فجأة دخل على العيادة الرجل غليظ الشنب ومعه صديقه والدكتور عبدالله وهو يضحك ,

الدكتور عبدالله : أريج إنت بتفكري أن المريض ممكن يرجع لجلستين كمان , هو راس ماله يخلع وينتهي الموضوع .


أنا: لكن السن سليم ليش أخلعه ؟


الرجل غليظ الشنب : هدول ناس ما بهمه أسنانهم المهم يتخلصوا من الوجع كمان من وين أجيبله كل مرة ترخيص خروج من الدوام ؟


كان الجميع ملتف حولي كأنهم عصابة تحاول إرغامي على فعل شرير , الكل يحاول الضغط علي أن ألجأ للخلع .


صديق الرجل : على فكرة تأمينه ما بغطي علاج العصب من وين بده يدفعلك ؟


أنا : بدفعله من حسابي .


ضحك الدكتور عبدالله : يعني آخر الشهر ما في راتب .


أنا : أنا كطبيبة أخلاقيا ًوصحياً لا يجوز أن أخلع ضرسه في هيك حاله .


والتفت نحو المريض لأبادر العلاج , عدل المريض جلسته وبدأ يحرك يديه مشيرا ً أنه يريد أن يخلع الضرس .


كان المنظر تجمع الرجال حولي وغضب الرجل ذو الشنب الغليظ كفيلاً بإخافة العامل المريض .


نظرن نحو الدكتور عبدالله ومن ثم نحو الرجلين الواقفين .


الدكتور عبدالله : طيب ممكن تطلعوا برا شوي , مشيراً للرجلين , ليخرجوا بعد ذلك من العيادة.


اقترب الدكتور عبدالله مني قائلاً: دكتورة أريج صدقيني هذا العامل ما راح يرجعوه للعلاج لولا انتفاخ وجهه والألم الي معطل شغله وشغلهم ما كان جبوه أصلا ,نصيحتي خلصيه من الوجع نهائياً وإخلعي الضرس .


وخلعت الضرس !! للأسف.


هل تعلمون أسهل مهمة لطبيب الأسنان هي (الخلع) وفعليا ً علاج العصب العلاج الأكثر إرهاقاً ؟؟ عندما تأتينا حالة عصب ندخل في متاهة مستفزة لإخراج ذلك العصب النحيف من القناة العصبية للسن ونعاود تعبئة مكان العصب الفارغ مرة أخرى بمادة مع الأخذ بالاحترازات ألا يدخل أي شيء داخل قناة العصب ويلوث المكان ويعاود الالتهاب مرة أخرى , أي أنه مهمة ليست مسلية وغير لطيفة بالنسبة لي مقارنة بخلع سن في عملية لحظية لا تستغرق دقائق!!


بينما أنا جالسه على المكتب أكتب بيانات المريض وقف أمامي وضم كفيه وانحنى أمامي شاكراً , تلك الحركة جعلتني أشعر بعدم الندم قليلاً لما فعلته بضرسه.

اعتقد هذا الشاب أنه انتهى من الألم للأبد ولم يكن يعلم أنه فتح أمامي باب من الألم لما حدث أمامي اليوم ( سلطة القوي على الضعيف ) بحق بالاحتفاظ حتى بعضو من جسدك .


خرج الجميع من العيادة ,كنت مقهورة من الرجل ذو الشنب الغليظ ,شعرت أنني في أحد تلك الأفلام التي تتكلم عن العنصرية وعن السيد وعبده! توجهت نحو كرسي الأسنان لأرى الضرس المخلوع لايزال على الصينية , أبيض ضخم الحجم ,لم يهتريء كثيراً ,كم هو محزن أن يخلع من مكانه .


دخل الدكتور سامي وعلى وجهه ملامح الغضب : شو صاير سمعتهم من جوا ليش مو عاجبهم شغلك ؟ عرفت برا إنك خلعتي الضرس بعدين ! ليش تردي عليهم أصلا ؟


كمية الكلمات الهجومية من الدكتور سامي كادت أن تفلت أعصابي وأن أصرخ في وجهه : قلت له : حاولت معهم ومع المريض كانوا ملتفين حولي متل العصابة .


الدكتور أحمد غضبا ً وعينيه تشع : المرة الجاي اطرديهم برا العيادة وخبريهم ممنوع يكون أي حدا غير المريض , ونادي أم نواف تبقى معك في العيادة وسكري الباب .


خرج بعدها الدكتور سامي غاضبا ً , واضح أنه هو أيضاً يعاني !!


كنت مشوشة جداً بعد ما حدث اليوم , شعرت بالغضب والفشل من الداخل , لم أشعر بمتعة استقبال أول مريض , كنت قد رسمت لي سيناريو مع أول مريض استقبله اليوم أنه ستعقد الاحتفالات بعد أول حالة علاجي و سأكون سعيدة وسأذهب مساءاً لجدتي والجميع لأخبرهما كيف أنني تحديت الجميع وعالجته .


جلست عل المكتب ,شعرت بالإحباط , لاأريد هذا المكان بعد اليوم .


شعرت بالاختناق من العيادة , خرجت لحديقة المركز , كان الجو حاراً جداً , لم استطع فتح عيني من قوة الشمس , لكن بقيت أتجول بين زهور الحديقة , لأسمع صوت أبو خالد من بعيد وهو يطل من باب خلفي للمركز :


دكتورة أريج ليش بتتمشي برا كتير شوب بلاش تاخدي ضربة شمس , وضحك ضحكة عالية , وأشار نحوي أن أدخل لمكنبه لنشرب الشاي .


ابتسمت , الجميع هنا يقرر ما تفعله !!! إنهم الرجال .


لم أكن أعلم أن هناك مكتب خلفي للمركز , دخلت لأرى أبو خالد يجلس على مكتب وهناك طاولة كبيرة تبدو للاجتماعات ورائحة الزعتر تملأ المكان , وأم نواف أمام مطبخ صغير تعد شيئاً .


طلب مني أن أجلس وقال : هلأ بنشرب شاي مع زعتر احتفالاً مع استقبال أول مريض والله سمعت أن خلعتيله سن ؟؟ كنت أفكر الدكتورات ما بيعرفوا يخلعوا لكن الدكتور عبدالله خبرني إنك خلعتيه بثواني .


أنا : أصلا أسهل شيء الخلع .


أم نواف : يعني ما بده عضلات .


أنا : العضلات ممكن تكسر السن والفك بس نركز القوة من عند الرسغ ونتأكد من الأشعة قبل الخلع والباقي تمام , أكملت كلامي : كتيرسهل الخلع إلا في بعض الحالات .


لم أكن أود الخوض في تفاصيل أكثر ,لأنني كنت أحاول نسيان ما حدث اليوم لكن أبو خالد وأم نواف كانوا يحتفلون بخلع السن !!!!


ناولني أبو خالد حبات تمر ووضعت أم نواف كوب الشاي بالزعتر أمامي ,رائحته كانت قوية وزكية جداً جعلت أعصابي تسترخي بعد موقف اليوم .


أنا : أبو خالد ممكن طلب .


أبو خالد : تفضلي ,


أنا : ممكن لما يجي مريض تكون معي أم نواف ويكون دورها كمان تمنع دخول أي شخص ثاني غير المريض .


رفع أبو خالد رأسه بسرعة ونظر نحوي بعينيه الملونتين : طبعاً طبعاً هذا من حقك , أم نواف سمعتي شو حكت الدكتورة .



فجاة أيقظني صوت جرس هاتف أبو خالد , ذلك السيناريو فوق لم يحدث حقاً إنما هو السيناريو الذي دار في مخيلتي وأود أن أخبر به أبو خالد , لم أكن أملك الشجاعة لأكون حازمة في أول يوم لي !! هل أخبره أنني متضايقة من التجمهر الذي حدث اليوم ! ومحاولات التدخل في علاج أحد مرضاي؟؟


لماذا أود أن أبدو منذ يومي الأول أنني فتاة مرنة لطيفة تسمع كلام الجميع ؟؟


نظرت نحو أبو خالد ووهو يتكلم عند الشباك ,وقررت بمجرد أن ينهي المكالمة أن أخبره نفس السيناريو السابق الذي دار في عقلي .


أنهى أبو خالد المكالمة لأسمع وهو يقول : دكتورة

نظرت نحو لأشاهده وهو ينزل هاتفه وعينيه نحو الشباك للخارج وابتسامة على وجهه : تعالي دكتورة إجاكي مريض غير شكل جاي بالمرسيدس , الله أعلم إلك ولا للدكاترة .


توجهت نحو الشباك , لأرى رجل كبير في العمر ينزل من على حمار .


كان المنظر عجيباً ولم أتوقع أنه مريض قد يكون عابر سبيل فقط !


نظر نحوي أبو خالد وقال وهو يضحك : أم نواف بتعرفيه هذه الزلمة .


كان المنظر غريباً والرجل يصف حماره بشكل منظم أمام العيادة في المكان المخصص لصف السيارات .

تقدمت أم نواف لتنظر أيضا نحو الشباك وتضحك وتقول : لأ أول مرة أشوفه في المنطقة .


مشيت انا وأبو خالد لللخارج , سلم عليه أبو خالد .


تكلم الرجل بكلام غير واضح حيث يبدو أنه يعاني صعوبة في الكلام : سني , وفتح فمه ليظهر لنا بواقي أسنان في فكه العلوي والسفلي ووضع أصبعه على أحد أسنانه الأمامية ويحركه بقوة : سني يتخلخل وبوجعني .


الحركة التي فعلها بإصبعه كانت كفيلة بخلع السن من مكانه دون الحاجة لتدخلي !


سبقتهم للداخل لأقوم بتجهيز العيادة , دخلت خلفي أم نوفل , دخل أبو خالد ومعه الرجل , كان يرتدي جلابية رمادية ويلف حول رأسه شماغ , نحيف جدا وشنبه كثيف أسود ( ما قصة الشنب الغليظ اليوم ؟) ويحمل على ذراعه ربطات خيز كبيرة رائحتها اللذيذه ملأت المكان ..


تقدم الرجل نحوي وفتح فمه ليؤكد لي مكان المشكلة , فطلبت منه الجلوس على الكرسي . وضع الخبز على الطاولة .


وجلس على الكرسي , بقي أبو خالد واقفاً خلفي يعتريه الفضول ,وأم نواف تقف أمامي مستعدة , دخل الدكتور عبدالله ضاحكا ً:لمين الحمار الي برا ؟


سمعت أبو خالد وهو يطلب منه السكوت , سمعنا صوت الباب الخارجي للمركز يفتح لنشاهد الدكتور ذياب يدخل العيادة ويقول : اصبحتوا تقبلوا تعالجوا حمير ؟


نظرت خلفي , المنظر في الخلف كفيل لجعل علاج حالة بسيطة ,حالة صعبة فكمية الأشخاص المتواجدين بالمكان تجعلك تشعر بالارتباك .


كنت اعلم أن هذا الرجل أثار فضول الجميع وكان المشهد ظريفاً وهو قادم على حمار !


ثاني زائر اليوم جاءني على حمار ,أليس حدثاً مميزاً ؟؟


أخبرت الرجل أن السن بالتأكيد يحتاج لخلع والحالة بسيطة جداً وأننا سنقوم بالتخدير ومن ثم بخلع السن .


وقبل أن أسأله إن كان لديه أمراض مزمنة نظر المريض نحوي وقال : دكتورة إخلعيه بدون بنج ما بوجع .


الدكتور خالد ضاحكا ً: إخلعيه بدون بنج هذا عظمه قوي .


التفت نحو أبو خالد وابتسمت : كيف أخلعه بدون بنج ابو خالد لا يجوز , هو شخصيا ً خبرني إنه في ألم كمان القصة مو قصة ألم ,لازم ضبط النزيف ,يمكن أصلا ًمعه أمراض مزمنة او بياخد ادوية تمنعني أخلع اليوم .


كان رأس الدكتور سامي يطل من باب عيادتي واختفى فجأة .


المريض : دكتورة انا صحتي تمام ما عندي شي ولا آخذ أدوية , إنت بس إخلعي وتوكلي على الله .


ضحك الجميع حولي وكأننا أنا والمريض نقدم حوار على خشبة المسرح والمشاهدين يضحكون .


رأيت الدكتور عبدلله يشير بيديه بما معناه أن لا أناقش وأخلع وأنهي الموضوع .


عندها دخل الدكتور سامي بسرعة حاملاً جهاز الضغط وجهاز فحص السكري .


وقام بالبدأ بفحص المريض , سحب المريض يده قائلاً : ما معي فلوس حق الفحص أنا جاي أخلع سني يا تخلعوه يا بخلعه بنفسي .


الدكتور سامي : هذا الفحص مجاني لازم نتأكد من وضعك قبل ما نخلع إنت مو صغير بالعمر , إفرض مت ! تترك الحمار لحاله .


ضحك الرجل وكأن هذه الجملة كانت المفعول السحري لقبول إجراء الفحص .


أصبحنا 6 داخل العيادة !!! أنا والمريض وأ م نواف وأبو خالد الدكتور ذياب وسامي وعبدالله ,الكل يشاهد هذه المسرحية .


طلبت من أم نواف أن تجلب لي كبسولة تخدير ,كان المريض يرفض فكرة التخدير وضل يردد أنه لا يملك ثمنه .


طلبت منه بلهجة لطيفة فتح فمه ,فتح فمه وحقنت البنج .


كنت أود الإلتفاف للخلف والصراخ وطرد الجميع من المكان ,لكن الموقف بحد ذاته كان ظريفاً وغريباً . لا أنكر أنني طوال الوقت كنت مبتسمة فشخصية هذا الرجل جديدة علي , كان واثق من نفسه ,معتزاً بأرائه وهو يتحدث مع أبو خالد عن الحياة خلال وقت انتظار مفعول البنج .


لم يستغرق خلع السن إلا ثانتين , تفاجأ الرجل وهو ينظر نحو سنه الملقى أمامه على الصينية وطلب مني أن يأخذه .


سأله أبو خالد : ليش بدك السن .


الرجل : هذا قطعة من ما بتركه وراي.


لففت السن بورقة وناولته إياها .


توجه الرجل نحو ربطة الخبز وحملها وقال : ما معي فلوس أدفعلك ,خليت مرتي تخبز هدول الخبزات تاخديهم بدل الفلوس ؟



يتبع










Areej Toyllywood

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Areej Toyllywood

تدوينات ذات صلة