردنية لسكان الضفة الغربية ولمن لجأ إليها من مهجرين، وأصبحوا مواطنين أردنيين متساويين مع غيرهم في الحقوق والواجبات، وكانت الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية. أما غزة حينها لم يتم ضمها إلى مصر، واكتفت مصر بإدارة شئونها فقط. قامت في غزة السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكان سكانها يتمتعون بالجنسية الفلسطينية، إلا أنها كانت جنسية ناقصة لعدم وجود دولة فلسطينية معترف بها دوليا. في حقبة الخمسينات أصدرت حكومة عموم فلسطين جوازات سفر فلسطينية باسمها، ولكن لتلاشي الحكومة بعدها ولعدم وجود اعتراف دولي بدولة فلسطين توقف العمل بها، وأصدرت مصر وثائق سفر مصرية لسكان القطاع عوضا عن تلك الجوازات.


بعد حرب 1967، أصبحت المنطقتان تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من عدم اعتراف المجتمع الدولي والأمم المتحدة بشرعية السيادة الإسرائيلية عليه، إلا أن الاحتلال يتحكم في حركة البضائع والسكان على الحدود، وتسري قوانينه على المستوطنين في المستوطنات التي أنشأها وعلى القدس الشرقية. وعليه أصبح على الفلسطينيين في الضفة حمل هويات شخصية صادرة من قِبل الاحتلال تثبت استحقاقهم للإقامة الدائمة في الضفة الغربية، هذه الهوية (بطاقة تعريف شخصية) كانت ضرورية للسفر إلى الخارج، وإذا جاوزت فترة غياب حامل الهوية المدة المحددة من قبل الاحتلال، يسقط حق الإقامة عنه ولا يسمح له بالعودة.


بعد توقيع اتفاقيات أوسلو سنة 1994 بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، خضعت أجزاء واسعة من الضفة الغربية -دون القدس الشرقة- وقطاع غزة لحكم ذاتي فلسطيني مع سيطرة الاحتلال على مساحات واسعة من الضفة. وبعد انسحاب الاحتلال الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، ومع قرار فك الارتباط الصادر من المملكة الأردنية الهاشمية منذ سنة 1988 والذي أدى إلى انسحاب الإدارة الأردنية من الضفة الغربية، أصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة أراضي فلسطينية وأهلها مواطنون فلسطينيون دون غيرهم من الفلسطينيين في العالم. وعليه أصبحت جوازات السفر الأردنية مجرد وثائق سفر ليس أكثر ولا تضمن حقوق المواطنة الأردنية ولا جنسيتها لحامليها.


تعتبر جوازات السفر إحدى علامات الاعتراف الدولي بوجود الدولة واقعيا، ولذلك، كان من نتائج اتفاقيات أوسلو أن شرعت السلطة الوطنية الفلسطينية باستخراج جوازات سفر للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. يحق لمن يحمل شهادة ميلاد فلسطينية أو بطاقة شخصية فلسطينية أن يستخرج جواز سفر فلسطيني. أما المقيمون خارج فلسطين يجب عليهم تقديم توكيل صادر عن جهة رسمية كسفارة أو محكمة مختصة أو كاتب عدل يثبت نسبهم الفلسطيني. وبالطبع، إصدار هذه الجوازات يقع تحت رحمة الاحتلال بناء على الصلاحيات الممنوحة له في اتفاقيات أوسلو.


يوجد 3 أنواع من الجوازات: جواز السفر الدبلوماسي للقيادات العليا المختلفة ولونه أحمر، جواز السفر العادي ذو الغلاف الأسود وصلاحيته خمس سنوات ويعطى لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة ويواجه سكان القدس الشرقية تعقيدات في استخراجه كونهم يحملون جوازات سفر أردنية وهويات إسرائيلية -كما سأذكر لاحقا-، والثالث هو جواز السفر الخاص باللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات وهو لا يختلف عن الجواز العادي وتصدره السفارات الفلسطينية في هذه الدول.


القدس الشرقية:


سرى على القدس الشرقية كل ما سرى على الضفة الغربية -كما ذكرنا سابقا- حتى حرب 1967. بعدها سيطر الاحتلال على القدس الشرقية وضمها للغربية، وأصبح اليهود يدخلونها بكل حرية، وقام الاحتلال بهدم حارة المغاربة ليصبح حائط البراق مواجها لساحة فارغة يتعبد فيها اليهود، وأطلقوا عليه اسم حائط المبكى. ظل المسجد الأقصى وقبة الصخرة خاضعين للأوقاف الإسلامية بإدارة هاشمية. وبالطبع لم تتوقف محاولات تهويد المنطقة منذ ذلك الحين بكافة الوسائل والتي هي بالطبع غير شرعية.


وعلى الرغم من حقيقة أن ضم أرض إلى دولة يقتضي بطبيعة الحال تجنس أهل هذه الأرض بجنسية هذه الدولة، إلا أن الاحتلال لم يفعل ذلك، ولم يحصل سكان القدس العرب على الجنسية الإسرائيلية. في المقابل تم منحهم بطاقات الهوية الزرقاء التي تضمن لهم حق الإقامة الدائمة في القدس -بالنسبة للاحتلال هو حق الأجنبي في الإقامة في دولة إسرائيل-. بقي سكان القدس الشرقية حاصلين على الجنسية الأردنية حتى قرار فك الارتباط سنة 1988، فأصبحوا بدون جنسية أردنية، مع الاحتفاظ بجوازات السفر الأردنية كوثيقة سفر ليس إلا، ولأن القدس الشرقية قد ضمت للغربية فسكانها لا يحملون الجنسية الفلسطينية كما هو الحال في باقي الضفة الغربية بعد اتفاقيات أسلو 1994. لذا فإن أهل القدس يحملون جوازات سفر أردنية وهويات زرقاء إسرائيلية دون التمتع بأي جنسية من الثلاث، فلسطينية أو أردنية أو إسرائيلية. تفرض هذه الهويات الصادرة عن الاحتلال لأهل القدس بعض الحقوق والواجبات وتحرمهم من بعضها كذلك؛ فتمكنهم هذه الهوية من حق الانتخاب والترشح للمجالس المحلية في القدس ولا تمكنهم من الترشح للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، لهم حقوق التأمين الوطني التي تدفعها حكومة الاحتلال لمواطنيها ويلتزمون بدفع الضرائب كالمواطنين الإسرائيليين. كما تجيز هذه الوثائق لهم الحصول على وثائق سفر إسرائيلية صالحة لمدة سنة واحدة فقط.


عرب 48 – فلسطينيو الداخل:


كما ذكرنا، هم من بقوا في الأراضي المحتلة بعد حرب 1948، ويطلق عليهم الاحتلال لقب "عرب إسرائيل" بهدف دمجهم مع المستوطنين المحتلين وعزلهم عن فلسطينيي قطاع غزة والضفة الغربية وهم بذلك حاملين للجنسية الإسرائيلية. يمثلون 20% من سكان الأراضي المحتلة البالغ عددهم تسعة ملايين أو يزيد ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية لدى حكومة الاحتلال وخاصة في مجال التوظيف. يقول جان مارك ليلينغ، محام فرنسي إسرائيلي يعيش في تل أبيب، متخصص في شؤون المجتمع المدني الإسرائيلي وناشط في مجال السلام:

"يجب أن أعترف أن هناك بعض التمييز المؤسساتي، المرتبط بغياب تعريف واضح للدولة اليهودية فالتساؤل حول الهوية في البلاد مستمر، لكن تحت ستار كونها دولة يهودية وديمقراطية يتم إعطاء الأفضلية للسكان اليهود الذين يمثلون الأغلبية، ومن ثَمَّ هناك نوع من التمييز ضد عرب إسرائيل"


يحق لعرب 48 التصويت في الانتخابات ويشغل اثنا عشر نائبا منهم مقاعدا في الكنيست من أصل 120 نائبا، ولكن لا يسمح لأي حزب عربي المشاركة في الائتلافات الحكومية. لا يحصلون على نفس نوعية الخدمات لاستيلاء الاحتلال على جميع أراضي البلديات العربية لصالح المستوطنين اليهود. وفقا لتقارير هيومن رايتس ووتش للعام الحالي؛ فإن الاحتلال يمارس الفصل العنصري داخل وخارج أراضي ال 48 على حد سواء.


فلسطينيو الشتات:


فلسطينيو الشتات هم المهجرين خارج حدود فلسطين التاريخية، وتعتبرهم الاتفاقيات الدولية عديمي الجنسية؛ يرجع ذلك لاختلاف سياسات الدول المضيفة بما يتعلق باللاجئين وموقفها من القضية الفلسطينية بشكل عام، وتوفر الوثائق التي تثبت نسبهم الفلسطيني والتي تمكنهم من الحصول على هويات وجوازات سفر فلسطينية. فهم لا يحملون جنسية في مصر والعراق ولبنان، غير أن بعضهم قد اكتسب جنسيات الدول التي لجأوا إليها. تمنع لبنان المواطنة أو الإقامة القانونية عن المهجرين اللاجئين، حيث ترى أن استيعابهم سيؤدي إلى خلل في التوازن الطائفي في البلاد. بينما يختلف وضع اللاجئين في الأردن باختلاف الهوية المحمولة. يستقبل الأردن اللاجئين من داخل الخط الأخضر (الأراضي المحتلة)، والنازحين من الضفة الغربية وأغلبهم يحمل الجنسية الأردنية وجواز السفر الأردني (5 سنوات) ويتمتعون بكافة الحقوق وعليهم كافة واجبات المواطنة، أما اللاجئون من قطاع غزة يحملون جوازات سفر مؤقتة دون الجنسية الأردنية ولا يحصلون على كافة حقوق المواطنة. الفلسطينيون الذين انتقلوا من الضفة الغربية إلى الأردن يُصدر لهم بطاقات هوية صفراء؛ لتمييزهم عن لاجئي الأونروا في المخيمات الرسمية التابعة لها، وهم الأكثر عرضة لسحب الجنسية الأردنية بعد قرار فك الارتباط.



نستطيع وبكل وضوح استنباط نجاح الاحتلال في تطبيق مبدأ "فرق تسد"، فهو لم يكتفِ بفصل الفلسطينيين جسديا باستخدام الحدود المستحدثة وجدار الفصل العنصري الذي ذُكر في المقال السابق، بل فرق بينهم في الحقوق والواجبات ودمر حياة كل فئة بطريقة مختلفة.


وفي حوار مع الزميلة منال بدوان، من أهل القدس وأحد سكان الضفة، قالت مُعلقة على حرية التنقل بين المناطق الثلاث وفق حدود 48 وبين فلسطين والعالم الخارجي:

"يسهل التنقل بين مدن الضفة الغربية على الرغم من وجود الحواجز دون تصاريح، أما القدس فلا يمكن الدخول إليها دون تصاريح من حكومة الاحتلال، ولا يُقبل التصريح إلا لكبار السن أو لوجود سبب قوي مقنع لحكومة الاحتلال، ويكون التصريح ساريا لمدة أسبوعين فقط، والدخول لأراضي ال 48 يحتاج لتصاريح تماما كالقدس. أما غزة فلا يُسمح الدخول إليها أو الخروج منها إلى الضفة الغربية إلا في ظروف معينة كعلاج المصابين وقت الحروب في مستشفيات الضفة، وغالبا ما يكون هناك أسباب خفية وراء سماح حكومة الاحتلال بذلك."


وأضافت منال:

"أهل الضفة يحملون هوية خضراء وأهل القدس والداخل المحتل يحملون هوية زرقاء، وكل هوية تمكن حاملها من صلاحيات مختلفة، وبالطبع حاملو الهوية الإسرائيلية الزرقاء يتمتعون بصلاحيات أفضل، ومؤخرا أضافت حكومة الاحتلال شرائح تعقب في الهويات الصادرة عنها لعرب الداخل وسكان القدس. يحمل أهل الضفة وغزة جوازات السلطة الفلسطينية، بينما عرب الداخل والقدس لديهم القدرة على استخراج جوازات سفر إسرائيلية تمكنهم من السفر من مطار بنغريون، بينما أهل الضفة يسافرون عن طريق الأردن وأهل غزة يسافرون عن طريق معبر رفح ومصر."



وأخيرا وليس آخرا نتطرق سريعا لحق العودة


حق العودة باختصار هو حق عودة المواطن إلى بلاده إذا خرج منها وهو حق غير قابل للتصرف من حقوق الانسان، لا يسقط بالتقادم، وهو نابع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال او بتغيير سيادة البلاد.


في الحادي عشر من ديسمبر 1948 صدر القرار رقم 194 من الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بحق الفلسطينيين في العودة والتعويض، وأصدر المجتمع الدولي عدة تأكيدات على هذا القرار ولم تعارضه سوى سلطات الاحتلال والولايات المتحدة الامريكية بعد اتفاقيات أوسلو.


يرفض الاحتلال تعويض المهجرين من الفلسطينيين، بحجة أن اليهود أيضا قد هُجروا فيما سبق من بلدان مختلفة دون أية تعويضات تُذكر، والحقيقة أن العودة ستسبب مشاكل ديموغرافية للاحتلال؛ حينها سيشكل العرب معظم سكان فلسطين مما يهدد الطابع والمطامح الصهيونية للمنطقة. لأن الاحتلال قد دمر القرى والمدن الفلسطينية وأقام مكانها مستوطنات غير شرعية، تعتبر العودة هدما للاعتبارات الدينية اليهودية والأفكار الصهيونية التي بدأت هذا الاحتلال في المقام الأول، والتي تسعى أصلا إلى تهجير العرب لا عودتهم. ويرى الاحتلال الصهيوني أن الحل الأمثل لمشكلة اللاجئين يتمثل في توطينهم في الدول المضيفة لهم. ولكن التصور الفلسطيني للعودة يرى العودة عودةَ كاملةً إلى فلسطين التاريخية كاملةً دون التهاون في أي شبر من أراضيهم.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

❤️❤️❤️❤️

إقرأ المزيد من تدوينات همسات| فاطمة وائل

تدوينات ذات صلة