"قصة قصيرة تناقش كيف نتمسك بالآخر ولماذا؟ ومدى احتمال البعض لشريك حياة في لحظات حاجته، وكيف نتمسك أحياناً بأشياء أخرى قلّت قيمتها أو زادت!"

تذكرت لحظة حملت فيها جهاز الراديو العتيق ذي الصندوق الخشبى إلى محال التصليح، في لحظة زمنية ما آل إلي هذا الراديو و عندما انضم إلى قافلة الأشياء القديمة التى تحتويها جدران بيتي، الراديو من مقتنيات أمي الراحلة، ومن قبلها جدتي العزيزة، وكان أثيراً جداً لدي، أنظر الى صندوقه الخشبى فأرى فيه صورة مجسدة للماضي، أتخيل نجاراً عجوزاً منهمكاً فى صنعه بأدواته البسيطة بكل المثابرة ليخرج بهذا الشكل البديع.

---

جاءت إلى عيادتي وهى تصحبه معها، أظنها تجاوزت الأربعين بكثير، أما الرجل فقد كان يكبرها كثيراً، ولكنها أوضحت أنه زوجها. حارا طويلاً فيمن يبدأ بالكلام، وعندما حاول الرجل أن يزيل التوتر ببعض الكلمات قاطعته هى بكل هدوء موضّحة إن زوجها يعانى من بعض المشاكل الصحية، تعتقد أنها بسبب نفسى لأن العلاجات لم تُجدِ نفعاً.

---

من أين أتيتِ بهذه التحفة؟ ألا يزال يوجد فى الدنيا من يقتني هذه التحف الثمينة؟ ألا يزال هذا الشيء ينطق؟ أراهن أنه لا يذيع غير أغانى سيد درويش والشيخ صالح عبد الحي! قالها الشاب في تهكم واضح ولكني لن أستسلم رغم عجز الجميع عن مد يد العون، كانت كل الردود تستفزني وتدفعني إلى مزيد من البحث، لن أترك تحفتي الغالية جثة هامدة .

---

إندفعت المرأة فى الكلام بدون توقف، تحاول وصف حالته أو بالأحرى تشخيصها وهو أكثر ما يغيظ الطبيب لو تعلمون! وأسهبت وهي تفسر لى أنه يعانى من أزمة منتصف العمر، ولكنه لم يعد لسن المراهقة كما يفعل أغلب الرجال بل هو صامت غامض! وشكواها أنها لم تعد تعرف كبف تتعامل معه، فكل ما إعتادته منه قد تغير، أصبح عصبياً وقلقاً، ويظل بالساعات واجماًعازفاً عن المشاركة في أي شيء.

---

إنه لن ينطق أبداً، أؤكد لك هذا يا سيدتي، فهو يحتاج لقطع غيار ليست متوافرة حالياً، ولن أخدعك بإمكانية استيرادها، الجل الوحيد هو ورشة تُصنّع ما تهالك منه لنستبدله، على أن نتوقع أنه لن يعود جديداً كما كان، كما أن المحاولة قد تحتاج للتكرار مع الوقت، هل تملكين الوقت والأمل؟كان هذا رأى أحد الخبراء الذين ذهبت إليهم في محاولة إعادة تحفتي الغالية إلى الحياة.

---

أنا لا أبالغ يا دكتورة، ولكنه أصبح لا يطيق مجرد وجودي إلى جواره، وأنا لن أتحمّل صمته الدائم طويلاً، لقد حاولت ولكنه لا يحاول ولا يستجيب وكأن به عطب لا يمكن إصلاحه، إن كل شىء يدفعني لأن أضع حداً لحياتى معه، ما ذنبي لأحتمل؟ إنني أخبره أمامك الآن لأنني وصلت معه لنهاية طريق. ما رأيك؟ ألديك ما تقولينه له؟

---

ما رأيك لو إشتريته منك؟ سأضعه فى واجهة المحل ليعرف زبائنى أنى خبير مخضرم؛ أليس ديكوراً جميلاً؟ كم تريدين ثمناً له؟حملته بين يدي وإحتضنته، همست له: لن أتركك أبداً.يسألونني كم تساوى فى نظري! آلاف بل ملايين اللحظات السعيدة التى أسمعتني فيها أعذب الألحان وأرق الكلمات، كيف أتركك لتصير ديكوراً! ستكون دوماً معي وسأسعى لأصلح ما بك حتى تعود إلى الحياة حتى وإن حملت لي بعض ألحان مشوشة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات بثينة الدسوقي

تدوينات ذات صلة