عقول الشباب هي مصدر النور لكن الظلم يعتمها جبرا فيسود السواد ويصبح النور بقعه غريبة وغير مرغوبة وسط الظلام
هجرت المكتبات وذبلت أوراق الكتب وصارت القراءة منحسرة في أصحاب "الدقة القديمة" وسقطت اللغة العربية في مستنقع ما يسمى "بالضيب ويب" والفرانكو فتجلطت أجزاؤها وأصيبت بشلل نصفي.. وأصبح الحديث بها وسط الناس أشبه بالحديث بمجموعة من الطلاسم.. غابت حاسة التذوق الفني لدى العرب لا بل إنها قتلت لم تغب فقط..
قديما كان العرب يقفون في سوق عكاظ في شبه جزيرة العرب يتبارزون بالشعر والقائه.. كانوا يكتبون المعلقات ويحفظونها عن ظهر قلب برغم طولها.. كانوا يرتجلون فيلقوا قصائد تتخطى مئات الأبيات.. كانت المنافسات راقية لا تخلو من المتعة والتشويق عندما يقف الشعراء يتبارزون أما الناس بفصاحتهم وطلاقة ألسنتهم وسرعة بديهتهم..
لكن للأسف.. كان ذلك قديما.. ساء الحال كثيرا وما عاد يمكن تصديق أن أولئك هم أجدادنا ووأسلافناالذين كانوا يلعبون بالفصحى وكأنها طرية تطاوعهم في الحركة والتغير.. لكن في يومنا هذا يصفها الكثيرون بالجمود والصلابة.. لابد أن يروها جامده فقد ساد الجهل والظلام وانتشرت الأمية بين المتعلمين فنسوا أو تناسوا عن عمد أن هذه هي لغة القرآن الخالدة إلى يوم البعث شاءوا أم أبوا.. فلن يمحوها الغباء أو الجهل. لكم ثور غضبا عندما أرى خطأ إملائي مثل إحلال حرف ال"ز" بدلا من حرف ال"ذ" في كلمة أستاذ لتصبح -استاز- أو عندما أرى خطأ نحوي بجر فاعل أو رفع مضاف إليه أو تنوين لفظة ممنوعة من الصرف.. فطرة الإنسان توجهه نحو النطق السليم وقواعد النحو الصحيحة حتى وإن لم يكن دارسا أو مدركا لها.
ما عادت الامية منحسرة في من لم يتعلموا القراءة والكتابة بالعكس تماما فمن المرجح أن تجد أميا بلاغته تفوق أحد أولئك اللذين تنشر مخطوطاتهم في الأسواق العربية رغم عدم أهليتها لأن تخط ويسال الحبر على الورق لها من الأساس.
أسقط الجهل أمما عدة وبالرغم من ذلك فهو سلاح فتاك سريع التأثير استخدمه جميع الطغاة بلا استثناء وسيستخدمه القادمون منهم أيضا.. فعندما يسقط الإنسان في أسر جهله وشعوره بالدونية وعدم الأهلية للحديث في أمور السادة أو التفكير فيما أطلق عليه الإغريق "الفضيلة" سيظل قابعا في زنازين الظلام والظلم الأسود ليس قادرا على طلب كسرة خبز من حقه ليسد بها جوعه الا ان تكرم عليه أسياده فيلقوها له.. فتغمره السعادة برضا السادة عنه.. لكنه إذا وقع في المحظورورأت عيناه بقعة النور المدعاة القراءة والكتابة عندها فقط يكون قادرا على كسر قيوده والخروج عن مضمار تحصيل "لقمة العيش" ويستطيع هدم الأصنام والتحرر من أسر العبودية والخروج إلى الحياة الكريمة.. الحياة التي هي أقل ما قد يوهب له. بالعلم تتفتح زهور عقله فيعرف ما له وما عليه فيكون إنسانا حقا لا آلة مسخرة لتنفيذ أوامر السادة دون تفكير.
العلم هو نهاية الطبقية المختلقة بين البشر نهاية التسلط والحكم المطلق.. لذا لا يسمح له أن يكون موجودا.. لا بد أن يظل النور مندثرا لألا يزعج نوم الأسياد الهانئ. يجب أن يظل مفتاح النور رهن أيديهم وتظل القوى الحاكمة والمسيطرة هي قوة السلام ويظل العبيد غارقين في هموم البحث عن "لقمة العيش" ويسودهم ويسوقهم نجو بطونهم الجهل والغباء والاستسلام للمصير الأسود الحتمي. لذا ستظل اللغة العربية مريضة وغريبة في عقر دارها.. بينما يتربع كل من لغة "الضيب ويب والفرانكو" على عرش عقول الشباب.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات