فانية وباقية

نعيشُ في الدنيا ضيوف وما على الضيف يوماً إلا الرحيل...

من منا لم تُرهق الحياة قلبه ومن منا عاش الحياة دون أن يبكي مرة، إننا في دنيا ننسى أنها لو دامت لغيرنا ما وصلت لنا ومع هذا لانقدرُ ألا نبكي وألا نشكوا، ألا نحلُم وألا نتمنى، لا نسنطيع أن نتعايش مع فكرة أنها مؤقتة ستزول وأن كل ما فيها هو متاعُ الدنيا والآخرة هي دارُ البقاء التي لا بد أن نعمل لأجلها، لنُسعد بها، لا تنسى دنياك ولكن إياك أن تُنسيك الدنيا مردا لا بد أن ترجع إليه، لا مانع من أن نحب الحياة ولكن المصيبةُ أن نكون ممن أغرتهم الحياة الدنيا ونسوا لقاء ربهم...

احلم ودافع عن حُلمك ولكن لا تجعل الحُلم يسلب منك يقين قلبك بأننا نحلُم لنككون عند الله أفضل، نتمى ونسعى لنحقق في الأرض غاية وجودنا، لنبني لا لندمر، لنحب لا لنكره، لنكسب القلوب لا أن نكسرها، نحلُم لنكون في الحياة أصحاب أثر يشهدُ لنا يوم نلقى الله بأننا أدينا الأمانة وبلغنا الغاية...

لا تنسى دنياك وتعيش منعزل عن متاعها وما فيها من مسرات ولكن ويح قلبك إذا نسي يومٌ تشخصُ فيه الأبصار وتشهدُ على أصحابها القلوب، ويلُ قلبك إن غرته شهوات نفسه وأبهرت عيناهُ زيف الدنيا الزائل حتى نسي أن لنا يومٌ نسألُ فيه ولا بد أن نُحضر جواب...

اعمل واضحك افرح واشعر بالتعب، مارس إنسانيتك ورغباتك ولكن كن دائم اليقظة بألا تقودك شهواتك حيثُ لا عودة وحيثُ لا ينفعُ النادمين ندمهم، كن في الحياة صاحب أثر وقدم ما تريدُ أن تذكرك فيه الأجيالُ ويصاحبك بعد الممات منه الأجر، اعمل لتكون مستعدا أن تُجيب العظيم الذي سيسألنا ولا أحد منا استثناء؛ عن عُمرنا فيما أفنيناه؟، كن مستعدا لتقف بين أيدي المولى لتُجزى كلُ نفس ما عملت، فمن عمل خيرا سيلقى الجنان ومن عمل شرا فلا يلومنّ إلا نفسه والحسرةُ والندامةُ ستكون نصيب قلبه وويلٌ للقلوب التي أكلها الندم وملأتها الحسرة يوم لا ينفعُ النادمين ندمهم ولا يملكون أن يعودُ ليعملُ صالح، يوم تُجزى كل نفس ما كسبت.