تتبدّى في مشروع الناقد عبدالقادر الرّبّاعي النّقدي سيماء النّاقد الرّائي ذي المشروع المُكتمل،

تتبدّى في مشروع الناقد عبدالقادر الرّبّاعي النّقدي سيماء النّاقد الرّائي ذي المشروع المُكتمل، فهو كالفلاسفة المشّائين، ما ينفكّ يكشف لقرّائه عن مباهج النّصوص أو مباهج النّقد!

وتأسيسًا على ذلك قدّم الرّبّاعي عبر أربعين عامًا أو تزيد قراءات جادة وجديدة تسمح بتحرّي بنى النّصوص الإبداعية بكليّة أبعادها: الحضاريّة والفكريّة والأيديولوجيّة والنّصيّة، وهي في كل هذا أو ذاك تندرج في إطار الدراسات الحداثيّة والدراسات الثقافيّة Cultural Studies ، التي تبرهن أنّ النّصوص بوصفها بنى وأحداثًا في الآن عينه ما زالت قابلة للتأويل والتأويل المضاعف.

وتكشف دراسات الناقد الرّبّاعي عن وعي عميق بلزوب الإفادة من المناهج الحداثية كالتأويليّة والأسلوبيّة والنقد الثقافيّ في إنجاز قراءة نقديّة مكتملة، تفيد من المنجز الحضاري الذي انتهت إليه حضارة الآخر، دون الوقوع في دائرة سحره أو إساره وفتنته.

ويُبرِز الحرص على ترجمة الدّراسات المكتوبة عن الأدب العربيّ باللغة الإنجليزية وعي الرّبّاعي بضرورة الكشف عن حضور الأدب العربي وفاعليته عالميًّا، وليس على أدل على ذلك من ترجماته الرّصينة لمقالات كثيرة كتبتها المستشرقة الألمانية ريناتا ياكوبي Renate Jacobi أستاذة الأدب القديم ومديرة معهد الدّراسات السّاميّة والشّرقيّة في جامعة برلين، ومناقشته العلمية لما ورد في هذه المقالات من أفكار ومقولات نقديّة جلعها الرّبّاعي باقتدار ووعي واضحيْن مدار مباحثة ودراسة.

ولعل لا ندحة من القول: إنه إذا كانت أسماء الكثير من النّقّاد لا تغدو معروفة لدى جمهور القرّاء والمثقّفين إلا بعد مراكمتهم لعددٍ كبيرٍ من القراءات الجادة والدّراسات الرصينة فإن في حالة الناقد الرّبّاعي خروجًا لافتا على هذا القول القار، ذلك أنّه صنع لنفسه اسما نقديًّا لامعًا، بزغ دون مقدمات منذ صدور كتابه الشهير "الصُّورة الفنيّة في شعر أبي تمام، 1980م"، ومنذئذٍ أكّد الرّبّاعي، الذي صار فيما بعد أستاذ النقد والنظرية في جامعة اليرموك جدارته النّقديّة عبر سلسلة من القراءات الجادة في الشعر العربي، وكذلك في تحقيق التراث العربيّ، فضلا عن مدارسات نظريّة وإجرائيّة في ما قدّمه المستشرقون في نقد الأدب العربي، إذ ما يكون على الدّوام أحد أبرز الأسماء التي يقترن ذكرها بهذه المسائل.

يمثل الرباعي نموذج الناقد الرائي في وجوه متعددة ، أولها أنه كان دومًا مستشرفًا، ذا رؤية نقدية ، تتمثل هذه الرؤية في انتخابه موضوعات منتجة فضاء لعمله النقدي في مرحلة مبكرة من حياته ، من مثل، شعر زهير بن أبي سلمى، ورمزية الطير، والصورة الفنية، والنقد الثقافي، وشعر أبي تمام، ومفارقات عرار، وشعريّة صريع الغواني, إلى غير ذلك من الموضوعات الرائدة والمهمة.

وثانيها، حين تصدى عبر كتاباته النظرية والإجراىية أولا، وعبر رسائل تلاميذه الجامعيّة وبحوثهم، لتلقي تيارات النقد الأدبي الحديث ، ومحاولة توطينها في النقد العربي الحديث.

وثالثها أن الرؤية التي يحملها العمل الأدبيّ بين تضاعيفه ، مثلت أحد الاثافي الثلاث التي ينقام بها أود مشىروعه النقديّ، وهي: "الرؤية والإنسان والجمال".

وفي نتاجه النقدي الوارف الظلال تتبدى معالم المشروع النقدي المكتمل فقد انشغل الرباعي بالنقد الأدبي، والتحقيق التراثيّ، والدراسات الاستشراقية ، والنقد الأدبيّ الحديث، والشعر العربيّ طريفه وتليده، بصورة جعلت من مشروعه النقدي مدرسة أطلق عليها أحد أبرز تلاميذه ، وهو الراحل يوسف عليمات "الرباعية الجديدة".

وعليه فقد استطاع الرّبّاعي بوصفه ناقدًا مجددًا ومختلفًا في الآن عينه؛ أن يمثل علامة فارقة في خارطة النقد الأدبيّ في الأردنّ والعالم العربيّ، تنظيرًا وتطبيقيًا وترجمةً؛ ممّا أسهم في تبلور مشروعه النّقديّ الخاصّ، بصورة تحوّل خلالها مشروعه إلى مدرسة نقديّة، تحلّقتْ حولها زمرٌ من الباحثين المنبهرين بها، والمنتقدين لها، والساطين عليها، ولذا فلا مراء في القول: إنّ الرّبّاعي قد غدا أقرب ما يكون إلى ظاهرة تتحلّق حولها أسراب من الباحثين، تقبس منها، وتسير بفضل الصوى المعرفيّة التي وضعها للسالكين في دروب المعرفة الشائكة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عامر أبومحارب

تدوينات ذات صلة