أن ترتدي نظارة الحقائق لتكتشف أن ما توهمته قاعدة وركنا لا يرقى أن يكون هامشا، وما همشته ونفرت منه هو المتن ليس سواه!

بين إقبال وإحجام، ورغبة في الانطلاق وحاجة إلى الهرب ما زلت أنا تائهة، بين روح تحلق في السماوات وجسد لا يقوى على الطيران تشتت مسعاي، بيني وبين أنا في أحلامي ضللت طريقي وأضعت نجومي وعلقت في الماضي، فلا حاضري تقبلني ولا أنا فعلت، وبين مستقبل يتفلت من بين أصابعي قد حكته منذ زمن بخيوط واهية لم تلبث أن بليت وتكشفت عن صدع ليست ترتقه الأيام، بين أوهام دُست في عقلي الصغير، وغشاوة أعمت قلبي عن الحقائق واقتادتني - و بئس المرشد كانت - قضيت ماضيّ في إطار قد رسمه السابقون وأجادوا زخرفته وتفننوا في زينته حتى لا تختلف عينان أنه عين الجمال، ومن ذا ينكر الحرية إلا سفيه؟! ومن ذا يكره النجاح إلا خبيث؟!

أيتها الفتاة؛ إليكِ الحياة على طبقٍ من ذهب، بلا قيود، بلا قواعد، بلا قوانين، تلك العادات هي فقط للمتأخرين أما الدين.. ألم يقل ربكِ أنه غفور رحيم؟!

إذن انطلقي، انطلقي بكلِ ما فيكِ، هذا الحجاب يعيقكِ ويحد حركتكِ ويمنع طيرانكِ فأزيليه، أزيلي القيود يا فتاة، أزيليه ..... و أزيلي معه ثوب الحياء فإنه يجذبك نحو القاع فألقيه عن كاهلكِ ومدي ذراعيكِ واسمحي لشمس الحرية باحتضانكِ.

اعتدت "وهج الحرية"، و كلما أضاء لي مشيت فيه، عشقت "الحرية" ومن لا يفعل، لكني عبثا أسميتها حرية لم تكن قط كذلك بل الحقيقة أنها كانت هي القيود دون سواها، تملي علي أفعالي، تخبرني ماذا أفعل وكيف أحيا، بينما تلقي بنفسي في الجب و تنزع عني روحي..

حين أفقت من سكرتي - بعد تلوني بلون العصر - كانت روحي قد فارقتني، وبريقي الزائف يعكس الفراغ الممتد في صدري إثر انتزاعي مني، ذاك الفراغ ظننته يتسع ليبتلع ما تبقى من رفاتي، ركضت أهرب حتى أعياني الهرب فجثوت أبكي، أستجدي الطريق ومن ذا يصيخ السمع؟ أما من سيارة تدلي دلوها؟!

وسط صراخي وهلعي من نيران "الحرية" المزعومة كان نسيم الحرية الوحيد هو ما تبقى من صوت أمي متناثر بين ذكريات ظننتها هجرتني مذ هجرتها، لكنها لم تتخلى عني حين تخليت أنا عن نفسي، كانت تناديني من مكان قريب، أيا صغيرتي لم أضعتِ يداي؟! الطريق طويلة أيتها الصغيرة وأخشى عليكِ من الذئب بنيتي فلئن أغلظت يدي أشد يداكِ فإني أقيمهما لا أوثقهما، وإن دخلنا من أبواب متفرقة وأضاعتكِ عيناي فعين الله لن تُضيعكِ، أيا صغيرتي إن طالت بك السبل وضاقت وأعيتكِ الحياة فليس هناك أرحب من طريق الله، أيا صغيرتي إن عصفت بكِ النكبات فسجدة في جوف الليل تسد الثغور وتقيل العثرات، أيا صغيرتي ذاك الحجاب حاجبكِ عن الضلال مُرجعكِ إليكِ حافظكِ منكِ ومن ذئب الحياة ووحل الأيام، أيا صغيرتي لم يقيد حركتكِ إلا تلك الخيوط التي تحرككِ كدمية بمسرح ملّه الجمهور، أيا صغيرتي لا تقلدي من ليس أنتِ ودعي عنكِ تلك الترهات وانظري موضع قدميك أين تطأ ولتعودي بنيتي، ولتعودي ..

خاطرة

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات خاطرة

تدوينات ذات صلة