"حيوانات التجارب في البحث العلمي التطبيقي لا بد وأن تكون صناعة وطنية "


لدراسة علم الحيوان عامة وفي البحث العلمي، وخاصة في العلوم الطبية أهمية كبيرة. فدراسة هذا العلم سواء علي مستوي طلاب مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا بكليات العلوم يختلف عنه في كليات الطب البيطري وكليات الزراعة أو كليات الثروة السمكية. فكل كلية لها رؤية ورسالة وأهداف تختلف عن الكليات الأخرى.


فكليات الطب البيطري علي سبل المثال تهتم بدراسة الصحة والمرض للحيوان وخاصة الحيوانات الأليفة وحيوانات المزارع من اجل الحفاظ علي الصحة وعلاج المرض للحفاظ علي الحيوان وخاصة من اجل الإنتاج الحيواني. أما الثروة السمكية وهي من الكليات الحديثة فتهتم بصورة أكبر باستزراع الحيوانات القابلة للاستزراع وخاصة المائية من الأسماك والقشريات مثل الجمبري والاستاكوزة والكابوريا وغيرها .


ويسمي علم الحيوان باللاتينية Zoology وباليونانية zoon والتي تعني حيوان و Logos تعني دراسة. وهو أحد فروع علم الأحياء (البيولوجيا) الذي يدرس كافة نواحي الحياة الحيوانية. وعلم الحيوان هو علم يتناول دراسة الحيوان من حيث كل من التركيب والوظيفة وطرق التعايش وانتقال المادة الوراثية على مدى الأجيال.


وتشكل الحيوانات مجموعة أساسية من الكائنات الحية تصنف باعتبارها مملكة حيوانية مستقلة باسم مملكة الحيوانات. تتصف الحيوانات بشكل عام بأنها عديدة الخلايا قادرة على الحركة والاستجابة للمتغيرات البيئية. كما أنها تعتبر كائنات مستهلكة كونها تتغذى على الكائنات الأخرى من نباتات وحيوانات. وتوجد ثلاث مجموعات رئيسية في مملكة الحيوانات، وهي: الحيوانات العاشبة أي آكلة الأعشاب، والتي تعتمد على النبات لتغذيتها. الحيوانات آكلة اللحوم أو اللاحمة وهي التي تفترس غيرها من الحيوانات. المجموعة متعددة المآكل، التي تأكل اللحوم والنباتات. وتوجد مجموعات أصغر ضمن هذه المجموعات.

وقد بدأت دراسة علم الحيوان اول مرة في الجامعات الألمانية والبريطانية. فقد تأسس أول معهد لعلم الحيوان في بريطانيا من قبل توماس هنري هوكسلي Thomas Henry Huxley وكانت أفكاره حول مورفولوجية (الشكل الظاهري) الحيوانات. ويعد توماس من احد اشهر المختصين في التشريح المقارن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وعندما بدأ توماس بدراسة التشريح المقارن تدريجيا ادرك أنه يحتاج الى وسائل علمية أخرى لتوضيح هذا العلم.


وتطور علم الحيوان حتي اصبح في القرن العشرين يضم العديد من التخصصات المهمة مثل:


1- علم التوزيع الجغرافي للحيوانات Zoography : ويهتم بدراسة وصف الحيوان في بيئته الجغرافية.

2- علم البنيات Morphology: ويختص بدراسة الشكل والتركيب للحيوان.

3- علم الأنسجة Histology: يختص هذا العلم بدراسة التركيب الميكروسكوبية للأنسجة الحيوانية.

4- علم الخلية Cytology: يختص بدراسة التركيب والوظيفة للخلية.

5- علم الوظائف Physiology: تهدف دراسته إلى معرفة الآلية التي يقوم من خلالها الحيوان بوظائفه. علم

6- الأجنة Embryology: دراسة كيفية نمو الأجنة أو تطوّرها.

7- علم البيئة Ecology: دراسة العلاقة بين الكائنات الحية، والبيئة المحيطة بهم، ومدى تأثير كل منهما على الآخر.

8- علم التصنيف Taxonomy: يقوم بترتيب الأنواع المختلفة تحت نظام معيّن، وفق قاعدة معيّنة. ويعتمد على أساس: التطوّر والرقيّ.

9- علم الحفريات: يدرس الكائنات المنقرضة.

10- علم سلوك الحيوان Ethology: يدرس السلوكيّات الخاصة بالحيوان.

11- علم الأعصاب: يدرس التركيب العصبي، والكيميائي، والأمراض الخاصة بهما، وطرق علاجها.

12- علم الدم: يدرس وظائف الدم وأمراض الخلايا.


والهدف الأول من دراسة علم الحيوان يكمن في فهم بيولوجيا الخلايا الحية وتطورها في الكائنات وحيدة الخلية حتي الانسان علي المستوي الخلوي والجزيئي. ويساعد ذلك في فهم نشأة ووظيفة المكونات المختلفة للخلية وخاصة الكروموسومات وما بها من جينات وما تنتجه من بروتينات وذلك في ابسط صورها مرورا بأكثرها صورها تعقيدا كما هو في الانسان .


والهدف الثاني من دراسة علم الحيوان يكمن في فهم الأسباب الخلوية والجزيئية وراء حدوث الأمراض في الحيوان نفسه والتي قد تنقل نفس المرض إلي الانسان أو علي الأقل عندما تحمله كعائل وسيط . وكذلك معرفة الأسباب التي تجعل الكثير من الحيوانات مثل القرش (كلب البحر) والحوت أقل عرضة عن الإنسان في الإصابة بالفيروسات والسرطانات رغم أن جهازه المناعي أقل تطورا.


والهدف الثالث من دراسة علم الحيوان يكمن في فهم الأسباب الخلوية والجزيئية وراء حدوث الأمراض في الإنسان نفسه. وبالفعل فقد تم علي مدار العقود الماضية استخدام العديد من الحيوانات الأقل تطورا عن الانسان. فقد تم استخدام الحشرات والديدان والفئران والجرذان والهامستر والخنزير الغيني والأرانب والكلاب والقرود كنماذج معملية في دراسة الأمراض المزمنة التي تصيب الانسان مثل الفيروسات والبكتريا والسرطان وأمراض المناعة الذاتية. وفي هذه الحالة من الممكن ليس فقط دراسة تطور المرض ولكن أيضا استكشاف طرق علاجية مختلفة وهو الأمر الذي لا يمكن دراسته في الإنسان أخلاقيا من جهة. ومن جهة أخري فإن فترة طول عمر الإنسان الطويلة التي لا تمكن من متابعة المرض علي عكس الكائنات الحية التي قد تصل دورة حياتها إلي أسابيع أو شهور أو سنوات معدودة.


ومن أكثر الحيوانات المعملية الصغيرة التي تم استخدامها في الأبحاث العلمية والأكثر شيوعا هي الفئران والجرذان وذلك لسبب علمي واقتصادي ووقتي. فعلي المستوي العلمي فإن هذه الحيوانات تشترك بنسبة كبيرة لتشابه الجينوم مع الانسان, والذي قد يصل إلي 96 %. وهي نسبة تجعل من النتائج التي نحصل عليها في الحيوان ذات أهمية كبيرة لإمكانية الحصول عليها في الإنسان.


ولذلك فإن المؤسسات التعليمية والبحثية كونت لديهـا منذ سنوات لجان لأخلاقيات البحث العلمي لتقنن استخدام حيوانات التجارب في التدريس والبحث العلمي. ولا يتم البدء في البحث الا بعد الحصول علي هذه الموافقة بعد بمراجعة بروتوكول البحث . وتتبع هذه اللجان قواعد صارمة سواء في التصريح باستخدام الحيوان ونوعه وعدده وجنسه وعمره أو في طريقة التعامل معه مثل الحقن والتخدير والتشريح والعدوي.


وفي مجال اكتشاف العقاقير لعلاج الإنسان فلا بد من اجراء جزء مهم من الدراسة" يسمي المرحلة القبل سريرية". ويكمن دور أهمية دراسة علم الحيوان في هذه الأبحاث القبل سريرية في أنها لا بد وأن تتم وأن تنتهي بخلاصتين: الأولي هي الحصول علي كفاءة عالية للعلاج مقارنة بالعلاج المرجعي. والثانية هي الحصول علي أقل مستوي مسموح به من السمية التي تؤدي إلي تأثيرات جانبية.


وبعد نجاح الدراسات القبل سريرية بنجاح يتم الانتقال إلي الدراسات السريرية والتي تشمل ثلاث مراحل يتم دراستها علي الإنسان. يتم دراسة المرحلة الأولي علي حوالي 100 مريض بغرض التأكد من وجود أقل مستوي مقبول من السمية وذلك قبل الانتقال إلي المرحلة الثانية والتي الهدف منها إثبات الكفاءة العلاجية علي عدد اكبر من المتطوعين يتراوح من 1000 —100 وذلك باستخدام الجرعة التي تم تحديدها في المرحلة الاولي والتي أظهرت أقل مستوي ممكن من التأثيرات الجانبية. وفي حالة نجاح المرحلة التانئة يتم الانتقال بالدراسة إلي المرحلة الأخيرة وهي الثالثة والتي يتم فيها اجراء الكفاءة والسمية ولكن علي اعداد كبيرة قد تصل 30000 ألف من المتطوعين.


ومع أن كل الدراسات السريرية لا بد وأن تنهي جميع المراحل واهمها المرحلة القبل سريرية علي حيوانات التجارب, إلا أن معظم اللقاحات الجديدة لفيروس كورونا المستجد لم تمر بالدراسات القبل إكلينيكية علي حيوانات التجارب. وهذا ما جعل العديد من الأطباء و العلماء وعامة الناس يشعرون في البداية بالتردد من استخدامه.


وبهذا نري أهمية دراسة علم الحيوان في العلوم الطبية الحيوية . كما أن الحيوان بأشكاله المخلفة وبيئته المتنوعة يمثل فرصة هائلة للتفكر والتدبر في خلق الله سبحانه وتعالي. علينا ان نهتم ونشجع أولادنا في دراسة هذا العلم المتميز والمرتبط جدا بدراسة العلوم الطبية ونجاحها . فلولا الحيوانات ما كان لدينا تلك الآلاف المؤلفة من الأدوية التي نهرع إلي الطبيب والصيدلي لشرائها ووراء هذه الدراسات فرق علمية كبيرة وحيوانات تجارب ضحينا بها من أجل صحة الانسان.


وهناك العدد من التحديات التي تعوق استخدام حيوانات التجارب في العديد من الدول .ويظل التحدي الكبير الذي يحد العلماء في مجال علم الحيوان للقيام بمسئوليتهم العلمية علي أكمل وجه تجاه فهم أسباب الأمراض من ناحية واكتشاف العقاقير لها من ناحية أخري هو عدم وجود سلالات معلومة لها جينوم محدد للعديد من الحيوانات الصغيرة خاصة الفئران والجرذان والتي تلعب دورا في غاية الأهمية كنماذج للأمراض. فعلي سبيل المثال فإن لا يوجد سلالات من الحيوانات المهندسة وراثيا في مصر وذلك بسبب ان كلها تم انشاءها خارج مصر ويتم بيعها في الشركات الكبرى وأهمها جاكسون - JacKson Laboratory Taconic تاكونك - شالرز رفير Charles River بأمريكا والتي توزع إلي كل العالم ماعدا دول الشرق الأوسط . ولذلك لا بد من إجراءات من صانعي القرار لحل هذه المشكلة الكبيرة.


ويمثل التحدي الأكبر الثاني هو عدم وجود بيت حيوان Center for Experimental Animal (Vivarium) في كل جامعة ومركز بحثي لأن كل بيوت الحيوانات الموجود بصورة مقبولة إلي حد ما محدودة المساحة ولا تستوعب الباحثين. كما أن الإمكانات المتاحة في معظمها إن لم يكن كلها أقل كثيرا من المتوقع ولا ينطبق عليها المعايير العالمية المطلوبة للحصول علي الاعتماد من اللجنة الدولية( AAALAC) and Accreditation of Laboratory Animal Care International وهي منظمة خاصة غير ربحية تعمل على تشجيع المعاملة الإنسانية للحيوانات في العلوم من خلال برامج الاعتماد والتقييم التطوعية. وقد بدأ هذا البرنامج في عام 1965 ، عندما نظم كبار الأطباء البيطريين والباحثين الرابطة الأمريكية لاعتماد رعاية حيوانات المعمل.


فلكي يتم اجراء بحث علمي رفيع المستوي وتنافسي لا بد من توفير كل الوسائل المطلوبة من نوعية حيوانات التجارب المعملية والمعامل التي تعيش فيها للتربية لجعل الباحثين قادرين علي منافسة العالم في البحث العلمي في هذا المجال المهم الذي بدونه سيكون من الصعوبة بمكان أن نجري أبحاثا في الأزمات الصحية العالمية مثل فيروس كورونا والأورام .


وأهمية هذا الأمر ليس فقط في انتاج البحوث القيمة والمنافسة بها ولكن أيضا سيمثل صناعة وطنية كبيرة ليس فقط في مصر ولكن في الشرق الأوسط وافريقيا التي هي في أمس الحاجة إلي ذلك .

خالص التحية

ا.د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة

قسم علم الحيوان

كلية العلوم جامعة طنطا



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة