المجتمعات التي تلجأ إلى لوم الضحية تعاني من تخلف إنساني، وقهر، وسلوك سلطوي ناشئ عن رغبة في التقرب للأقوى

التحرش الإلكتروني هل يبرر أيضا؟!


(متلازمة لوم الضحية، Blaming the victim):التحرش هذا الموضوع الذي يتربع على رأس هرم الترندات هذه الأيام، حرب طاحنة، ومعارك شرسة وساخنة.

لم أكن شخصيا أعتقد أن هذا الأمر يختلف حوله اثنان، أو يتناطح عليه عنزان.

لطالما اعتقدت أن التحرش خسة ونذالة، وسلوك دنيء، ولا يوجد ما يبرره.

ولطالما اعتقدت أيضا أن التبرج تحرش، لا ينبغي إنكاره.تابعت عديد المنشورات، وقرأت آلاف التعليقات، وكلما قرأت لفريق اعتقدت أن الحق معهم، فإذا قرأت لخصومهم اعتقدت أن الحق معهم وحدهم.

وصرت أتأرجح بين الفريقين مثل كرة تنس يتقاذفها لاعبان.

ثم ابتعدت عن ذلك كله، لأريح دماغي لبعض الوقت من حمى الماجريات والترندات.

وإذ منحت عقلي ودماغي بعض الفسحة والراحة بالابتعاد، زارتني خواطر تصب في ذات الموضوع، فحرمتني الراحة والهدوء مجددا، وأثارت لدي ألف سؤال وسؤال.التحرش الإلكتروني:إذا كان أنصار تبرير التحرش بلباس المرأة وتبرجها، واعتباره من أهم الأسباب، وهذا يبدو إلى الآن أمرا منطقيا بالنسبة لي شخصيا.

فلماذا إذن يوجد هنالك ما يسمى بالتحرش الإلكتروني؟ علما أن المُتَحرَشَ بهن كاتبات لا يضعن صورهن ولسن متبرجات- وهن لا يخضعن بالقول-؟

ولماذا كلما أرادت إحداهن التبليغ أوالتنبيه إلى الموضوع اتهمت في أخلاقها وحياءها، وقيل دوما أنها طريقة مكشوفة لتسول الإهتمام، وتسول المعجبين؟!

لماذا نلوم ونحاكم الضحية دوما؟!ذكرت أكثر من كاتبة أنها تتعرض للتحرش الإلكتروني والمضايقات العلنية في التعليقات، أو غير المعلنة في الخاص من قبل فئات متنوعة من المجتمع، فلا يشمل التحرش والتطفل بالرسائل والغزل، فئة الذكور من العوام فقط، لأن الجهل وانعدام الثقافة والتربية غالب على هذه الفئة.

إنما يشمل التحرش فئات مثقفة من النخب من صحفيين وكتاب وأدباء، إلى دكاترة الجامعة...وطلاب العلم الشرعي وووو.........القائمة تطول.

يترك أحدهم زوجته المدفونة في المطبخ بين غسيل وطبيخ، ويأتي لكاتبة المقالات والمدونة، فيتغزل بها في الرسائل، ويثني على كتاباتها وأدبها، وحروفها، بل قد يصل الأمر بأحدهم فيدبج قصيدة شعرية من ألف بيت لأجلها.

فهل تبرجت الحروف هنا؟

وهل تبرج المقال، ووجب عليه الحجاب الشرعي؟!في مجموعة لطلبة الشريعة، نشرت فتاة أنها تعاني وصويحباتها من التحرش الإلكتروني، والغزل والتطفل بالرسائل، عقب كل ظهور بريء لأنثى تنشر مقالا أو استفسارا أو تكتب تعليقا.

توجهت لقراءة التعليقات، فصدمت بهجومات وسخرية، واتهامات.

(كاين البلوك، تحبوا تزيدو عليها، تبحثون عن جلب الانتباه، من المؤكد أنكن تخضعن بالقول، طريقة مكشوفة لتسول الإعجاب وووو).

لا يوجد مروءة إطلاقا، ولا يوجد رجولة وغيرة على أعراض المسلمات، والأنكى أن ذلك المتحرش يقرأ التعليقات، ويشاهد ردود الفعل والتبريرات ، فيزداد وقاحة وجرأة.فتاة أخرى تنشط في مجموعة مدينتها، وهي مدينة من 40000 نسمة، لكن الناس فيها يعرفون بعضهم، لأن بينهم رحما، ونسبا.

قالت أن أي فتاة تنشر في المجموعة تتعرض للتحرش الإلكتروني، والأنكى أن المتحرش لا يعرف إن كانت صاحبة الحساب أخته أو زوجته أو ابنته(أقسم بالله)، فغالب فتيات المدينة ينشطن بحسابات وهمية لا يعلمها أفراد الأسرة من الرجال، ولا يعلم المتحرش أن التي يخاطبها قد تكون طفلة صغيرة، أو امرأة ناضجة في عمر جدته، بل تحكي قصص من الواقع عمن كان طيلة خمس سنوات يغازل حسابا فيسبوكيا اعتقد أنه لفتاة، وتفاجأ في النهاية، أنه حساب لصديقه المقرب كان يتلاعب به كل تلك المدة!!

ما يثير حنقي ليس وجود هذه الفئات في المجتمع فحسب، فكل المجتمعات فيها النبيل والخسيس، والصالح والطالح ووو.

ما يثير حنقي دوما هو متلازمة لوم الضحية، ومحاولة إخراسها كلما تكلمت أو تبرمت، أو اشتكت وانتقدت.

وليت الأمر يتوقف عند محاولة إخراسها فحسب، بل يتعداه لربط شنيع، وقناعة راسخة، وتهمة جاهزة، أن كل امرأة تتعرض للتحرش فالخلل لا محالة بها،

فهي إما فاجرة، أو لعوب، أو تخضع بالقول!!الرجل دائما قديس، طاهر وبريء ،

لا أحد يلوم أشباه الرجال، لا أحد ينتقد الرجال، لا أحد يقدم لهم الدروس، أو يعرفهم بالواجبات، لا أحد يقوم بنشر سلسلة من الفيديوهات تتناول أخطاءهم، فالواجبات للمرأة، والوعظ للمرأة، والاتهام واللوم من نصيب المرأة،

فما أتعسك وأشقاك في بلادي أيتها المرأة!!

ذلك أننا تتعودنا على هذه الديباجة، وهذا يفسر انزعاج الرجال وتململهم في حالة نقد النساء لهم.متلازمة لوم الضحية(Blaming the victim):هكذا يبرر المصاب بـ الظاهرة المسماة في علم النفس بظاهرة تقليل الاستياء (discomfort reduction) فعله المشين!

وهي ظاهرة نفسية تدفع بالأشخاص إلى إلقاء اللوم على الضحية (المجني عليه) في محاولة يائسة لإسكات صوت الضمير والهروب من الشعور بالذنب.تعبير "لوم الضحية" سنه الطبيب النفسي ويليام رايان،

في كتاب ألفه بالعنوان نفسه سنة 1971، ناقش فيه السلوك العنصري والذكوري والسلطوي والطبقي لدى بعض الأشخاص الذين يلومون ضحايا العنصرية من السود،

أو النساء اللاتي يتعرضن للتحرش والاغتصاب، أو الفئات الضعيفة كالفقراء والمستعبدين أو حتى الأطفال. وأوضح في كتابه أن المجتمعات التي تلجأ إلى لوم الضحية تعاني من تخلف إنساني، وقهر، وسلوك سلطوي ناشئ عن رغبة في التقرب للأقوى نظرا لإحساس الفرد بالضعف، أو الرغبة في التخلص من الشعور بالذنب الجمعي الذي يلحق بمجموعة بشرية يقوم أحد أفرادها بالاعتداء على مجموعة بشرية أخرى بدافع عنصري أو طائفي أو جنسي.

وعن هذا ذكر الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في كتابه(هكذا ظهر جيل صلاح الدين)، أن نفرا غير قليل من الفقهاء والمفكرين والمؤرخين- في الماضي والحاضر- استعملوا منهج المحاكمة والإدانة في معالجة الإفرازات السلبية لعدة ظواهر اجتماعية، دون أن يجرؤوا على مواجهة الحقيقة التي تقول أن آثار غياب العدل واستفحال الظلم الاجتماعي اللذين برزت مضاعفاتهما في أمثال هذه الظواهر السلبية المزمنة في المجتمعات الإسلامية هي السبب الرئيس في كل ذلك.


ختاما:

سواء كتبتِ بالبند العريض، (لا أضيف الرجال)، أو جعلت اسم حسابك (أم فلان)، أو كتبت لا أستقبل الرسائل، أو جعلت ديدنك التعامل بالبلوك، فلن يتوقف هؤلاء، للأسف حكم القوي على الضعيف، وهم يتكاثرون كل يوم كخلايا السرطان.

مما يؤكد أن هذا الأمر يحتاج وقفة جادة، وقوانين رادعة، ومعاقبة فورية.

هذه الظاهرة(متلازمة لوم الضحية) خطر على المجتمعات الإنسانية، والمشكلة الكبرى أن هذه الشخصية السلطوية التي تلوم الضحية دوما، أصبحت عنواناً للشخصية *السوية* وأن فعلها يصب في مسار الفعل السوي الدال على الرجولة، واستقامة الفطرة!!


#شمس_الهمة



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

كلام في قمة الروعة سلمت يداك🙏🏽❤️

إقرأ المزيد من تدوينات أمال جزائرية

تدوينات ذات صلة