عش حياة تحمل قابلية التجويد والتطوير، وعش أنت بقلب من عاش ليروي

من أدبيات الكتابة الروائية ما يعرف "بالصدق الفني"، والمقصود به : قدرة الكاتب العالية على احترافية مهارة الكذب! نعم، إذ كلما كذبت في الكتابة، كنت أصدق في الإبداع.

وليس التبرير هنا بأن لا أخلاق في الفن، إنما هو التحليق بالنسيج القصصي في دوائر هندسية متداخلة ما بين : بناء الشخصيات، وحوك الحوار، وعقد المشاهِد تلو المشاهِد ليُدخِل القارئ العوالم الموازية التي يصنعها في كتابته.

ولكن -وهنا يكمن ذكاء الكاتب- أنه يستقي النواة من الواقع، فهو يستنسخ عن أصل، وهو الحياة، وهذا الأصل من ميزته أنه متطور، والتطور عصا الكاتب التي يعرج عليها ليجعل خياله محتمل التحقق، وكم من حياة هي أعجب من خرافة!


"الإسقاط الذاتي"؛ هل سمعت بهذا التكنيك؟


إن الكاتب حين يسلخ نفسه عن ضيق الواقع في مرحلة أولى-لحظة الاستقاء- فإنه يسقط عليه تصوراته الذاتية في مرحلة لاحقة - لحظة الخلق والكتابة- وما بين اللحظتين تنساح حياة كاملة هي العمل الروائي بعد اكتماله.


كن راويا.. ولا تكن الرواية


هنا نتفق على أننا نصدق الراوية ولا نصدق الراوي، غير أن الأبلغ؛ حين نأخذ مقام الراوي لا الرواية؟!

الرواية صيرورة انفعالات وظروف متضافرة، فهي مسلوبة الإرادة في الحقيقة!

في حين أن الراوي هو الفاعل، والعالِم، والمؤثِّر، أي أنه العنصر الحر الذي يحرّك الأشياء، ويتسبب في بعثرة السكون تمهيدا لإعادة الإنشاء.

حين تنظر إلى نفسك من منظور علاقتك مع الواقع؛ فعش اللحظتين: الأخذ عن الواقع، ثم الانفلات منه؛ لكي تنجح في بناء قصتك؛ التي هي حياتك.


وبالعودة المعهودة إلى اللغة، فإن أصل الفعل (روَى، روِي)؛ هو من روى الماء أي سقى به حتى ارتوى، ومن رواة الأخبار يرويها الراوي عمن فوقه في سلسلة الخبر.


وبالخلاصة، فإنك لن تروي قصة حياة حتى ترتوي من الحياة نفسها. عش حياتك كما هي، إذ يستحيل أن يستطيع أي فرد مهما بلغ من العبقرية أن يكتب عن شيء لم يجربه، ولو في أدنى درجات التجربة. وعيش الحياة، يعني أن ترضى بالواقع الراهن للحظة الآنية، ثم تعيد خلقه وتركيبه من وحداته الصغيرة لتوجد عالما فوقيا يشبهك. فكّر بالراوي، وفكّر كما يفكر الراوي.

وبالتوفيق دوما


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات غادة عبدالله

تدوينات ذات صلة