سلسلة من التدوينات تفاعلا مع التعافي عبر الوعي بسرطان الثدي في شهر أكتوبر
(7)
أحب قراءة السير الذاتية، وأعجب أشد العجب حين أرى سلوك تعذيب الذات يطغى على أشهر الرموز النسائية في تاريخ الثقافة الإنسانية! بل، إن العنف ضد الذات يزيد كلما ترسخت المرأة في الفكر والثقافة والمعرفة، وكأن ثمة علاقة خفية بين علو كعب الأنثى في المعرفة والأدب،مع صعوبة مركبة للتعبير عن ذاتها الأنثوية ومشاعرها، والتي تعتبرها -هذه العالِمة والمثقفة- خدشا في استحقاقات المكانة الأدبية التي نالتها بجهد مضن، إذ اضطرها في الكثير من المواقف التنازل عن "الأنثوية" في سبيل دعم مسيرتها العلمية. وهذه تكاد تكون الحال الطاغية للأسماء البارزة في العلم والأدب في أوروبا وأمريكا حين كانت المرأة تعطّل عن قدراتها ، ولا يتاح لها تبوأ الدرجات العليا في المجتمع؛ بسبب من خصائص الأنوثة فيها، لا غير.
والأمثلة تشكل قائمة جديرة بالدراسة، غير أن التركيز والحصر -مما هو من خصائص التدوينية- يُلزمنا أن نحدد الفكرة الأساس التي ندور فيها، وهي: لماذا مارست المرأة العنف ضد ذاتها "الأنثوية"، حيثما كانت مبررات ذلك فاعلة وقوية في محيطها، أو خلال لحظتها التاريخية؟!
من أشكال عنف المرأة ضد "الهبة الأنثوية" – فيما أتيح لي استداركه من سير النساء الشهيرات- :
- هدر احترام الجسد الأنثوي/ ولا يتأتى ذلك عبر كبته بطبقات الملابس الثقيلة، ولا حتى بالنقيض الكلي، عبر الكشف والتعري وحسب، إنما كان الغالب، أن يتم رفض الاعتراف بطبيعة هذا الجسد وغرائزه ورغباته أولا، ثم إهمال أخلاقيات التعامل معه باعتباره معطى أصيل في التشكيل العام للأنوثة.
- استمراء الأنثى الدخول في قصص الحب التعيسة رغم معرفتها المسبقة بالأثر الذي تتركه هذه التجربة العاطفية الفاشلة من تدمير ذاتي على كافة وظائف الكيان الأنثوي، عقلا، وقلبا، وروحا، وحتى جسدا.
- التضحية بمشاعر مدمجة في أصل الخلقة الأنثوية: كالأمومة، والحب، والتعاطف، والاهتمام، والتعبير الغريزي عن المشاعر؛ من أجل نيل الاعتراف بالوجود الأدبي والعلمي.
- التنازل عن خصيصة الاختيار وفق الطبيعة. ذلك أن القرارات التي اتخذتها النساء الشهيرات في العلم والأدب لم تكن نابعة مطلقا من خصائص الهبة الأنثوية، إنما كانت مسايرة أحيانا، واضطرارا أحيانا أخر لفكرة مستقرة "وغير صحيحة" لعلاقة الأنثى بذاتها، ثم علاقتها مع الحياة. ولعل أشهر هذه الأمثلة، والذي ما يزال حاضرا في اللاوعي الجمعي للنساء؛ القصة المؤلفة حول تأثير "العمر" على حق المرأة في الحب والزواج والأمومة! إذ تم تقييد انطلاقة الكيان الأنثوي بتاريخ صلاحية يفسد بعدها، وهمًا فقط!
تكررت أكثر من مرة في سطور التدوينة جملة: "التعبير عن الطبيعة الأنثوية"، وللحق، فإن ممارسة مهارة "التعبير" من شأنه أن يخفف تدريجيا من شعور العنف ضد الذات. ومن جمالية هذه المهارة، أنها تخضع لقانون الاكتساب عبر التعلم والتدرب. فالحرج في التعبير عن الأنوثة، أنه قد يلتبس لدى البعض بين حدّي الإفراط والتفريط، والمجون والتزمت، والعبيثة والصمت! لذا، تحتاج الأنثى للسكينة والتركيز كي تستطيع أن تجد -في كل مرة تشعر بنفسها في مأزق تعذيب الهبة الأنثوية- أن تجد طريقة للتعبير عن طبيعتها بشكل يفعّل مرونتها الأنثوية.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات