ليس كل ما نقرأ من كتب ونرى من أفلام هي محاولات بريئة لتسليتنا


"للرفاق حقوقٌ متبادلة.. لا تحقق الصحبة مسمّاها إلا إذا أدى كل طرفٍ ما عليه من الحقوق..


وخير الرفاق الكتاب, فهو نورٌ وغذاءٌ للعقول, ومن صاحبَ الكتاب فاز, كيف لا؟ وهو نعمَ الرفيق المخلص الوفيّ, الذي لا يجحد ولا يضيّعُ ثمرة مجالسته والصبر عليه وعلى ما فيه من تعبٍ وعناءٍ وجدّ وكد.


ثم أليس الله تعالى هو القائل:" يا يحيى خُذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيّا"

إذن, أخذ الكتاب وحمله ومجالسته ومصاحبته تحتاج إلى قوة وعزم وتصبّر, فالأيادِي المُرتَجِفة لا تحمِلُ الرسائل و الأعناقُ المُلتفِتَة لا تتَقلّد المَهَام..

ولكنّ هذا الكتاب العظيم, هو سببٌ لرفعة المرء ونورٌ ينير له سُبُلَ الحياة, ويأتيه شفيعاً شاهداً بعد الوفاة.

فلا بدّ من أداء حق هذا الرفيق العظيم وعدم التفريط, لنحصد ثمار جهده وصحبته المباركة طيلة الدهر.. وصدق القائل : وخيرُ جليسٍ في الزمان كتاب"

والقائل:

"أوفى صديق إن خلوتُ كتابي

ألهو به إن خانني أصحابي

لا مفشيًا سرًّا إذا أودعته

وأفوز منه بحكمة وصوابِ"


•ولكن ماذا نقرأ؟ وهل كل كتابٍ يحقق ما صورناه من نورٍ وغذاء للعقول؟


أقول وبالله الاستعانة:" القراءة.. زاد المسير.. فأحسن اختيارك زادك .. إذا كانَ الطّعام من الأمور التي يحذر الإنسان في انتقائها حتى يكون غذاءً نقياً سليماً زكياً للجسد, فحريّ بنا أن نكونَ أشدّ حرصاً وحذراً في انتقاء غذاء العقل, الذي لا تحصل عليه إلا بالقراءة والتعلم, ولا بدّ أن يكون حرصنا على سلامة ما نقرأ كما هو في غذاء الجسد, بل وأكثر من ذلك.


يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله :"ليس كل ما نقرأ من كتب ونرى من أفلام هي محاولات بريئة لتسليتنا". نعم, فكثيرٌ من الأغذية ظاهرها طيّب وشكلها شهيّ, وباطنها فيه الخبث والمرض الخفيّ,

في مجالنا الطبيّ فإننا إذا ما أردنا أن نصفَ لعائدنا دواءً فإننا نختار للمريض منهم دواءً بإذن الله يشفيه, وللسليم وقايةً تحميه, وكذلك القراءة إذا ما طُلِبت مني المشورة فيها فإن أول مبدأ أوصي معشر القرّاء به هو أن يكون القرآن أولاً, فلا خَير في قارئ للكُتب، محب للاطلاع، هاجر للقرآن، لايتلذذ بالنظر لآياته ، ولا يرطب لسانه بقراءته, ففيه تحصين النفوس من أمراضٍ هي الأشد فتكاً في زماننا .. أمراض القلوب.


ومن ثمّ اسبح فيما يوجهك نحوه القرآن الكريم, من كتب في ظلاله, كرقائق القلوب, وكتب تهذيب النفوس, وكتب المعرفة وكتب علوم الطبيعة من مصادرها الموثوقة, وكتب الأدب فكما قال ابن المقفع في كتابه الأدب الصغير والأدب الكبير:" بالأدَبِ تعمر القلوب، وبالعلم تُستَحكم الأحلامُ" ففي قراءة الأدب راحةُ لا تأتِي من كونكَ فَهِمت بِقَدرِ ما تأتِي مِن كونِك فُهِمت ..


•نوّع في قراءاتك ما استطعت,

وتذكر القول اللطيف المتداول: "خذ من كل شيء شيئاً, ومن شيءٍ كلّ شيء" يعني أن تأخذ من كل علمٍ بطرف, حيث يرفع عنك الأميّة, في هذا العلم, وتتخصص في علم واحد, فتكون أهلاً له وعارفاً, واحذر السقوط في الفخ الذي ابتلع معظم قرّاء العصر, ألا وهو فخّ الروايات, وبقولي فخّ, لا أجَرّم قراءة الروايات ولكنني أنكر على القارئ تضخّم رفوف مكتبته بها إلى حد الاكتفاء, ظانّاً أنه صار بها قارئاً حذقاً ومثقفاً عميق.

يقول الدكتور المفكّر سامي عامريّ:" الاكتفاء بقراءة الروايات بحثًا عن القراءة السهلة، وترك قراءة كتب العقيدة وكل ما يتصل بصناعة تصور كوني للإنسان ينطلق منه لفهم العالم، يورث المرء دماغًا عاجزًا عن أن يفكر باستقامة، أو هو دماغ يفكّر مع تشويش واضطراب بالغين"


فالقراءةَ القراءة أوصيكم أيها الأحباب, وتذكروا ما قال العقّاد:" القراءة تضيف إلى عمر الإنسان أعماراً أخرى" كيفَ لا؟ و"(إقرأ) هي أول كلمة خاطب بها جبريل (عليه السلام) سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]


~ باسل زياد









إقرأ المزيد من تدوينات تطمئنُّ القلوب

تدوينات ذات صلة