وقف الرجل أمامي وهو يحمل ربطات الخبز وينتظر مني الاجابة , تسمرت مكاني فقد كان الموقف غريب وجديد ! الآن كل شيء بدا غريبا علي !!
خبز ساخن بدلاً من ثمن العلاج !! أيقظني صوت أبو خالد وهو يقول من الخلف : يخلف عليك توكل على الله اعتبر المبلغ وصل .
نظرت نحو أبو خالد وابتسمت وتشجعت في الكلام : فعلا عمو ما في داعي كان العلاج بسيط ما في داعي للخبزات .
الرجل : لاوالله ما برضى ,و تقدم نحو الطاولة ووضع عليها ربطة الخبز ورفع شماغه للخلف وبينما هو متوجها ً نحو الباب كان الدكتور عبدالله يخبره أن أموره تمام ولا داعي للدفع
لكن الرجل استدار نحونا وقال جملة بالكاد كانت مفهومة مع قطعة القطن التي في فمه : لما يصير معي المبلغ أوعدكم أرجع أدفع ,اضطريت أجي اليوم , والله الوجع ذبحني ما خلاني أشوف لقمة عيشي " ثم ألتفت خارجاً ليتبعه أبو خالد والدكتور عبدالله نحو الباب الخارجي للمركز .
شاهدت من الباب الرجل يصعد على حماره بينما يقوم أبو خالد بتوديعه هو والدكتور عبدالله .
توجهت أم نوفل نحو الخبز : والله خبزات بشهو بدهم لبنة وكاسة شاي . وافقها الدكتور دياب الذي كان واقفاً وهو يبتسم وينظر نحوي وينتظر ردت فعلي على المشهد .
لا أنكر أنني كنت متحمسة بهذا الموقف وتخيلت كيف سأعود اليوم لأخبر الجميع بما حدث : دكتور تخيل خبز بدل المصاري !! ما بعرف أحزن ولا أضحك والله حيرني ما عرفت شو أجاوبه .
الدكتور دياب: على فكرة دكتورة هو كان ممكن يجي ويتوسل ان يكون الخلع مجاني لكن كرامته فوق كل شيء وجاب الخبز لإثبات حسن نيته .
أنا : عزة النفس !
موقف الرجل جعلني أشعر كم هو الفقر كريه ! فبدون المال قد لا تستطيع إنهاء ألمك ! من هذا الغبي الذي صرح ان المال ليس كل شيء !!
.
خرج الدكتور دياب من الغرفة .
دخل فجاة الدكتور سامي غاضبا ً وقال وهو يشير نحو كرسي الأسنان : شايفة القطن والمي الي صرفتيها قبل شوي وإبرة التخدير ,من وين بكرة بدك تدبري مصاريفهم ؟
أنا : ما فهمت وين المشكلة ؟
الدكترو سامي : ليش ما حاسبتي الزلمة ؟
أنا : ما شفت حالته , جاي على حمار ..
الدكتور سامي : جاي على حمار جاي على دراجة طول ما عنده وسيلة موصلات معناه عنده مصاري ليصرف على حمار .
أنا :وين المشكلة كأنك بتبالغ ؟ كلها دينارين ثمن الخلع .
الدكترو سامي : ما هو دينارين على دينارين بيطلع مبلغ , كمان هدول الي برا الي قرروا إنك تعالجيه ببلاش ,بكرة ولا واحد بيسأل فيكي لما يجي مدير المركز ويسأل وين إيراد عيادة الأسنان
أنا : الزلمة وضعه تعيس .
الدكتور سامي : يا بنتي كل أهل ضليل وضعهم تعيس حتصفي تتبرعي للكل , ليش ما أبو خالد تبرع بثمن الخلع .
الدكتور سامي قلب تلك اللحظات اللطيفة إلى نكد, فعليا ً عكر مزاجي تماماً لم أكن أفهم الدكتور سامي فمنذ وصولي منذ الصباح وبالرغم من عدد الساعات القليلة التي قضيتها حتى الآن في المكان , إلا أن ا لدكتور سامي لا يكف عن انتقاد كل شيء حوله بداً من سخان الماء إلى علبة المحارم على طاولة الاستقبال , ولم يترك مريض في حاله من الصباح فهذا مريض غبي لأنه لم يشرح مكان الألم وهذه المرأة لا تستحق أن تكون أم وهذا الطفل المريض رائحته كريهة , تشعر أن الدكتور سامي يقوم بتفريغ بداخله طاقة غضب ونقمة من شيء ما . في نفس الوقت هناك شيء ما يجعلني أرتاح لوجوده !!
خرجت من العيادة لاتوجه نحو الحمام , لكي تتوجه نحو الحمام تحتاج لعبور ممر ضيق لا يتجاوز المتر , في هذا الممر هناك مطبخ صغير يفي بالغرض فهناك موقد صغير بعينين , صحون ,ملاعق , ابريق شاي وقهوة وأكواب من كل الاحجام الفوضوية وعلبة سكر والبهارات !
كانت أم نوفل تعد الفطور رقم 2 وتبدو متحمسة للخبز الساخن يبدو أنها وجبة لا تحتمل التأجيل حيث كان أبو خالد يعطي الأوامر لأم نوفل عن تفاصيل الأطعمة التي يجب أن ترافق الخبز .
توجت نحو الحمام ,كان الدكتور عبدالله يقف عند الموقد سارح الذهن منحني الظهر و يعد القهوة رقم 6 , انتبه لوجودي , وقفت ووضعت يدي في جيبي وابتسمت : دكتور عبدالله ما توقعت ألاقي حدا بنافسني بعدد مرات شرب القهوة !
ضحك الدكتور بقوة ( كان الدكتور عبدلله أكثر شخص أقابله يضحك بسرعة على أي موقف حتى لو لم يكن مضحكاً ! لا تستوعب هل هي ضحكة سخرية أم ضحك على الحال .
الدكتور عبدالله : تشربي معي .
أنا : بشرب بس خليني أدخل الحمام بالأول .
أزاح لي الدكتور عبدالله ودخلت الحمام , تلك اللحظة وددت الانعزال في الحمام وليس استخدامه , كمية الأحداث الصباحية جعلتني أحتاج للحظة مع نفسي .
أغلقت الباب وأسندت ظهري على الحائط .
المشاهد منذ الصباح متسارعة تكاد لا تستطيع حتى التفكير للحظة بما يحدث , هذا التسارع يجعلك تمشي معها بدون مقاومة , حسناً أنا أشعر بالحماس , أكشن مثير منذ الصباح , أناس مختلفون تماماً , لا توجد لحظة ملل , هذا ما أريده , أه كم سيكون لدي مخزون من القصص لأرويها لأقاربي حين عودتي !! , فجاة شعرت أن موضوع الخبرة في طب الأسنان لم يعد يعنيني بقدر ما أن أعيش قصص مثيرة .
أخرجت هاتفي من جيبي (نوكيا ) كانت هناك مكالمتين واحده من عمي والاخرى من خالتي , ورسالة واحده من إبنة خالتي تقول فيها : كيف أول يوم في ضليل , أكلتي لبنة ؟؟
الكل ينتظر عودتي لأخبر الجميع بتجربتي الجديدة .
خرجت من الحمام وغسلت يدي , كان الجميع يقف عند مكتب الاستقبال وصحون الطعام مفرودة عليه وأبو خالد بينما يناديني كان يشرح رغيف خبز كبير وينولني إياه قائلا : دكتورة هذا الفطور على حسابك , ذوقي الخبز ات .
تناولت الخبز منه , كان ساخنا ً تناولت منه قطعة ,كان شهياً جداً !! كان أطيب خبز أتناوله في حياتي .
بينما كنا نأكل ونتكلم عن الرجل صاحب الحمار , فتح الباب فجأة لتدخل مجموعة من الفتيات العربيات والأسيويات ,كانت هناك فتاة تتقدمهم بثقة تبدو قائدة الفريق ومن الواضح أن جميع من في المركز يعرفها .توجهت الفتاة نحو أم نوفل كان هناك شبه كبير بينهما .
أم نوفل : هذي بنتي أسماء .
أنا: أه والله , أهلا.
أم نوفل: بتشتغل في المصانع ومشرفة على البنات هناك . قالت أم نوفل تلك الجملة بكل اعتزاز .
كانت إبنة أم نوفل تبدو في بداية العشرينات من عمرها , تتكلم بثقة وتعطي الأوامر لباقي الفتيات وتتكلم اللغة البنغالية بطلاقة ! ترتدي ملابس غير متناسقة لكن نظيفة ,
أسماء: يا هلا إنت الدكتورة الجديدة أمي كلمتني عنك ,أنا مبسوطة انه صار عنا دكتورة في المنطقة .
أبو خالد بسخرية : طبعا أكيد أذعتي في المنطقة أنه عنا دكتورة جديدة يا أم نوفل .
ضحكت أم نوفل بخجل .
لم اكن أعلم أن جملة أبو خالد سيكون خلفها العديد من التبعات .
أسماء وهي تشير نحو الفتيات وتوجه كلامها للدكتور سامي : هذول البنات تعبانات خليني أفهمك شو عندهم . لم تكمل أسماء جملتها حتى سقطت أحد الفتيات العربيات على الأرض في حالة إغماء .
ركض الجميع نحو الفتاة لنقلها لداخل غرفة الكشف ولحقهم الدكتور سامي وطلب أن يتم مدها على السرير لكن أسماء أعطت الأمر بوضعها على كرسي ومدت يدها نحو علبة الكحول ليسحبها منها الدكتور سامي بعصبية قائلاً : إنت شو بتعملي؟؟
أسماء : بصحيها بالكحول .
الدكتور سامي بتهكم : أولاً أنا قلت مدوها على السرير مو على الكرسي ثانياً مين الدكتور هون ولا أحكيلك تفضلي إنت عالجيها .
تناولت اسماء زجاجة الكحول من يده قامت بوضع البعض منه على وجه الفتاة , سحب الدكتور سامي الزجاجة من يد أسماء بعنف وبدأ بسكب الكحول على رأس الفتاة وبداخل أنفها , نظرت نحو الجميع , الكل يشاهد بدون أي ردور فعل ! كنت متعجبة من المنظر فقد كان الدكتور سامي يسكب الكحول في أنفها بشكل مبالغ , بقيت متسمرة مكاني , كمية الكحول التي صبت في أنف الفتاة كفيلة بإيقاظ فيل أو قتلها !!
دخل الدكتور عبدالله وضع السيجارة في فمه ومن ثم صفع الفتاة على وجهها هنا استفاقت لتنظر حولها ومن ثم تدخل في حالة بكاء هستيرية . استدار الدكتور سامي بكل برود نحو المريضات الأخريات ليطلب من إحداهن التمدد على السرير , ليخرج الدكتور عبدالله وتقوم أسماء باحتضان الفتاة وكأنها تخفف شيئاً عنها.
سمعت صوت أبو خالد من الخارج يسأل الدكتور عبدالله : كالعادة , لأسمع بعدها صوت ضحك الدكتور عبدالله.
فجأة انتهى هذا المشهد الكوميدي أمامي وكل شخص ذهب بحال سبيله ,لم أفهم ما الي حدث أمامي للتو !؟؟ وما هو الشيء الذي كالعادة؟؟
بدأ المكان يكتض , خرجت متوجه نحو عيادتي لتلحقني أسماء .
أسماء : دكتور ة يا هلا فيكي نورت ضليل .
أنا : شكرا أسماء , لكن خبريني شو مالها البنت الي برا ؟
أسماء : قلبها تعبان .
أنا : أوه جد , مسكينة , لسه صغيرة .
أسماء باستنكار : شنو صغيرة دكتورة كلنا قلبنا تعبان !
أنا : كيف يعني ؟
أسماء : دكتورة إنت متزوجة ؟
أنا : لأ
أسماء : ليش دكتورة كيف وحده متلك ما تزوجت ؟
بالنسبة لي كنت قد سئمت من ديباجة هذا السؤال منذ وصولي للأردن , ولم أحب قول تلك الإجابة التقليدية : "القسمة والنصيب ", كانت تشعرني تلك الجملة الصغيرة أني شخص مغلوب على أمره وضعيف , فقرار الزواج هو اختياري أنا وليس حظاً أنتظر حدوثه .
أنا : ما حاسه حالي جاهزة للزواج .
أسماء : ليش كم عمرك ؟
أنا : 26
ضربت أسماء يدها على صدرها : دكتورة لو إنت عنا كان زوجوكي لواحد عمره 60 سنة .
أنا بتهكم : لأ حرام عليكي قولي 50 سنة. .
لم تفهم أسماء سخريتي بل نظرت نحوي باستغراب وأكملت : أنا دكتورة إن شاءالله بخطب قريباً.
أنا : اوه جد ؟ مبروك .
فجأة انطلقت الكلمات من فم أسماء في دفعة واحدة : في واحد بحبه وبحبني لكن أمي يعني مو موافقة وأبوي ما يعرف , هو من بنغلاديش , والله صدقيني دكتورة البنغال أحسن من العرب , رومانسي وحنون وبحبني كتير وانا بحبه ومستعدة أسوي أي شيء عشانه والله أنه مو مثل الي عنا يضحك عليكي كم شهر ويتركك , عنده غرفة صغيرة , صح صغير ة لكن ما عندي مشكلة , عارفة دكتورةعشانه تعلمت البنغالي ,بتعرفي كمان من كثر حبي له صرت استحم مثله .
بالرغم من المدفع الرشاش من الجمل التي انطلقت أمامي لم يتوقف دماغي إلا عند جملة (صرت أستحم مثله ) !!!
أنا بكل ذهول : كيف يعني تتحمي مثله ؟؟
أسماء : البنغال لما يستحموا بيرشوا جسمهم بشويه مي من الجردل على جسمهم وبس ما بيستخدموا الليفة !! ولازم تجلسي على كرسي صغير , كلهذه التفاصيل أسويها متله .
سرحت للحظة وتذكرت تلك المشاهد التي كنت أشاهدها في التلفاز لأسيوين يقومون بالاستحمام بالعراء برش القليل من الماء على جسدهم فثقافة استخدام الليفة غير موجود لديهم .
في ثقافة الاستحمام لدى بعض دول آسيا يكتفون برش الماء على جسدهم دون الدعك لذلك لديهم مشكلة في ثقافة النظافة الشخصية
بينما كانت تكمل أسماء كلامها عن حبيبها البنغالي , كنت أفكر بالكلمات الجدلية التي سأقولها لأسماء وعن مخاطر هذا الزواج , لكن للحظة فكرت , من انا لأجادل أسماء , لا أحد يعلم بماذا تمر به أسماء لتتمسك بحب شخص من جنسية أخرى , ومن خلال الدقائق المعدودة التي تحاورت فيها مع أسماء استوعبت بعض من شخصيتها فمثل أسماء من العبث أن تجادلها وتحتاج لمفاتيح لتبدأ في حوار معها , ياللعجب ضليل مكان غريب فلأي مدى قد يقع المحبوب في حب طريقة استحمام محبوبه !!؟ ثم انتبهت للحظة لماذا وثقت بي أسماء بهذه السرعة لتكلمني عن سرها !؟ لم يمضي على مقابلتي لها إلا دقائق معدودة!!
أسماء : أنا عمري 18 يعني بعد كم شهر بصير 19 , يعني مصيبة دكتورة اذا ما تزوجت .
أنا : لا هي حتصير مصيبة أكبر .
أسماء : كيف يعني دكتورة ؟؟
دخلت أم نوفل لتخبر أسماء أن الدكتور سامي أنهى تشخيص المريضات وأنها قامت بمساعدته بالترجمة بدلاً عنها , حتى أم نوفل تجيد اللغة البنغالية !! الكل هنا يجيد هذه اللغة .
أسماء : دكتورة ما قولتيلي شو المصيبة !!
يتبع
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات