هناك قصصٌ تُبكينا لكنها تزرعُ فينا بذور الأمل، تُعلمنا أن نتفائل رغم الألم، تغرسُ فينا اليقين بأن كل شيء لسبب.

كانت بطلة لا تشبه بطلات قصص عالم الخيال، كانت أنثى بروح محاربة لا ترضى بالإستسلام، كانت نموذج للقوة التي خلقها الله فينا وأهملها كثيرٌ من الناس، كانت أية من صمود، درس نتعلمُ منه كيف يكون بعد السقوط نهوض كانت وما زالت امرأة قوية بقلب حنون...حين أخبروها أنها تعاني من ذلك المرض الذي أينما ذُكر وجل له القلب، وهابتهُ النفس، وخرّ لذلك النبأ ضعف الجسد والبدن( السرطان)، داءٌ سمعت عنه الكثير، أصيب به من الجيران والأقارب عددٌ ليس بالقليل، سمعت معاناة من سكن أجسادهم وأتعب أرواحهم وأضنك من العيش نفوسهم، معاناة تقتصرُ بأن يتمنى المرء الموت لعله يرتاحُ من ألم لا يعرف أن يحدد مكانهُ، رأت الكثيرين ممن سُلبت صحتهم وتلاشت مناعتهم وهزُلت حد الهون أجسادهم وهي اليوم تقفُ مكان أولئك الذين سمعت عنهم وعن قصصهم التي منها ما انتهى بالنصر ومنها من غلبت فيه إرادة الله فانتصر الموت...على خلاف الكثيرين منهم كان اول ما نطقت به " الحمدُ لله" وكأن الله ألهمها أن تصبر وترضى وكأن بضعة حروف قادرة على أن تُداوي عجز الإنسان وقلة حيلته، سبحانهُ يبعث البلاء ويبعثُ معه الصبر والسلوان وكيف لا وهو الحنون الرحيم الذي حتى بالبلاء ربٌ عظيمٌ كريم، كان ما نطقت به أعظم أجر وأكبر مواساة وأعظمُ ثقة بعظيم لن ينساها في كل حال ومهما كان ما كُتب في الأقدار....بدأت العلاج، ما يسمونهُ (العلاج الكيماوي) بقلب صبور وثقة بالله لن تضيع وإيمان بأنه لن يصيبها إلا ما كتب الله لها، رغم بشاعة الألم الذي لا توصف، رغم الضعف والهوان بعد كل جلسة علاج، لا تصفُ الحروف مهما بلغت متانةُ صياغتها أن تتحدث عن الم يذيب الجسد من شدته، يُتعب الروح من مرارته

رغم فضاعة الألم ما كنتُ إراها إلا باسمة وكأن من نورها يقتبسُ القمرُ نوره، ما رأيتها إلا باسمة مستبشرة لا يملُ لسانها بتكرار الحمد لله وكأن كل كلمات اللغة تلاشت واندثرت وما تبقى إلا تلك الكلمتان وكأنها بهما تواسي قلبها ونفسها، كانت رغم ما يتركهُ الألم والتعب من علامات على وجهها جميلة ثقتها بالله تُزينها، يقينها وصبرها يدثرها، كانت مؤمنة قوية كلما سنحت لها الفرصة رسمت على وجه غيرها بسمة وكأن الله زرع فيها كل صبر الدنيا فلم تكتفي به لنفسها فما كانت تترك فرصة لتغرسهُ في قلوب من حولها، حتى الأطباءُ كانُ يستغربون بشاشتها ومنطقها وطريقة تفاعلها وتعاملها مع مرضها، رغم أنها كانت في مراحل متأخرة من المرض كانت اية نتعلمُمنها الرضا والثقة والصبر واليقين والحياة رغم كل الألم، كانت أكثر من يعلمُ أن الحياة قد لا تمهلها الكثير من الوقت ومع هذا كانت تضحك على الدوام، حين كانت تسمعُ بالموت كانت تضحك وتقول : من يكرهُ لقاء الله، كانت رغم صغر سني تُدهشني، تُبهرني، وتعطيني للحياة دروس أتعلمها وأسس أطبقها، تركت لي بسمتها التي لا تُمحى من ذاكرتِ، تركت لي صبرها وإيمانها ويقينها، تركت لي درس لن أنساه ما بقي بالعُمر بقية : "يا بُنيتي هذه الحياةُ إن طالت أو قصرت رحلة ستنتهي، إبتسم حتى حين تسلبك الظروف سببًا لتبتسم، كوني دائما واثقة أن الله لن يختار لك إلا خيراً، لا تمل الحمد والشُكر مهما قاسية، تعلمي أن ثمار الصبر مذاقها حُلو، ازرعي الأمل في كل قلب تقابلينه، اتركي في كل شخص تصادفينه بذرة أمل وبسمة حياة ، كون الحياة لمن فقد الحياة، والأمل لمن اضنتهُ قلته، كوني السعادة لقلوب تاهت عن إيجادها، كوني بذرة خير أينما حللت وأينما وطأت قدميك" هي كانت وما زالت رغم الرحيل ملهمتي، هي قدوة، وأول معلمة لي، هي لم تُغلب ولم تخسر المعركة، هي فازت بإحدى الحسنيين" فإما النصر وإما الشهادة" وهي نصيبها كان الشهادة، رحلت لتلتقي من كانت تؤمن به حد القبول بالموت برضا وحد الشوق الذي لا يوصف للقائه، رحلت باسمة مستبشرة وكيف لا تبتسم وهي ذاهبة لتلتقي خالقها الذي لطالما كانت تنتظرُ بشوق الدنيا لقائه، ودعتُها وهي الصابرة والواثقة والضاحكة والمؤمنة، ودعتُها وهي بإمتحان ربها راضية وبلقائه راغبة، ودعتُها كما استقبلتني هي يوما بالدموع هي استقبلتي فرحة تذرف دموعها فرح، وأنا ودعتُها بدموع رغم ألمها مستبشرة بأن لنا لقاء اخر هناك عند رب كريم غرست في داخلي له حبا وعشق...كتبتُ قصتها لتلهمك لا لتؤلمك، حدثتك عنها لتفرح وإن خالطت الدموع فرحتك؛ فنحنُ لا نبكي إلا أولئك الذين تركُ فينا عظيم الأثر، كتبتها لك بحروف لأصيغ لك حكاية معجزة رغم الألم تضحك، ورغم التعب تزرعُ بذور السعادة، كتبتُها لك لتتعلم منها حرفة الأمل، لتتذكرها كلما اشتدت وطأةُ الحياة على قلبك، كتبتُها لك لأنها تستحقُ أن تُعرف وتُقرأ وتتعلم منها، كتبتُها لك لأنها عاشت معجزة وماتت معجزة، كتبتُها لك لأنها تستحقُ أن تُعشق، كتبتُها لك لأنها إمرأة غير عادية، كتبتُها لك لأنها رغم الفراغ الذي تركتهُ في قلبي تركت لي بسمتها وصبرها وجمال إيمانها وحلاوة يقينها، كتبتُها لك لعلي أردُ شيئا من جميلها علي، كتبتُها لك لأن جرحي الجميل ووجع قلبي المبهج، كتبتُها لك لتدعوا لها فأكون قد أهديتها أكثر ما يمكنني إهدائها إياه، كتبتُها لك لتحفظها فتبقى حتى بعدما رحلت.

Bayan

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رحمها الله وأسكنها فسيح جناته

إقرأ المزيد من تدوينات Bayan

تدوينات ذات صلة