هذه الرسالة محاولة لنقل رسالة احدى ضحايا العنف التي قرأت عنها مؤخراً والتي قامت بالانتحار نتيجة العنف الذي تعرضت له

رسالة انتحاري الى ابي …


من نرجس الى والدها


يصادف اليوم الثامن من آذار وهو اليوم الذي ولدت فيه قبل ثمانية عشر عاماً. الساعة الآن الخامسة فجراً، يبدو أن الطقس سيكون بارداً قليلاً .الا ان اليوم سيكون يوماً مميزاً ..


هل فكرتم سابقاً في آخر يوم لكم على وجه الأرض؟ هل تبادر الى آذهانكم ماذا كنتم ستفعلون لو علمتم موعد وفاتكم؟ يا له من لغز محير اليس كذلك؟ وان كان الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا إلا أننا نخاف منه ونخشاه. قد يكون السبب هو حبنا للحياة وطوقنا للخلود أو قد يكون الخوف من المجهول وما ينتظرنا بعد الموت واختلاف التفسيرات والاعتقادات حول ذلك. فلكل ديانة معتقداتها فهناك من يظنون اننا سوف نبقى في قبورنا حتى يأتي يوم الحساب وآخرين يؤمنون بالحياة الأخرى وأننا نبعث مجدداً على هيئة جديدة اما تكفيراً لذنوبنا في الحياة الأولى أو نجزى لأفعالنا الحسنة. لا يهمني كثيراً ماذا يعتقد الأخرون ولكي أكون واقعية أكثر فانا أيضاً أفكر فيما بعد الموت ولكنني لا أخشاه وانما اتشوق اليه وانتظره بفارغ الصبر حتى أنني اليوم على موعدٍ معه. لذلك فقد قررت الاستيقاظ مبكراً كي أشاهد غروب شمس أخر يوم لي على قيد الحياة وأن احاول استغلال كل دقيقة في يومي والذي كان في السنوات الماضية من أجمل أيام السنة ولطالما انتظرته كي أكبر عاماً آخر اعتقاداً مني أن ذلك سيحميني منكم...


لن أترك الحياة دون وداع. فان كان الجميع يكرهونه الا أنني أحبه واحب النهايات الواضحة والتي لا تدع مجالاً للشك وتمنحنا الحرية للاستمرار دون تفكير ولا ظنون. العلاقات الواضحة التي تكون فيها المعطيات معروفة كالعمليات الحسابية، التي تتكون من رقمين وبينمها عملية حسابية واحدة وبالتالي النتيجة تكون رهناً بهذه العملية ان كانت ضرباً أوطرحاً أو ربما جمعاً وبما أنك تحب علم الجبر والحساب فقد أردت استخدامهم لأنني أعلم أنك ستقرأ رسائلي وأردت أن تكون النصوص مفهومة بالنسبة لك، أنت الذي لطالما كرهت الأدب والروايات ومنعتني أن اقرأها خوفاً من أن اتأثر بها فيدق قلبي للحب أو أن أثور عليك.


لهذا فإنني سأحاول قدر الإمكان أن أستخدم ما تعلمته في المدرسة وما كنت تحاول تعليمي إياه على مدار السنين الماضية وسوف أكتب لك حياتي بمعادلة رياضية ولكن لا تتعب نفسك وليس هناك داعي لاستخدام القلم والآلة الحاسبة مع أنني أعلم يقيناً أنك لا تحتاجها ولكنك تفضل بقائها بجانبك تحسباً للظروف المباغتة والتي بسببها أبقيتني حبيسة المنزل وإن كنت تثق بالمدخلات التي بين يديك إلا أنك لا تثق بما يمكن أن يحدث في الشارع أو السوق أو من رفيقات السوء...



أبي


لطالما كنت حبي الأول لذلك فأنت الرقم الأول في عمليتي الحسابية وأنت فاتحة رسائلي.


اعدك يا والدي أن أختصر كلماتي قدر الإمكان وأن لا اميل الى الشرح والإسهاب لأنني أعلم جيداً أنك لا تحب الأحاديث الطويلة ولا الجمل التي تتكون من أكثر من أربع كلمات. أرأيت حتى أنني أذكر الرقم وقد يكون هو السبب في عدم حديثنا معاً كثيراً فأنا لم أجد جملةً مختصرة تستطيع أن تحوي مشاعري وأفكاري اليك فآثرت الصمت.


أخبرتني أمي منذ أن بدأت باستيعاب الحياة أنك أنت أول من حملني بعد ولادتي وأن الممرضة وضعتني بين يديك كي تستطيع أن ترى أول ابنة لك وان كنت الثانية في ترتيب المواليد في المنزل ولكنني الاولى من نوعها من حيث الجنس بعد أخي عامر. ومع أنني لا أذكر ملامح وجهك حينها لكنني استطعت أن أرسم وجهك وأنت تذرف دموع الحزن على وجهي. الحزن لأنني فتاة وأنت الذي كنت تطمح بمولود ذكر لتضيفه الى قائمة الرجال في العائلة كي لا تخيب أمل الجميع. ولكنك رجلاً متدين وتعرف الله فكان لا بد من القبول بالقسمة التي كتبها الله لك وأن تحملني بين يديك وتتأبط يد أمي عائداً الى البيت. لا تقلق يا أبي فأنا أعلم مقدار الجهد والتعب الذي بذلته كي تتقبلني وكم الانتقادات التي تحملتها من الجميع كي تقبل بي جزءاً من بيتك وأن تسمح لي بحمل اسمك حتى يأتي شخص آخر ليعطيني اسمه واندرج تحت خانته كما اندرجت أمي تحت خانتك طوال السنين الماضية، أعلم أنك كنت تسهر الليالي والنوم قد جافاك عندما بدأت أتحول من طفلة صغيرة الى امرأة ونظراتك تلك التي كانت تشعرني بأن هناك عيباً في جسدي وأن هذه التحولات قد جعلتني شخصاً آخر في نظرك فتوقفت عن الإمساك بيدي واحتضاني وحاولت قدر الإمكان عدم مواجهتي والحديث معي فكنت ترسل أمي في كل مرة تريد فيها ان تصحح لي تصرفاً أو تأنبني لشيء ما بينما تقف خلف الباب كي تستمع لجوابي والذي ان لم يأت على هواك دخلت حاملاً عصاك كي تجعلني أدرك من صاحب المنزل ومن المسؤول فيه.







تنص احدى القواعد الأساسية في علم الحساب أن الصفر تتحدد قيمته حسب موقعه، فيصبح بلا قيمة اذا جاء في الجهة اليسرى وتزداد قيمته اذا وقع في الجهة اليمنى. ويختلف كذلك تأثيره حسب العملية الحسابية التي يأتي فيها.أرأيت يا أبي أنني أذكر القواعد الحسابية جيداً وان كانت هذه أكثرهم رسوخاً في عقلي. فلطالما اعتقدت أننا نحن البشر لا نختلف عن الصفر في شيء، فقيمتنا ومكاننا يتحدد بموقعنا الجغرافي في العالم، فإن ولدت في دول الغرب أصبحت ذا قيمة وازدادت كرامتك ورفاهية عيشك ولكن ان ولدت في احدى دول الشرق فإنك تصبح بلا قيمة تذكر. حتى أن حياتنا تتحدد بالأرقام أيضاً في أي من تلك الدول فمكانتك تختلف باختلاف رصيدك البنكي أو عدد شهاداتك.


وانا تحددت قيمتي بعدد الجينات التي عملت على تكويني فيكون لدي اثنان من جين الأنوثة وأفتقر الى جين الذكورة الذي حصل عليه أخي عامر مما جعل أخطائه وهفواته غير مرئية بالنسبة لك. كم تمنيت يا والدي أن تنظر الي كما تنظر اليه، نظرات الفخر والسعادة التي كنت تغرقه بها على الرغم من فشله في تحقيق الدرجات العلمية المطلوبة أو التخرج من الجامعة وتعرضه للاعتقال بسبب تصرفاته أكثر من مرة. كنت والده ومحاميه والمدافع الأول عنه وان كان لا يحتاج مدافعين فمجتعمه ينصفه فقط لأنه هو كما هو دون زيادة ولا جهد مبذول من ناحيته. غضيت بصرك يا أبي عنّي فلم تغمرني سوى بنظرات الشفقة في أحسن الأحوال، ونظرات الإستنكار ولعبت في خط الهجوم مع العالم جميعاً ضدي ووقفت أمامي رافعاً سكينك لقتلي وغسل شرفك والعار الذي كنت سأسببه لك. فأسرعت لتزويجي من أحد الرجال الذين طرقوا باب البيت بدون ان تتأثر او حتى تهتم ان كان زوجاً مناسباً، قمت بتزويجي بدلاً من قتلي وياليتك قتلتني عندما علمت انني احب ابن خالتي ويا ليتك لم تزوجني…


وداعاً يا والدي ولتعلم جيداً أن الحياة ما هي الا أيام معدودات وزيارة قصيرة وأنه وان صدقت معلمة التربية الإسلامية فإنني سأراك وعندها سيكون الله تعالى الحاكم الذي سيفصل في قضيتنا وليس ذلك الرجل الجالس على كرسي القضاء والذي حكم عليّ بالسجن دون وجه حق وفقط لأنني لست ذكراً.


ليحكم علي بالسجن المؤبد لانني قاتلة، انا من قتلت زوجها لأنه قام بضربها واهانتها الالاف المرات، كم مرة عدت اليك يا ابي وانا ابكي واثار الضرب تملأ جسدي وفي كل مرة كنت تعيدني اليه. حتى تلك الليلة التي بدأ فيها بضربي كما اعتاد دائماً ولكنني في تلك اللحظات لم اتمالك نفسي وشعرت بأنني ان لم اقم بعمل شيء فإنني سانضم لقائمة الضحايا من النساء اللاتي يتعرضن للعنف ويتم قتلهن من قبل ازواجهن دون ان يهز ذلك العالم بأي شيء وكأننا لا نساوي شيئاً ولا قيمة لنا.


اليوم يا والدي سأنهي عذابي وسأنتقل لمكان آخر عسى ان يكون افضل من هذه الارض






ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائعة جدًا ومؤثرة ، حسيت انو النهاية بتحتاج شوية تحسين لتصير المقالة قوية جدًا جدًا

والله بالله لن أقول غير حسبي الله وهو نعم الوكيل.. كل ما بتمر الأيام وبعتقد ولو لثواني أن المرأة خلاص أخدت وضعها في المجتمعات بتلفت أنظاري قصص بشعة تهد معتقداتي.. وكأننا رجعنا الي عصر الجاهلية، عصر "وأد البنات"..

إقرأ المزيد من تدوينات آية بهجت صرصور

تدوينات ذات صلة