في عام 2005 توجهت للاردن من الامارات للعمل كطبيبة اسنان في أحد المناطق الأقل حظاً (ضليل) كانت نقلة غريبة في حياتي ، هنا مذكراتي وتجربتي وأنا في عشريناتي
دخلت أم نوفل لتخبر أسماء أن الدكتور سامي أنهى تشخيص المريضات وأنها قامت بمساعدته بالترجمة بدلاً عنها , حتى أم نوفل تجيد اللغة البنغالية !! الكل هنا يجيد هذه اللغة .
أسماء : دكتورة ما قولتيلي شو المصيبة !!
شعرت أنني أورط نفسي في كل مرة استخدام فيها" الكوميديا" في اسلوب الحوار !! وحان الوقت لايجاد إجابة مقنعة من بعد التفوه بكلمة مصيبة !!
غيرت الموضوع بسؤال آخر : طيب هل هذا الشاب البنغالي عادي عنده لو كبرت بالعمر وصرتِ ١٨ .
أسماء: ولا يفرق معو ،المهم أنا وياه سوا حتى لو أنا أكبر ، هو حد فهمان مو مثل يلي عنا .
أنا : ليش بتحكي هيك؟
أسماء وبكل حماس : يعني ما في حماة تتحكم في ابنها ، اهله في بنغلاديش ، تخيلي زارع شجرة ورد في داره عشان كل مرة يقدر يقطف وردة إلي ويهديني إياها ! يضل يسقيها كل يوم ، في واحد من شبابنا بيعمل عشان حبيبته هيك !
هززت كتفي ولم أرد ، فاليوم من كمية المشاهد والحوارات التي تلقاها دماغي لم يعد لدي القدرة على خوض حوار عميق .
تكثر في منطقة الضليل العمالة البنغالية ،الهندية ،والسيلانكية ، حيث يعمل أكثرهم في مصانع النسيج الأجنبية هناك ويقيمون أيضاً بأعداد كبيرة وهناك حالات زواج بين أردنيات أيضاً
خرجت مجموعة الفتيات من غرفة الكشف والفتاة التي كانت في حالة الاغماء متكئة على الأكتاف وحجابها في حاله فوضى وكحلتها ساحلة على وجهها ، ساعدتها الفتيات للجلوس على الكنبة الجانبية لتأتي أسماء مسرعة وتمسح على رأس الفتاة بحنية و أم نوفل تمسح بطرف حجابها وجه الفتاة .
وقف الدكتور سامي عند الباب وبوجهه البارد المتهكّم قال : بكفي تمثيل !
فتحت عيني وحركت رأسي مستنكرة ومتعجبة لما قاله !
التفتت أسماء نحو دكتور سامي وبصوت عالي : دكتور هي قلبها تعبان إنت مو فاهم هي بشو تحس .
رد الدكتور سامي عليها بلهجة متهكمة: الله يشفيها .
ظهر الدكتور عبدالله من داخل الغرفة ضاحكاً على تعليق الدكتور سامي .
وقفت مكاني وأنا في حيرة لهذا الحوار الغريب.
خرجت الفتيات من المركز وخلفهم أسماء وأم نوفل .
اتجهت نحو غرفة الأطباء حيث جلس الدكتور سامي يتمتم بعصبية مع الدكتور عبدالله الذي جلس يكمل لعبة الورق على جهاز الحاسوب وهو يضحك وأبو خالد يبحث عن شيء ما داخل الدرج .
أنا : هي مالها جد قلبها تعبان؟
وهنا كأني ألقيت نكتة ، ضحك الجميع بقوة .
الدكتور عبدالله : دكتورة جد ما فهمتي شو يعني قلبها تعبان؟
أبو خالد واضعاً يديه على قلبه: يعني بتحب !
لم أكد أعيش لحظة الاجابة الغريبة حتى أكمل الدكتور عبدالله كلامه قائلاً: دكتورة هين نص تعب البنات الحب بكون صاحبها قرر يفركش أو ما رد على 20 مس كول منها ، أو البنغالي حبيبها كنسله المصنع وسفروه، فبترو ح الا هو مغمي عليها وبتلاقي يومياً بنات داخلين علينا مغمي عليهن من هالسبب ونصه اغماءات كذابية .
لم أعرف هل اشفق على هؤلاء الفتيات أم أغضب علي برود المشاعر الذي رأيته من قبل الأطباء!
حزنت على هؤلاء الفتيات وعلى تعب قلب على تعلق وهمي .
أخرج أبو خالد شيئاً من الدرج وقال : أنا رايح لمصنع ـ"المرسيل" وقف الدكتور عبدالله واخبره أن يأخذه معه وأيضاً الدكتور أحمد طلب نفس الطلب وفهمت أن لديهم كشف يومي للعمال هناك .
نظر نحوي ابو خالد وقال : "دكتورة العيادة في عهدتك اذا حدا جا دبري حالك " ضحك الجميع من خلف .
ارتعبت فكيف يتركني الجميع لوحدي هنا !
أكمل ابو خالد كلامه بشكل جدي : جوا في إبر دبري حالك فيهم اذا حدا متوجع أعطيه الابرة الحمراء واكتبي له باندول .
للحظة كدت أصدق أبو خالد لولا ضحكات الدكتور عبدالله من خلفه وابتسامه الدكتور سامي وأسنان أبو خالد الفُرق الضاحكة.
مسك الدكتور عبدالله دفتر كان على المكتب وأشار على رقم واخبرني لو جاءت أي حالة طواريء علي أن اتصل به.
خرج الجميع وأصبح المكان هاديء جداً. إلا من صوت الماعز من الجيران .
بدأت أتجول في المكان ، غرفة الأطباء تحوي فقط مكتب وكنب جلدي ،لفت نظري سواد الحائط فيها من فوق ! يفصلها عن غرفة الكشف باب صغير ،غرفة الكشف صغيرة لكن تحوي سريرين و عدة الكشف ومكتب
ويفصلها عن الاستقبال باب آخر ، في قاعة الاستقبال طاولة بار كبيرة ، شعرت انه لا يوجد أي داعي لوجودها فلا يوجد هنا موظف استقبال رسمي فأم نوفل تؤدي الغرض ، دخلت من خلف الطاولة نحو خزانة زجاجية كبيرة تحوي ملفات وكُتب، فتحت أحد الأبواب ولاحظت أن كل شيء يبدو نظيفاً لا يمكن أن تجد ذرة غبار حتى هنا! من الواضح أم أم نوفل متفرغة للتنظيف جيداً فمنذ قدومي صباحاً كلما التفت أجدها تحمل المكنسة أو المنفضة . تذكرت أنني لم انتبه لاختفاء الدكتور خلف الفجائي خلال ميمعة حالة الاغماء.
دخلت نحو عيادتي ، لم أشعر بعد بأنني منتمية لها بعد ،اعتقد احتاج الى وقت !
سمعت صوت الباب الخارجي يفتح ،طليت لأجد امرأتين احدهما تحمل رضيعاً نائماً والأخرى تبدو في الستين تلف يدها بخرقة.
المرأة : وين الدكتور عبدالله؟
أنا : في المصنع
المرأة : أي ساعة بيجي ؟
أنا : اذا في شي طاريء ممكن أتصل عليه.
المرأة وهي مبتسمة : انت الدكتورة الجديدة صح؟ خبرتنا عنك أم نوفل .
أنا : نعم أن الدكتورة الجديدة (من الواضح أن أم نوفل تؤدي دورها جيداً في نقل الأخبار .
بدون أي مقدمات وضعت المرأة طفلها النائم على طرف الكنبة وسحبت يد المرأة الملفوفة وبدأت بفك اللفة وهي تقول : شوفي دكتورة الموضوع بسيط ، أرنب عضها اليوم .
أنا : مين عضها ؟
المرأة : أرنب
وكشفت عن يد والدتها لأرى لأثر عضة صغير جداً لسنين .
رفعت عيني نحو المرأة ولم أجد ما أقول .
المرأة : أعطيها ابرة كزاز .
أنا: مين يلي يعطيها ؟
المرأة بلهجة ساخره : إنتِ!
ساد صمت في المكان
تركتني المرأة مشت نحو غرفة الكشف بثقة وسمعت صوت طقطقة الأدوات ونادت على المرأة الثانية : تعالي أمي بعقمها وبلفها .
تحركت الأم نحو الغرفة، بدوت كأني غير مرئية بالنسبة لهم !! جلست المرأة الكبيرة على طرف السرير بينما كانت تبحث الأخرى بين الأدوات الطبية .
وقفت مكاني متسمرة لا أدري ماذا أقول فقد كانت المرأة تتجول وتتحرك في غرفة الكشف كأنها صاحبة المكان ، التقطت قطن و علبة المعقم وبينما كانت تبلل القطنة نظرت بطرف عينيها بنظرة ساخرة نحوي قائلة : دكتورة خايفة تعطي إبرة ، مو مشكلة لساتك ضيفة جديدة ، اسمعي أنا بعرف اعطي إبر داقة نص نسوان المنطقة ، قوليلي وين ابرة الكزاز وأنا اعطيها لأمي .
كان المشهد يتحرك بسرعة أمامي ، ثقة المرأة تساوي ثقة طبيب جراح أمامي !!
أنا : معلش أختي ما بصير تدخلي الغرفه وتستخدمي الأدوات استني الدكتور وبلاش المدير يزعل.
ضحكت المرأة بينما تمسح يد والدتها بالمعقم : مين بده يزعل ؟ ابو خالد ؟ بمون علي أبو خالد صاحب زوجي وياما تغدنا عنا .
لم استوعب ما علاقة تناول الغذاء بإبرة القزاز !!
سمعت صوت الباب الخارجي يفتح ، رأيت أم نوفل تدخل ، الفرج جاء وقد تنقذني من هذا المشهد السيريالي المريب .
هللت أم نوفل بالمرأتين وعندما عرفت سبب الزيارة بدأت بالفور البحث عن إبرة الكزاز !!
كانت أم نوفل تفتح الأجرار واحداً تلو الآخر بحثاً عن الإبر بينما تساعدها المرأة الأخرى أيضاً ، فجأة توقفت أم نوفل عن البحث وكأنها وجدت شيئاً ، رأيتها تسحب يد المرأة الأخرى وتفتح يدها لتظهر آثار لحناء ، رفعت
أم نوفل رأسها نحو المرأة التي عرفت أن اسمها صفية وقالت لها بلهجة أشبه بلهجة المحققين :"" صفية ، إنت كاينة امبارح بحنة زبيدة ؟
تغير لون وجه صفية : اه عزمتني.
أم نوفل : تخيلي ما عزمتني ولا عزمت بناتي !
صفية : معقولة! طيب ليش ؟
تدخلت الأم في الحوار: يمكن زعلانة ليش نسيتي تعزميها في عرس بنتك مريم .
أم نوفل : والله عزمتها .
صفية : يمكن نسيتك .
أم نوفل بعنف : لا ما نسيت ، هي خايفة من عين بنتي أسماء عشان العريس كان جايها أصلاـً.
عدلت الأم جلستها ، فعلى ما يبدو أن هناك قصة مهمة لسماعها وأغلقت صفية جرار كانت تبحث فيه ،حتى أنا وضعت يدي في جيب البالطو لأركز أكثر مع القصة.
قالت صفية : قولي والله أم نوفل نفس العريس !!.
وضعت أم نوفل يدها على خصرها وتنهدت :والله ، بنتي الحمارة رفضته .
الأم : ولا تز عيلي بيجيها أحسن ، العريس مو حلو ، ناسيه هو من دار مين ؟
إم نوفل : ابن حفيظة عرفتيها ؟
هزت الأم برأسها بالإيجاب .
صفية : أصلاً أسماء أحلى من زبيدة.
امسكت أم نوفل يد صفية وقالت : بس والله الحنة طالعة حلوة .
استمر الحوار عن حنة زبيدة مطولاً بينما هناك امرأة احتمالية موتها بتلوث من عضة أرنب كبيرة.
فجأة تذكرت أم نوفل أن إبرة الكزاز موجودة في الثلاجة ،عدلت أم نوفل شالها ومشت بثقة نحو عيادة الأسنان حيث توجد الثلاجة الوحيدة في المركز .
كان المشهد الهزلي يمتد أكثر وأكثر نحو التمادي ، كنت أود الصراخ في الجميع وإيقاف هذه المهزلة لكن ثقة هؤلاء الثلاثة منعتني .
جاءت أم نوفل تحمل أنبوبة ووضعتها أمام وجهي : دكتورة بالله شوفيلي هذي هي إبرة الكزاز؟
تناولتها وقرأت ما مكتوب عليها (كانت إنبوبة فولترين) المسكن وأكملت : هذه مو أبرة هذي انبوبة .
لم تكترث أم نوفل بالمعلومة الأخيرة وكان من الواضح أنها اصيبت بالخيبة لأنها لم تجد الإبرة،
هنا قررت إيقاف هذه الجريمة وقلت لأم نوفل: أم نوفل أنا رأي يا نستنا الدكتور أو نتصل فيه وعلى فكرة إبرة الكزاز مستحيل تتخزن في ثلاجة عادية وهيك تنعطى بكل سهولة لازم جدول.
توقعت أن يسود نقاش حاد بيني وبين الثلاثة لكن فوراً أخرجت أم نوفل هاتفها الصغير واتصلت على الدكتور عبدالله ، بدأت أم نوفل تحرك رأسها وكأنها تحاول استيعاب شيء خلال المكالمة.
انهت المكالمة أم نوفل وبينما تخبيء الموبايل في صدرها قالت بصوت خافت وخجول وكأنها تحاول أن تخبيء قرارها السابق الخاطيء : الدكتور عبدالله بقول احنا ما بنعطي هون إبرة كزاز لازم تتحول للمستشفى فوراً وفي برنامج لازم تمشي عليه .
دقة المرأة الأخرى على صدرها : شو مستشفى كم مرة جينا هان ودقينها هاتي أكلمه .
أم نوفل : لا خلص هلا بعصب هو قال ممنوع تنعطـى في العيادة .
شعرت بنشوة الانتصار وأنا نهاية هذا المشهد الهزلي.
نزلت الأم من على السرير وساعدتها ابنتها ، امسكت أم نوفل علبة الكحول وقالت بثقة بينما تصب الكحول على مكان العضة :" خلينا نعقمها كمان شوي عشان توصل للمستشفى نظيفة "
كانت أم نوفل تحاول جاهدة عدم فقدان سلطتها في هذه اللحظة .
خرجوا ثلاثتهم لخارج العيادة .
كنت سعيدة بخروج الجميع والتخلص منهم ،بدأت سيناريوهات مرعبة تدور في رأسي عن كمية التدخلات التي سأراها من مرضى الأسنان، فما حدث اليوم أمامي لا يمكن تقبله!!
دخلت لعيادتي وبمجرد أن جلست على الكنبة الصغيرة سمعت صوت نفس متقطع أعقبه بكاء !!
قفزت من مكان نحو الصوت لأجد الطفل الرضيع الذي جاء مع المرأة لايزال موجوداً على كنبة قاعة الاستقبال !! ياللهول نسيت أبنها !خبيرة الكزاز!!!
حملت الطفل وركضت نحو الباب وتجاوزت الباب الخارجي للمركز ،لكن لم أجد أحد !! كيف اختفين هكذا فجأة لم يتجاوز على خروجهم أكثر من دقيقة !!
كان الرضيع ثقيلاً يبدو أن عمره ٥ شهور ، كيف يمكن أن تنسى هذه المرأة طفلها!! وكيف سأترك العيادة خلفي !! مشيت نحو الممر الترابي، أكيد أنهم دخلوا الأزقة بين البيوت من المستحيل أنهم عبروا الشارع لنهايته أو قد يكونوا قد دخلوا أحد البيوت القديمة التي تقابل العيادة . ، وقف مكاني في حيرة لا أعرف كيف أتصرف بينما أحمل الرضيع بين يدي .
يتبع
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات