إن رزقت العقل وصوابَ الرأي فالزم طريقك ودع عنك بنيات الطريق..
كثيرٌ من أمور الحياة نفرضها على أنفسنا لمجرد أننا ورثناها عن أجدادنا أو تعارف عليها مجتمعنا فتصبح هي الأصل وما خلاها زيغ عن سواء السبيل، وهذا في من يقيس الأمور بمقياس -هل يفعله الناس أو لا يفعل؟-، وهنا الطامة الكبرى، فعلى هذا الأساس فإن الحق والباطل غير ثابتين، بل يصبحان من المتغيرات التي تتغير بحسب الزمان والمكان، وما يتفق عليه الناس، والناس أصلاً على مر العصور قلّما يجتمعون على خير!
فمن هنا ظهرت بعض العادات السيئة والتي صارت تخلق بيننا عقداً وأمراضاً نفسيةً لن يلاحظها معظمنا، فسمعتُ مثلاً من أحد الشباب (وليس الوحيد) يشتكي ويقول أنه لا يصلح ليَحِبّ ويُحَبّ مستنداً بكلامه أنه فشل خلال بضعٍ وعشرين عاماً انقضت من عمره دون أن يعيشَ تجربةَ عشقٍ كما تصور له المسلسلات المسمومة والفضائيات المنحطة والروايات المُفسِدة وكلام الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون وفي كل واد تجدهم يهيمون، ويزيد صاحبنا في شكواه أن أصحابه يتعجبون منه كيف عاش كل هذا العمر ولم تأتِ فتاة واحدةٌ تصارحه في حبها له أو تبادله الغزل والمُجون!
في هذا المثال يتجسد كيف افترض أبناء جيل الشباب الحالي أن الأصلَ والطبيعي أن يعيشَ المرء علاقات حُب قبل الزواج وأن يبادل الفتيات عشقاً ومُجونا وهنّ في بيوتِ أهلهن ودون إذن شرعي وأن ما خلا ذلك انحراف وعلة في هذا الرجل بل وضعفُ شخصية بل وقد يصل الأمر إلى تسفيهه والحط من رجولته مثلًا، ولن أخوض في الرد على هؤلاء المنحرفين عن الفطرة الذين بدّلوا المفاهيم وافتتنوا إلى أن رأوا الباطل حقًا في هذا المقال فلن يسعفني الوقت في الرد، ولكنّ هذا ضربٌ منتشر عندما يصير مقياسنا.. هل يفعله الناس أم يتركه!
وإنّ هذا المثال كما نسمع ونلاحظ سائدٌ بشكل أعظم بينَ الفتيات، بحكم أنّهنّ الفئة الأكثر تعرضاً واستهدافاً من قبل مسلسلات الانحلال وروايات الإفساد، وأسهَلُ تأثُّراً، والمرأةُ بفطرتها أغزَرُ عاطفةً من الرجل، وعن المقارنات والغيرةِ بين الفتيات حدِّث ولا حرج، فمن هنا تنشأ العقد، وتبدأ الفتيات بتلميع هذا الفعل وتزيينه لقريناتهنّ والانتقاص من أنوثة وجمال ومشاعر الفتاة النقية التي هي جهادُ أبيها وأمها في هذه الدنيا، التي لم تتبع تلك الغواية فيقلّبنَ لها المفاهيم.
فهذه عادةُ الناس، قال تعالى:"لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ". التوبة (48)
فَهَلُمَّ جر من الأمثلة التي نعايشها ونعاني منها لدرجةِ أنك إن اختلفت على غير ثقةٍ ووعي وعلمٍ كافٍ ستشكُّ في نفسك وتدخل في صراعات نفسية تودي بك إلى حال صاحبنا هذا الذي لم يحكّم عقله ويؤمن بِ
(ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الأعراف:187)
{فأبى أكثر الناس إلا كفورا} (الفرقان:50)، {قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} (العنكبوت:63)
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه﴾. الأنعام (116).
فالحق والصواب في كل زمن يُعرَفُ بموافقة أمر الله سبحانه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما أجمع عليه خير القرون في الأمة، لا بكثرة العدد.
وللفُضيلِ بن عِياض رحمه الله كلمة ما أحلاها : " الزمْ طريقَ الهدَى ، ولا يضرُّكَ قلَّةُ السالكين ، وإياك وطرقَ الضلالة ، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين "
فلا تتخذ فعل الناس للشيء إلزامًا لفعله واترك ما شئت تركه من الأفعال طالما لم يكن في تركه محظور، وإن رزقت العقل وصوابَ الرأي فالزم طريقك ودع عنك بنيات الطريق، فخير من كسب الغنائم للشجعان صوابُ الرأي ولو مع الحرمان، ولا تقلد في سبيلك الناس، واجعل شعارك دومًا :
ما لي وللناس كم يلحونني سفهاً
ديني لنفسي ودين الناس للناس
والله المستعان ❤️🌿
#باسل_زياد
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات