كنت أراقب تحركات دكتور سامي الغريبة في العيادة , لم أستوعب هل هو كائن فضولي أم غريب الاطوار أم ماذا؟
كان يقترب مني ويقف بشكل ثابت ثم يسأل : شو جابك على ضليل ؟؟
ليخرج من العيادة وثم يعاود الدخول عليها ليقاطع (أم نوفل) وهي تشرح لي أماكن الادوات ليسأل مرة أخرى : يعني إنت مقتنعة بشرح أم نوفل شو فهمها !! هاي آذنه !
كنت أمتعض في كل مرة يلقي فيها جمل تنمر وفوقيه على أم نوقل قد تكون أم نوفل لا تعلم أسماء تلك الأدوات لكن كان حماسها في فتح الأدراج لتريني أماكنها كفيل بجعلي أتقبل كل ما تشرحه حتى لو كان على خطأ .
حاولت تطنيش تدخلات الدكتور سامي ونقده إلى أن وقف امامي مرة أخرى بثبات ليسألني سؤال كان أشبه بالقنبلة : دكتورة عندكم في العيلة ناس شقر ؟؟
أنا : كيف يعني شقر ؟
الدكتور سامي : يعني عيون ملونة وشعر أشقر مثلي .. ورفع أصبعه نحوه عينيه الخضراء بينما ينظر نحوي بحدة كأنني متهمة في تحقيق !
أنا : يعني عنا ! بس شو الهدف من السؤال .
للحظة استغربت من نفسي لماذا قد أجيب على هكذا سؤال غريب .
سمعت صوت أم نوفل وهي تضحك من خلفي ولازلت سارحة من هول السؤال لتكمل أم نوفل : دكتور سامي بحب الشقر وعنده شرط عروسته تكون شقره.
أنا : طيب وأنا شو دخلني بدك يعني أدورلك على عروس من عيلتي ؟
الدكتور سامي : لأ بس كنت بفكر .
أنا : تفكر بشو ؟
ضحكت أم نوفل مرة أخرى وكأنها قد استوعبت شيئاً.
الدكتور سامي : إنت أصغر مني بسنة .
أنا : كيف عرفت عمري ؟
الدكتور سامي : شفت صورة جواز سفرك في ملفك !
تذكرت أنني تركت صورة من جواز سفري وصورة من شهادة الجامعة صباحًاً بالرغم أنني لم أوقع عقد ثابت بعد .بعدها انتبهت لفضول الدكتور سامي ! ماهذا الفضول الغير مفهوم !!
أنا : طيب وشو اكتشفت كمان .
الدكتور سامي : ولا شي بس هيك !!قلت أحكيلك أن أنت أكبر مني بسنة .
والتفت الدكتور نحو الخلف وجلس على أحد الكراسي وأخذ يعبث في حقيبتي ويحاول فتحها , تلك الحركة جعلتني في حالة توتر فنحن الفتيات لا نتقبل أن يقوم أحدهم بالعبث بحقيبتنا حتى من أقرب الصديقات فكيف لرجل !
هنا توترت وشعرت أنني أمام طفل صغير فوضي يعبث في المكان توجهت نحوه وحاولت سحب الحقيبة منه وقلت له بغضب : مو عيب شب يفتح شنطة بنت ؟ في شيء اسمه ذوق .
الدكتور سامي : أنا بحب أفتح شنط البنات واتفرج ,أنتو شو بتحطوا فيها ؟؟ نفسي أعرف؟ وأكمل البحث داخل الحقيبة .
أم نوفل : لا يا دكتور والله عيب هيك زعلت الدكتورة .
أنا : شنطة البنت شيء خاص وفيه أشياء عيب تشوفها .
الدكتور سامي: زي شو ؟؟
أم نوفل : يعني مثلا تسرق فلوسها .
نظرت نحو أم نوفل وقلت : ياريت يسرق فلوس بس الشنطة مكان حساس للبنت .
برود الدكتور سامي كان مستفزاً, في العادة لا استفز بسرعة لكن خجلي من أن يكشف بعض محتويات حقيبتي الخاصة جعلني أثور أمامه . في نفس الوقت هناك شيء بداخلي يجعلني أن لا أطرد الدكتور خارج العيادة فتصرفاته المثيرة للجدل جعلت فضولي يرغب ببقائه لأفهم أسبابها , في تلك اللحظة شعرت كأنني طفلة تتشاجر مع أخيها وأم نوفل الأم التي تفك بيننا .
مع ذلك أكمل الدكتور سامي البحث بداخل الحقيبة !!
تقدمت نحوه أم نوفل وأخذت الحقيبة منه وهي تقول : خلص دكتور الدكتورة زعلت , لسه هي أول يوم لا تضيقها .
في تلك اللحظة كان الدكتور سامي قد التقط زجاجة عطر من حقيبتي وبدأ يرش المكان , نظرت نحو أم نوفل التي كانت تحاول تلطيف الجو وبدأت تضحك ضحكات خفيفة وهي تنظر نحوي .
سمعنا الباب الخارجي للعيادة يفتح لتطل أم نوفل لتخبر الدكتور سامي أنه أحد مرضاه . ليترك الدكتور سامي العيادة ويخرج .
أنا : شو مشكلته الدكترو سامي .
أم نوفل : ولا شيء هو بس شوي فضولي وبدور على عروس .
أنا : وياترى أنا العروس المنتظرة مثلا !! شخص تافه .
خرجت أم نوفل وهي تضحك ووقفت عند الباب لتسألني إذا كنت احتاج فنجان قهوة فأخبرتها أنه أكثر وقت أحتاج فيه للقهوة .
بدأت أتجول في العيادة كان هناك ثلاجة صغيرة في الزاوية أخبرتني ام نوفل أنها لحفظ بعض مواد الأسنان لكن لا تعلم ما هي المواد .توجهت نحوها وفتحتها لأشاهد في باب الثلاجة كبسولات التخدير ومواد مستلزمات علاجية وفي الرف الأول علب لبنه وجبنة وزجاجة عسل والرف السفلي كيس خبز قديم وكيس زعتر وصحن صغير فيه زيت زيتون , وصحن فول وحمص من فطور الصباح وبعض الطماطم والخيار في الدرج السفلي !!
ابتسمت وأنا أرى التناقض والفوضى في الثلاجة ولم أحاول الطلب من أم نوفل أن تقوم بتفريغ الثلاجة من الأطعمة وتركها لمواد الأسنان ,لم أشأ اعطاء الاوامر من أول يوم .
انتبهت أنني لم أجلس على مكتبي بعد ! توجهت خلف المكتب وجلست ,لم يكن شعورا جيداً فلم تكن أحد أحلامي الجلوس خلف مكتب لطالما ارتبط لدي الجلوس خلف مكتب بالسلطة الكسولة والنفوذ الغير محله !
كانت هناك رزنامة توقفت عند تاريخ في شهر يوليو يبدو أن أخر طبيب عمل هنا كان في شهر 7 .
أخرجت البالطو الأبيض الخاص بي من الكيس وعلقته وتأكدت من توفر القناع الطبي والقفازات الطبية تأهباً لقدوم أي مريض , رتبت مواد الفحص على صينية الكشف , كانت رائحة العيادة لطيفة وغير مريبة بعد أن رشت أم نوفل معطر بالفانيلا ,دائماً كنت احب رش عيادة الأسنان الخاص بي في الجامعة بمعطرات لطيفة لتبعد الرائحة الطبية التي تسبب توتر للبعض .
فجأة سمعت صوت الباب الخارجي للمركز يفتح مرة أخرى ,لم أطل , لكن سمعت صوت خطوات أحدهم وسعال لأتبين أنه الدكتور عبدالله قد جاء من مناوبته من أحد المصانع ,كنت أتسال ما قصة المصانع ؟
سمعت فجاة صوت أغنية لفيروز يبدو أن الدكتور عبدالله قام بتشغيلها , وفاحت رائحة القهوة في المكان وبدأ توتري يخفت .
مشيت نحو باب عيادتي ونظرت نحو الخارج , كل شيء يبدو هادئاً , خرجت أن نوفل من المطبخ تحمل صينية القهوة وعليها 3 فناجين وسلمتني فنجاني ,واتجهت نحو أحد الغرف التي كان صوت فيروز يخرج منها .
ارتشفت أول رشفة من القهوة ,كان الطعم رديء جدا ً, تسائلت لو تذوقت أمي هذه القهوة فماذا سيكون ردت لتي لفعلها فقد كان ذوقها رفيع في اختيار القهوة التركية ولم أكن مغرمة بالقهوة التركية لكن أحب جلساتها وأستمتع بها عندما يقوم أحدهم بصنعها لي , كنت أفضل القهوة الفورية التي لم أحسب حساب عدم توفرها في العيادة .
مشيت نحو الغرفة التي دخلت نحوها أ"م نوفل لأشاهد الدكتور عبدالله يجلس يدخن ويلعب الورق على شاشة الكمبيوتر ( دهشت ,فكيف لطبيب أن يدخن في داخل مركز طبي !!) , على ما يبدو انها غفة لاستراحة الأطباء رحب بي الدكتور عندما شاهدني وطلب مني الجلوس .
الدكتور عبدالله : كيف أول يوم إجاك مرضى .
أنا : لا والله لسه تتوقع أي ساعة تكثر الزيارات .
الدكتور عبدالله : بالعادة مو الصبح بكير يعني ما حدا بحب يبلش يومه بالإسنان (ضحكك).
أنا : ممكن , إلا لو في حالة ما نام الليل من الوجع .
الدكتور عبدالله : يمكن يجيكي كمان شوي مرضى من المصانع .
أنا : شو قصة المصانع ؟؟
نظر نحوي الدكتور عبدالله باستغرب : ما حكولك عن موضوع المصانع !!
أنا : لأ
سحب الدكتور من سجارته سحبه طويل ومن ثم أكمل : المصانع فيها عمال وموظفين ومدراء تأمينهم بيغطي العلاج في عيادتنا حتى الأسنان يعني بيدفعوا مبالغ كاش بسيطة والباقي من التأمين .
أنا : اه يعني على الأقل الزبائن مضمونين .
الدكتور عبدالله : اه مضمونين , وأكمل قائلاً : طيب أبو خالد ما خبرك أن اذا لازم تروحي للمصانع زيارات كشفية ؟
شعرت بالخوف عندما ذكر لي موضوع الزيارات ,لاأعلم لماذا ,بمجرد أن ورد أمامي كلمة(المصانع) توترت ! أحيانا تشعر بالتوتر فقط لأن تجهل المعلومة .
أنا : لأ ما خبرني !كيف يعيني أروح زيارات كشفية ؟
شعر الدكتور عبدالله بالارتباك عندما شاهد ارتباكي أيضا واخبرني أنه سيكلم أبو خالد ليشرح لي الموضوع فهو ليس متأكداً تماما ً إن سيتم تكليفي بهذه المهمة .
نظر الدكتور عبدالله من الشباك نحو الخارج : شكله إجاكي أول مريض (وضحك ) ثم أكمل : واحد جاي ورابط راسه شكله مريض أسنان.
دق قلبي بسرعة !
سمعت صوت باب المركز يفتح وصوت ضجة عالية .
بقيت جالسة مكاني لأرى رجل ضخم وذو شنب سميك بصحبته شاب أيضا دخلوا للغرفة بسرعة وخلفه مجموعة من الرجال من الجنسية الأسيويه أحدهم قد ربط رأسه بخرقة ويبدو عليه الإرهاق .
سلموا على الدكتور عبدالله بحماس ويبدو انه لم ينتبه أحدهم لوجودي . قال أحدهم : هذا المسكين من امبارح ما نام من وجع ضرسه .
أشار نحوي الدكتور عبدالله وهو يبتسم : الدكتورة أريج هي صاحبه الشأن دكتورة الأسنان الجديدة .
نظر جميع الحضور نحوي بينما كنت أقف وتظاهرت أنني متحمسة بينما كنت أشعر بالرعب لاستقبال أول مريض .
صاح الرجل ذو الشنب الغليظ : أوه يا حظنا أخيرا دكتورة , اهلا ًوسهلا ً.
رديت السلام وطلبت من الجميع أن نتوجه نحو عيادة الأسنان وبينما نحن في الطريق سألني ذلك الرجل العديد من اللأأسئلة الفضولية : كيف أتيت إلى ضليل ؟ أين أقيم ؟ أين درست طب الأسنان ؟
بينما كان المريض يجلس على الكرسي سمعت نفس الرجل يقول لي : معلش دكتورة تحملي ريحنه ! نظرت بطرف عيني نحوه ,لم تعجبني أبدا تلك الجملة , لطالما كرهت من يعطي ملاحظه على رائحة مكان أو أشخاص وكنت أعتبر أن ذلك قلة ذوق .
جلس المريض على الكرسي كان من الجنسية الأسيوية ويبدو أن الألم أرهقه جدا ً فقد بدى عليه النحول والتعب الشديد ,طلبت منه أن ينزع الخرقة من حول رأسه , حاولت تهدئته كان الجميع ملتفين حولي, الشخص ذو الشنب الغليظ وصديقه واثنان من العمال الأسيويين والدكتور عبدالله وجاءت أم نوفل لتساعدني . وبينما كنت ألبس الماسك نظرت نحو الدكتور عبدالله الذي التفت نحو الرجل وسأله عن بقية العمال فأخبره أنهم يعانون من إرتفاع الحرارة فأشار الدكتور عبدالله أن يخرجوا ليفحصهم . وبينما هم يتوجهون للخارج أطل ذو الشنب الغليظ ليخبرني أن طبيب أسنان في المدينة عاينه قبل أسبوع واعطاه دواء التهاب قبل خلع سنه .
كان المريض يعاني من التهاب حاد وشديد فعلاً في أحد أضراسه ,كان الضرس لايزال يحتفظ بشكله لكن يحتاج لعلاج عصب وليس لخلع لكن على ما يبدو لايزال البعض يعتقد أن الحل الأمثل للألم هو الخلع !
بدأت بإعطاء البنج للمريض وكان كل مرة يشير بيده حركة الخلع (أي أنه يطلب مني أن أخلعه).
أشرت له أنني لن أخلعه .
دخل الرجل ذو الشنب ووقف خلفي وبدأ يتحدث باللغة البنغالية مع المريض والآخر يجيبه بصعوبة ,ليوجه الرجل كلامه نحوي ويقول : دكتورة بيقول إنك ما بدك تخلعي الضرس ؟؟ ليش ؟؟
أنا : لأن مو محتاج , علاج العصب كفيل يرجع الأمور تمام .
الرجل وو يلوح بيده : أي عصب يا دكتورة هذا شكل واحد يعمل عصب إخلعيه وخلصيه مو فاضيين نطلعه من الشغل كل مرة لجلسات عصب .
أنا : هذا ضرس يعني خلعه حيكلفه الكثير صحياً مستقبلا ولسه سنه صغير ليش أخلعه؟ محتاج جلستين عصب وبيرتاح وبيحافظ على السن.
لم يعجب الرجل بكلامي وقام بالترجمة للمريض الذي بدور ه بدأ يشير بيده أنه يريد الخلع !!
حركت رأسي أنني لن أقوم بخلعه وطلبت من الرجل أن يترجم كلامي بحذفيره للمريض ويقول ل أنني أستطيع الحفاظ على السن وسيختفي اللألم .
بعد الترجمة شعرت أن المريض تقبل كلامي واسترخى على الكرسي , لكن الرجل ذو الشنب لم يعجبه كلامي وخرج لينادي الدكتور عبدالله وهو يتمتم أنه غير مستعد لغيابات كثيرة من عمال مصنعه !1
يتبع
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات