صحيح أن الفرقة والفساد الأخلاقي أول مؤشر لسقوط الأمم والحضارات.غير أن هذين الأمرين من سنن الله، وليست خاصة فقط بأمة الإسلام،
هل تقاس الحضارات بالمنجزات المادية والاختراعات؟
قالت لي إحداهن في معرض تعقيبها على موضوع الفرقة والاختلاف، أن هذه الأخيرة سبب كل بلاء، وأنها سبب تخلف العرب والمسلمين وقالت بالحرف:
«الفرقة هي ما جعل أمتنا متخلفة حتى في وقت عزها لم تصل إلى اختراعات وتقدم كبيرين مقارنة بالمدة الزمنية التي ازدهرت فيها الحضارة الإسلامية بسبب انشغالهم بالفلسفة».
وكان هذا تعقيبي:
صحيح أن الفرقة والفساد الأخلاقي أول مؤشر لسقوط الأمم والحضارات.غير أن هذين الأمرين من سنن الله، وليست خاصة فقط بأمة الإسلام،
والسنن لا تحابي أحدا، وسيرورة الحضارة تمر عبر مراحل ثلاث لا رابع لها ألا وهي (نشوء فازدهار فسقوط)
ولا تسلم حضارة ولا أمة من الأمم من هذا، ولا أي شيء أرضي مخلوق، فهذه سنة الله في خلقه، فكل شيء على هذه البسيطة يأفل ويموت ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
أما عن كون حضارتنا لم تحز تقدما علميا كما نراه اليوم في الحضارة الغربية، فأقول أن تقدم الحضارات لا يقاس بهذه الطريقة.
وأمة الإسلام قدمت الكثير الذي نجهله والذي استفاد منه الغرب وإن لم يعترفوا بذلك وقاموا بتغييبه.والإنسانية مرت بمراحل، كل ما تأتي أمة تترك ميراثا للأمة التي تليها تبتدئ منه وتبني عليه،
فكما أن أمة الإسلام أخذت من الأولين، فإن الغرب أخذوا هم أيضا عن الإسلام وبنوا على أسس نظرها مسلمون وسطروا لها.
ولعل مكتبات الغرب تعج بكتب إسلامية لم نسمع بها للأسف،
وما نهر دجلة الذي صار أسودا بفعل لون الحبر المنبعث من الكتب التي رماها المغول إلا شاهد على حضارة أعطت وقدمت وخدمت البشرية.
أمر آخر أود الإشارة إليه أن مقياس تقدم وتحضر الأمم لا يكون فقط بكم المنجزات المادية والمخترعات،
إنما تقاس الحضارات بالميراث الإنساني من علوم إنسانية ونفسية وآداب وتاريخ و....
إضافة أن حضارة الإسلام تفوقت على حضارة الغرب لاعتنائها بالجانب الإنساني والأخلاقي والروحاني الذي أهملته حضارة الغرب المادية وقامت بسحقه.
ومع هذا نقول أن جل المخترعات الحديثة كان مبدؤها المسلمون فما اختراع الكاميرا إلا من "القمرة", التي رسمها ابن الهيثم،
وما يساوي علم الفلك لولا الإسطرلاب، وما تساوي الجغرافيا بدون الإدريسي و....القائمة طويلة.
ضف إلى ذلك البشرية مرت ولا تزال بمراحل، فلا تسبق مرحلة أختها،
ابتدأت بمرحلة إشعال النار، ثم الزراعة فالصناعة, انتهاء إلى التكنولوجيا و العالم الرقمي.
والحق ما شهدت به الأعداء:
في وقت تكثر فيه الأقاويل المحرضة ضد هذه الحضارة ,حيث يحاول الكثير من الغرب طمس معالم الحضارة الإسلامية,
وإنكار فضل هذه الحضارة على العالم الأوروبى بصفة خاصة والعالم الإنسانى بصفة عامة ,
ولكن يأبى الله إلا أن ينصر الحق في كل زمان ومكان ,
فنجد المنصفين منهم يخرجون من بين ظهرانيهم على فترات متتالية لينصفوا هذا الدين وتلك الحضارة التي جابت ربوع الأرض من أقصاها إلى أقصاها .
يقرر المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون في كتاب حضارة العرب:
” لم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم؛ فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهما مدينان لهم في تمدنهم،
وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم؛ فهم الذين هذبوا بتأثيرهم الخلقي البرابرة الصليبيين “
ويقول توينبي في كتابه دراسة التاريخ, متحدثا عن طريقة انتقال الحضارة الإسلامية إلى أوروبا فيقول:
” وفى عالم الفكر كانت فتوحات الصليبيين الموقوتة في الشام , وفتوحاتهم الدائمة في صقلية والأندلس محطات إرسال متعددة,
أمكن عن طريقها نقل كنوز عالم الشرق المتحضر إلى العالم المسيحي الغربي, وفى مقدمة ما نقله الغرب التسامح الديني والعلوم الإنسانية التي أسرت قلوب الغربيين , ولم يستطع الغرب أن يهضم كل ما كان لدى الشرق من قيم ونظم
“ ويقول ” ريتشارد كوك” في كتابه “مدينة السلام”
“إن أوروبا لتدين بالكثير لإسبانيا العربية, فقد كانت قرطبة سراجا وهاجا للعلم والمدنية, في فترة كانت أوروبا لا تزال ترزخ تحت وطأة القذارة والبدائية, وقد هيأ الحكم الإسلامي في إسبانيا مكانة جعلها الدولة الوحيدة التي أفلتت من هصور الظلام “
ويقول ليبرى “لو لم يظهر العرب على مسرح الأحداث لتأخرت النهضة الأوروبية عدة قرون”
#شمس_الهمة
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات