في عام 2005 توجهت للأردن من الامارات للعمل كطبيبة اسنان في أحد المناطق الأقل حظاً (ضليل) كانت نقلة غريبة في حياتي ، هنا مذكراتي وتجربتي وأنا في عشريناتي
قررت الذهاب للمشي قليلًا في السوق ( شارع السعادة) هذا الشارع العريق الذي يتوسط مدينة الزرقاء يحوي اسواق متنوعة يدمج ما بين السوق الشعبي والحديث ،هناك متعة للمشي في هذا السوق ،ترى فيه حياة كنت افتقدها في أسواق الإمارات ، الناس تتكلم بصوت عالي دون تكلف ،قد تسمع قصة احدهم بالكامل وانت تمشي ! حياة فطرية بامتياز.
مدينة الزرقاء الأردنية،تبعد عن العاصمة عمان ٢٠ كم وعن ضليل ١٥ كم ،هي ثالث مدينة أردنية من حيث عدد السكان حيث يلاحظ الاكتظاظ السكاني فيها بشكل كبير
قبل وصولك للسوق يجب أن تعبر نفق مشاة يفصل المجمع عن السوق ،هذا النفق حكاية أخرى، بمجرد نزولك فيه ستشاهد سوق آخر في الأسفل ،على طول الجنبين محلات بيع أقراص أفلام حديثة و منسوخة لا تزال تعرض في السينما والأغاني التي لم يكد يمر على اطلاقها يوم واحد وبرامج الكمبيوتر الغالية الثمن تباع هنا بدينار فقط.
كنا نطلق نكتة على هذا النفق ونقول لو شاهد بيل جيتس هذا النفق فقد يقدم على الانتحار فكمية برامج مايكروسوفت المنسوخة هنا قد تصيبه بالجنون .
ففيلم حديث في السينما يمكنك شراءه من هذا النفق بدينار واحد فقط! إن أردت جوده أعلى فعليك دفع دينارين
لطالما كان هذا المكان متنفس لقضاء ليالي الشتاء الباردة بشراء كمية من الأفلام لقضاء سهرات الشتاء.
ستجد أيضاً محلات الذهب الروسي( منقذ الفقراء) في حفلات زفافهم فلا يمكنك تميزه عن الذهب الحقيقي.
وكثيرا ما كان يستخدم كبديل عن تلبيسه الذهب .
بجانب محلات الهدايا البلاستيكية والميداليات والملابس الداخلية المعروضة بشكل فاضح .
كانت تجربة المرور من النفق تجربة ممتعة لي وكأنك دخلت فجوة زمنية.
وكان هناك محل مفضل لدي لشراء الأقراص وكان المعتمد عندي لحين التغيير لمحل أفضل .
ستخرج من النفق ليستقبلك محلات عصبر ابو اكرم
مقصدنا في أيام رمضان لشراء عصير السوس والليمون.
ثم تجد على الجانب الآخر مركز شرطة صغير . وهناك تبدأ سلسلة محلات شارع السعادة !
شارع السعادة أحد أشهر شوارع الزرقاء وهو مركز تجاري عريق منذ الثلاثينات أسسه تجار من مدينة معان وكان يقصده البدو والجنود القادمين من معسكرات الزرقاء و كان ممر تجاري مهم لتجار الشام والسعودية كان اسمه (شارع المعانية) إلى أن تبدل اسمه إلى (شارع السعادة ) نسبة لتاجر فلسطيني اسمه ( سعادة عياش) استطاع توسيع تجارته التي بدـأت بمعاطف الصوف في الشارع وامتدت تجارته في الشارع وسيطرت تجارته عليه .
تجربة المشي في هذا شارع السعادة في البداية كانت تحدي كبير بالنسبة لي. ، ما بين المعاكسات المزعجة والمحرجة وبين النظرات المستفزة من الشباب ،خاصة لو كنتِ ترتدين ملابس غير مـألوفة ! لون جديد على الساحة ، قفازات ! أن تحمل مظلة في هذا الشارع كفيل أن يجعلك نموذج للمعاكسات.
الحديث يطول عن تجربة المشي في هذا الشارع وحوادث التحرش و لمعاكسات ستكون شيئاً موثقاً طوال سنوات كتابة المذكرات .
لكن ، كل ذلك لم يمنعني من حب هذا الشارع وشوقي للمشي فيه كل يوم .فمع الخبرة ،أصبح لدي وسائلي
الخاصة للتكيف فيه!
وللعلم ليس شرطاً ان تكوني فتاة جميلة لتتعرضِ للمعاكسة! يكفي أن يكون لديك جسد أنثى!
مشيت ولا أدري لأين وجهتي، كنت دوماٍ أحب المشي نحو الشارع الذي يأخذني لبوظة" المنال" المحل الشهير الذي يبيع البوظة العربية في هذا الشارع ! ماذا لو تناولت القليل من البوظة
أو الكنافة من حبيبة ! أو التجول بين البسطات التي تحوي تفاصيل تبهرني من الأمشاط واكسسوارات الشعر والدبابيس والشالات والمرور نحو سوق الخضار والفاكهة والجزارين ومحاولة تفادي الاصطدام بذبيحة معلقة .
كان هناك قوانين غريبة تغيضني أحياناً في الأردن ، قوانين تناول بعض المأكولات ، فلن تجد البوظة في أي دكان في الشتاء،ستستبدل بالسحلب أو بالكاكاو ! لم أعهد هذه القوانين في الامارات فكل شيء قابل للأكل في كل الفصول
كنت قد قررت التمرد وشراء البوظة هذا الشتاء في الاردن .
رن هاتفي وكانت أمي ،قررت ان لا أرد ، لأني سأحصل على محاضرة مطولة عن تأخري .
لكن غيرت رأي واجبت على المكالمة .
ماما : وينك شو الأخبار ؟روحتي
أنا: يعني ،صرت في المجمع
ماما : طيب اسمعي لا تركبي الباص للبيت روحي عند عمك ووالدك في المحطة
بينتظروكِ هناك تروحي للبيت معهم .
لحسن الحظ كنت قريبة من المحطة ( موضوع سأتحدث عنه لاحقاً) . لم أخبر امي أنني في السوق .
كنت أعلم أن اقتراح الالتقاء بعمي (صافي ) ووالدي كان قرار عمي فهو كثير القلق علي وشعوره بالخوف من أول يوم لي في الضليل ليس أقل من خوفي ابي وأمي وربما أكثر ،
حنانه الزائد كان دوماً يقلب لنوع من القلق المزعج لكن كنت اتفهم شخصيته .
فرحت جداً بمكالمة أمي ،معنى ذلك سأمشي مسافة أطول واستمتع إلى أن أصل للمحطة.
لم أكد التف للوراء حتى رأيت الدكتور سامي فجأة !
الدكتور سامي:اوه انت هون
أنا : شو وصلك لهون على أساس كنت مروح للبيت ؟
الدكتور سامي: يمكن بلحقك!
أنا: ليش يعني
شعرت فجاة بالتوتر أن يرانا أحد نقف في وسط السوق
الدكتور سامي : وين رايحة،أمشي معك؟
أنا :لا
الدكتور سامي:شكلك ضايعة
أنا : ضايعة !! اكيد لا انا خبيرة في سوق السعادة
الدكتور سامي وهو يضحك :خبيرة سوق السعادة !!
أنا : سلام انا رايحة
الدكتور سامي مبتسماً : على راحتك ،سلام
شعرت أن آسلوبي كان فظاً لكن تراجعت عن ندمي بمجرد سماعي لصوت يناديني من الخلف
لأرى صديقتي إيمان !
ماهذا اليوم الغريب ، لماذا يتواجد اليوم في سوق السعادة !
إيمان: أريج !! يعني لازم أشوفك بالصدفة
بلعت ريقي عند رؤيتي لإيمان .
للحظة خفت أن تكون قد رأتني أقف مع الدكتور سامي ووقتها لن أسلم من لسانها وفضولها .
"إيمان تخرجت معي من نفس جامعة عجمان فرع أبوظبي بالرغم أنها تكبرني بسنتين ، لم نلتقي في الإمارات بل التقينا مصادفة خلال سنة الامتياز في الأردن و امتحان وزارة الصحة الأردنية قبل سنة ونصف وبرغم التضاد الكبير في شخصيتي أنا وإيمان لكن أصبح بيننا زمالة قوية تخللها العديد من الأسرار والفضفضة ،إيمان شخصيتها قوية ،لماحة ، كنت معجبة بثقتها الكبيرة ، تستطيع قول ما تريد بذكاء وجرأة دون أذية أحد كُنت عكسها تماماً ، وعلى ما يبدو التضاد الذي ما بيننا هو ما قربنا مع بعض ، لكن أحكامها ونصائحها التي لا تروق لي أحياناً كانت تجعلني أتحفظ على بعض أسراري.
برغم طموح إيمان ألا آنها كانت تضع موضوع الزواج أهمية بالغة جداً وكأن لا قيمة للحياة بدون زوج ، فعلياً جزء كبير من حوارتها عن البحث عن زوج !
إيمان وهي تضحك : مالك كأنك شفتي شي مرعب .
أنا : ولا شي بس تفاجأت شو جابك لهون .
إيمان ،هي تشير بأصبعها لبناية البغال الشهيرة في شارع السعادة: إنت ما بتعرفي إنو عيادة أخوي حسن هون في عمارة البغال؟
أنا : أه سمعت كنت تحكي عن عيادته لكن نسيت إنها هون .
إيمان : إنت شو يلي جاب لهون؟
أنا أنا تعينت في عيادة جديدة ومروحة من المجمع وقلت أتمشى في السوق .
إيمان : جد !! ألف مبروك، وين ؟
أنا : ممم ضليل .
إيمان : وين هاي ضليل ؟
أنا : قصة طويلة عريضة بدها قعدة .
إيمان : طيب تعالي معي .أنا طالعة لعند أخوي وعندي خبر حلو وحيصدمك .
أنا : طيب احيكلي اياه هون .
إيمان : لا لا لازم فوق .
أنا: صعب ، خليها ليوم تاني أصلاً أنا يومياً بصير أمر من هذا الشارع ، بجيك يوم وبنلتقي في عيادة الدكتور حسن .
إيمان : أكيد؟
أنا : أكيد.
إيمان وهي تغمز : غريبة فكرتك فهمتي ليش بدي إياكِ.
أنا : لا ما فهمت .
ضحكت إبمان بصوت عالي غير مكترث أننا في منتصف مكان مزدحم والتفت للوراء ،رفعت يدها لتودعني : بستناكِ هاليومين .
واختفت بين الزحام
حاولت تخمين ما هو الخبر السار والصادم ،ولا أنكر أن فضولي زاد وخاصة أن أخبار إيمان دوماً مثيرة.
أكملت طريقي نحو محل بوظة المنال وطلبت كوب بوظة ، كنت أشتهي شراء بوظة بمخروط البسكويت لكنه كان محظوراً أن تأكل البوظة بمخروط البسكويت في الشارع وقد يعرضك لكمية هائلة من المعاكسات والتعليقات التي لم ولن استوعبها .
أخذت آكل البوظة بالملعقة بينما أمشي وأنا أشاهد واجهة المحلات ووصلت عند المحطة حيث لمحت سيارة عمي واقفة ووالدي يضع بداخلها أكياس من السوبرماركت، وقفت خلفه والتفت خلفه ليجدني فأخذ يضحك : وصلتي ، شطورة والله عرفتي توصلي من ضليل لحالك .
ظهر عمي من الخلف واحتضني : دكتورة ، كيف أول يوم طمنينا .
أنا : والله تمام ، تخيلوا من أول يوم إجاني مرضى.
والدي : جد من أول يوم ، كتير ممتاز، عشان تاخدي على الوضع .
عمي : أركبي وخبرينا التفاصيل في السيارة ، أمك من الصبح وهي قلقانه عليكِ، ليش ما بتردي عليها.
أنا : بعتلها مسجات ، بعدين مكالماتها الكثيرة وترتني ، كل الأردن رنت علي اليوم .
عمي : معها حق تخاف وأنا اقترحت عليها ترن عليكِ وناخدك معنا ،بدل بهدلة الباصات.
طوال الطريق نحو البيت كنت أتكلم بحماس عن يومي ،أخفيت بعض التفاصيل وأظهرت التفاصيل المشوقة الظريفة ، لم أود أن أبدوا خاسرة من أول تجربة لي أمام عمي وأبي .
وصلنا للبيت حيث كانت جدتي ووالدتي وخالاتي جيهان وداليدا بانتظاري .
دخلت للمطبخ وأنا أحمل الأكياس ، حيث كان يجلس الجميع وبمجرد دخولي صفقت جدتي وغنت مرحبة بقدومي .
ضحكت خالتي داليدا : يعني نعلن أن أريج صارت رسمياً دكتورة في عيادة .
أمي: لا لسه ما قررنا .
خالتي جيهان : هي لازم تقرر مو انتو .
نظرت بطرف عيني نحو خالتي جيهان ومن ثم نحو أمي لأرى ردت فعلها ،لطالما كانت أمي تنسى أن لي رأي يجب أخذه بالحسبان فهي ترى أن الأهل الأكثر دراية بمصلحة أولادهم حتى ل، أصبحوا أطباء.
خالتي جيهان : لكن خلينا نعتبر ان هالمكان مؤقت الصراحة ما بيليق فيكِ الا عيادة في عمان
حركت أمي رأسها بالموافقة.
، لتكمل خالتي داليدا : انتو شو دخلكم أريج صارت حصتنا أنتو توكلوا على الإمارات .
جدتي : أريج رجعت لنا ، خلص ما في رجعة للإمارات .
خالتي داليدا: طبعاً أنا ربيتها لأريج من عمرها ٣ شهور ورجعت لحضني.
لم تناقش والدتي خالاتي ولا جدتي فهي تعلم أن الجدال في هذا الأمر فيه خسارة ، فأنا لم أعش أول سنة من حياتي بين أحضاني والدي ووالدتي ،فقد تركتني أمي مرغمة عند والدتها ( جدتي وجدي وخالتي داليدا) وأنا عمري 3 شهور بعد حصولهم على عقد عمل في الإمارات ،فقد رفضت جدتي أن يأخذاني وأنا طفلة رضيعة لبلد غريب وجديد.
وكانت حجتها أن والدي لم يجدا شقة بعد في الإمارات أو حضانة هناك فكيف سيتدبران أمرهما بوجود طفلة رضيعة ، فكا القرار أن يرافقهم أخي الكبير ذو 4 سنوات وأبقى أنا في رعاية بيت جدي.
لظروف خاصة لم يستطع والدي السفر للأردن لاسترجاعي واضطرا لتركي سنة كاملة .
لذلك فقد ترعرت في أول سنة في بيت جدي حيث الدلال والحنان والطلبات التي لا ترد وبقيت الحفيدة المفضلة لدى جدي وجدتي وخالتي داليدا وكانت صوري ُترسل لوالدي في الإمارات كل شهر ،تكاد معظم صوري في أول سنة من حياتي تحوي خلفها على كتابات بالحبر ، كتبها جدي يوصف لوالدي ماذا أفعل في الصورة،كأنه انستغرام في فترة الثمانينات بجانب الأشرطة التي تسجل صوتي وأول كلماتي.
ويتداول أهلي دوماً كيف أثر دلال بيت جدي على شخصيتي وأنا طفلة وكم عانا من آثار الدلال تلك.
بدأت بتحضير الطاولة لتناول الغذاء حيث طبخت أمي اليوم أكلة" المُغربية" ، ناديت عمي الذي صعد مع أبي لتناول القهوة للجلوس معنا للغذاء أيضاً، رفض عمي في البداية ،اخبرني أنه يود النزول لعائلته لكن أمي اقنعته انه لا يمكن تفويت لقمة من هذه الطبخة ،جلسنا جميعاً أنا وأي وأبي وخالاتي وعمي نأكل المغربية وحديثنا فقط عن أحداثي في ضليل، كانت أمي في كل حديث تردد: " هالمكان مو عاجبنا لازم دوري في عمان ،اعتبريه مكان مؤقت" .
انتهينا من تناول الطعام ، ذهب الجميع لبيته ماعدا جدتي التي فضلت أن تأخذ قيلولتها في بيتنا ، ذهبت نحو غرفتي والقيت نفسي على السرير لأتأمل في يومي المزدحم ،كان الهواء يحرك ستارتي بهدوء وسرحت في تلك النسمات ، حتى رن هاتفي لأجد سارة صديقتي ترن علي ، قفزت من مكاني نحو الهاتف .
سارة: مبروك ، أريج الشغل الجديد.
أنا : الله يبارك فيكِ ،طبعاً ما بدي أحكي ولا كلمة لحتى توصلي للأردن ،متى جاي؟
ضحكت سارة : أكيد أكيد بدي أسمع كل شي ،لكن احكيلي الُخلاصة.
أنا: والله ياسارة ما بعرف المكان فيه شيء غريب بشدني أكمل فيه وفي نفس الوقت خايفة أندم.
سارة : ليش تندمي ؟
أنا: الكل بيحكيلي اشتغلي بعمان شو جابرك تتبهدلي في ضليل.
سارة: الشغل كله بهدلة وين ما كان المهم تعيشي تجربة مميزة وانت هيك بدك ،صح ؟
أنا : صح .
تحدثنا قليلاً ولم أود أن تنتهي المكالمة فالحديث مع سارة له مذاق خاص وطمأنينة .
سارة كانت أفضل صديقة حصلت عليها طوال حياتي ،أحب صداقتنا لأنها لم تفرضها الظروف ،فهي ليس صديقة دُرج المدرسة وليست صديقة الجامعة ، إنما صديقة بقراري أنا ، تعرفت علـى سارة في أكثر مكان أحبه .
أول مرة لمحت سارة كانت في عام ٢٠٠٢ عندما طلبت من والدي أن يأخذني لمعرض فني (بينالي الشارقة)في اكسبو ،كانت أول مرة أطلب هذا الطلب وأول مرة أحضر معرض فني حقيقي، تركني والدي لوحدي وذهب لقضاء بعض الحاجات ،وبينما كنت أتمشى بين اللوحات لمحت فتاة طويلة نحيلة ترتدي ملابس سوداء ، تربط شعرها الطويل بشكل فوضوي ، كانت نظراتها مشدودة للوحة ، لا تتحرك من مكانها كأنها مزروعة في الأرض كانت تقف أمام لوحة " لفتاة تبكي دماً" !!
أذكر أنني تركت اللوحات وبقيت أتأمل سارة!
كانت ملامح وجهها وهي تتأمل اللوحة أغرب تعبير رأيته في تلك الفترة من حياتي ، لطالما شاهدت أناس يتأملون الفنون في المسلسلات فقط! كانت سارة وقتها تبدو وأنها شخصية خرجت من مسلسل كارتون ياباني ، عينان واسعتان تلمعان وأنف مدبب تحمل بين ذراعيها دفتر صغير كانت تشبه الليدي أوسكار أو شخصية ري أساكا من مسلسل oniisama (أخي العزيز) بملابسها السوداء.
شعرت سارة وقتها أن هناك من يحدق بها فالتفت نحوي بهدوء ، ارتبكت وتوقعت أن تغضب لتطفلي ، لكنها تكلمت بهدوء قائلة : شو رأيك باللوحة؟
لم أعرف بماذا اجيبها فلقد جئت للتو كما أن اللوحة تبدو كئيبة ، فمنظر الدماء التي تسيل من عيني الفتاة لم يكن مريحاً.حاولت التملق أمام سارة وقلت : ممم ما بعرف صعب أحدد ،لسه ما تأملتها لكن أول ما شفتها أزعجني منظر الدم .
سارة : شو بعرفك انه دم ؟
شعرت بالغباء الفني وقتها ! وقلت : صح يمكن مو دم ، طيب شو ممكن يكون ؟
سارة : توت ، عصير توت .
وأكملت كلامها :" هذه اللوحة لفنانة يونانية يتيمة توصف والدتها في موسم عصر التوت ، كانت والدتها تعمل عصارة للتوت عند طريق العصر بالأرجل لاستخراج النبيذ وكان سيدها شخص سيء ويجبر العاملات للعمل لوقت طويل لمرحلة كانت رجلهم تتقرح وكانت والدتها تبكي من الألم خلال العصر وتمسح دموعها بيدها التي كمان مصبوغة ببقايا عصير التوت فكانت تختلط دموعها بعصير التوت وتنصبغ باللون الأحمر وضلت هالذكرى السيئة باقية في عقل الفنانة من طفولتها لحتى كبرت وقررت تترجم ألم والدتها بلوحات منها هذه اللوحة ".
وأكملت سارة : شفتي قبل هيك كيف بيعصروا التوت والعنب برجليهم ؟
أنا : اه شفت في بعض المسلسلات في لقطة من مسلسل الكواسر ضلت عالقة براسي كيف كانوا يعصروا التوت برجلهم .
ضحكت سارة : صح صح
في هذه اللحظة قررت أن تصبح سارة صديقتي ، كيف ولماذا لا أعلم ،لكن شعرت وقتها أنها الصديقة المنشودة التي أبحث عنها منذ طفولتي .
فجأة شعرت أن اللوحة أجمل مما كانت ، لم تعد كئيبة بل رأيت فيها جمالية مختلفة ، عاهدت نفسي ألا أحكم على لوحة إلا عندما أعرف خباياها .
أذكر يومها بقينا نتجول في المعرض أنا وسارة ، التي بقيت تشرح لي اللوحات ، لم أنطق بأي كلمة بقيت صامته وانصت لكل كلمة تقولها ،تمنيت أن لا ينتهي الوقت معها .
سارة : بتعرفي إني فكرتك في المدرسة ، استغربت لما عرفت إنك في الجامعة مبينه صغيرة .
أنا : دايماً بفكروني لساتني في المدرسة !
سارة : أنا أكبر منك بسنتين ، وبحب احكيلك إنو اهتمامك الفني افتقد وجوده هالأيام .
ابتسمت وكدت أقفز من الفرح لهذا الحكم .
اتصل والدي ليخبرني أن ينتظرني في الخارج ، نظرت نحو سارة وقلت لها :يالله عندي عادة بايخة بنسى اتعرف على اسم الأشخاص ، يمكن لأني بهتم في شخصيتهم أكتر من الاسم .
ضحكت سارة : وأنا سارة، وأنا عندي هالعادة كمان .
أنا : أنا ممكن أصادق حدا حتى لو كان بدون رأس ! المهم أكون مبسوطة معو.
ضحكت سارة بصوت عالي على جملتي .
سلمنا على بعض ، ثم قفزت سارة بسرعة نحو طاولة خشبية كانت بجانبنا لتمسك ببطاقة مطبوع عليها أحد اللوحات لتكتب عليها اسمها ورقم أرضي وبريد الكتروني .
سارة : خذي هذا رقمي ، أنا ما عندي موبايل ، الصراحة ما بحبهم ،هذا رقمي الأرضي لبيتنا ،هذا ايميلي ضيفيني على ماسنجر ،ولازم نرجع نلتقي .
فرحت جداً عندما اعطتني سارة رقمها لم أتوقع ذلك ، فلماذا تكترث هذه الفتاة المثقفة المذهلة ،بشخصية مثلي تبدو ساذجة !!
عندما ركبت السيارة قلبت البطاقة لأرى اللوحة المطبوعة عليها واصُدم !!
يتبع ...
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات