قصة "علي" الشاب الجميل الذي ينقصه حُبه لذاته فقط..
يعيش "علي" مع عائلته المكونة من أب وأم وشقيقين ذكور، وكان هو الولد الأوسط، دائمًا ما وجد نفسه الأقل في كل شيء بين أخوته سواء في الجمال أو القبول أو حتى في درجة حب الأم والأب له، ويرى نفسه دائمًا غريبًا وسطهم لا يوجد مكانًا مناسبًا له بينهم.
تأكد "علي" من فكرة إنه الأقل حظًا من بين أخوته عندما أكتشف إصابته بمرض "القراع"، فهذا المرض باختصار يصيب الإنسان بدون سابق إنذار ويترك له بعض العلامات التي يصعب تجاهلها.
حيث تكون هذه العلامات عبارة عن بقع فارغة تمامًا من الشعر في الرأس نتيجة الإصابة بالفطريات، وفي بعض الأحيان يمكن أن تنتشر الفطريات بشكل واسع إذا لم يتم معالجته في الوقت المناسب.
في اليوم الذي اكتشف فيه "علي" إصابته بهذا المرض، ظل يُرسل إلى عقله الكثير من الإشارات السلبية التي جعلته لا يرغب في العيش بعد الآن؛ ببساطه لأن مظهره أصبح قبيحًا أكثر مما سبق "هذا بالطبع من وجهة نظره هو"
مع رحلته في العلاج، وجد اهتمامًا كبيرًا من والديه، وظلوا يتابعون حالته مع أكثر من دكتور متخصص لكي يصلون إلى أسرع نتيجة ممكنة لأنهم يدركون جيدًا مدى خطورة هذا الأمر على ابنهم.
هذا القلق لم يقتصر على خطورة المرض على الجسد فقط بل شدة تأثيره السلبي على نفسية "علي" أيضًا لأنهم يعلمون جيدًا مدى حساسية ابنهم ويفهمون جيدًا كيف يفكر عندما يمر بأي مشكلة جسدية.
بعد مرور بضعة أشهر، بدأ "علي" أخيرًا يلاحظ اهتمام والديه به وكيف يسارعون في علاجه حتى يعود أفضل من الأول، فعلى الرغم من تأخر "علي" في ملاحظة ذلك، إلا إنه كان ممتننًا لما يفعله والديه معه.
جاء اليوم المنتظر، وبالفعل تحققت أمنية الوالدين ونجحوا في جعل "علي" يتغلب على هذا المرض بأفضل وأسرع الطرق التي كانت متاحة أمامهم.
بعد شفاء "علي" تمامًا من المرض، بدأ شعره يزداد جمالًا عندما أهتم به وأصبحت صحته في أفضل حال وحتى بشرته أيضًا، فقد أصبحت أكثر نضارة ووجهه تحول إلى قرص قمر مكتمل ومضيئ في الليل.
لم يتوقع "علي" أبدًا أن يشهد اليوم الذي يكون فيه أجمل من إخوته الذكور أو إنه سيأخذ كل هذا الاهتمام من والديه.
والمفاجأة في الامر، هو أن "علي" لم يكن في يوم من الأيام مهملًا من والديه أو قبيحًا بالنسبة لإخوته، بل كان ذلك في مخيلته فقط لأنه لم يحب نفسه بالشكل الكافي الذي يستحقه.
كان دائما يرى نفسه أقل من كل البشر، لا يستحق الاهتمام من أحد، لا يشكل فارقًا مع أحد، وإذا مر عليه أيامًا دون التحدث مع عائلته فلن يلاحظون ذلك.
كل هذه الأفكار كانت محفورة في عقل ونفس "علي" بسبب موقفًا بسيطًا حدث له عندما كان في الثامنة من عمره، عندما جاء أحد أقاربه طرح عليه بعض الأسئلة المريضة.
حيث قال له: "لماذا لا تشبه إخوتك؟ لماذا أنت مختلفًا عنهم كل هذا الاختلاف؟ ملامحك تستفزني من شدة بريقها ولا أجد أي سبب لذلك!!"
وأكمل حديثه قائلًا: "حتى والديك يرون نفس الشيء الذي أراه أنا فيك الآن ولهذا السبب لن تحصل منهم إطلاقًا على أي اهتمام بل إخوتك هم من يستحقون ذلك وليس أنت"
لم يتمكن "علي" من الرد على كل هذه الأسئلة وظهر على ملامحه تعبيرات ممزوجة بحزن وغضب وكراهية، وانكسر شيء بداخله في هذ اليوم ولكنه لم يدرك ما هو.
لسوء الحظ، كان هذا الحديث في السر بين "علي" وهذه الشخصية المريضة، لذلك لم يستمع أي شخص من عائلته بهذا الحوار المثير للاشمئزاز.
تأثر "علي" كثيرًا بهذه الجمل والأسئلة التي ينبعث منها حقدًا وكراهية وسلبية لا نهاية لها، وبسبب صغر سنه لم يفهم ما وراء هذا الحديث.
مرت السنين على هذا الموقف ولكنه كان في ذاكرة "علي" كما لو إنه حدث بالأمس، لذلك فور خروجه من أزمته الصحية التي مر بها، وجد نفسه يرغب في زيارة قريبه هذا.
وبالفعل طلب من والديه زيارة قريبه في أسرع وقت، ولم يفهم والده أو والدته السبب في تلك الزيارة المفاجئة.
يوم الزيارة، جلست عائلة "علي" بالكامل مع نفس عائلة قريبه وفي وسط حديثهم وجدوا "علي" يأخذ قريبه بعيدًا عن الأعين ليتحدثوا سويًا في سرية تامة كما حدث سابقًا.
لم يترك "علي" قريبه يوجه له أي أسئلة هذه المرة، وبدأ حديثه قائلًا: "لا تترك لسانك وكلماتك تتحكم فيمن حولك، اختر جملك وأسئلتك التي تطرحها على الجميع وتظن إنه من حقك ذلك".
وأكمل حديثه وهو هادئًا وقال له: "تقبل نصيحتي وتذكر أن ما في القلوب يظهر في كلماتنا المخبئة تحت مزاحنا في الحديث"
وأنهى "علي" حديثه قائلًا: "لقد تسببت لي في أذى كبير للغاية ولكني ممتن له كثيرًا لأنه جعلني مع مرور الوقت أدرك إنني استحق اهتمام والدي وإعجابهم الشديد بي، وأن إخوتي يحبونني كثيرًا ويرون أن اختلافي عنهم شيء يميزني ويجعلني أنا النصف الثاني الذي يكملهم ولا يوجد أي عيبًا في ذلك"
أصبح قريبه المسكين في ذهول شديد لأنه هذه المرة لم يتمكن من الرد على كلمات "علي" الناضجة ووقف أمامه كطفل في الثامنة من عمره ينظر إليه وهو مصدومًا وحزينًا في نفس الوقت.
بعد ذلك، ذهب "علي" إلى والديه واحتضنهم بشدة واكتفى بقول "شكرًا لأنكم في حياتي"، ثم ذهب إلى إخوته وقال لهم "أسمحوا لي بأن أظل النصف الثاني الذي تكتملون به دائمًا".
من بعد هذا اليوم، تغيرت وجهة نظر "علي" للحياة بالكامل، وأصبح يرى كل شيء حوله بصورة أوضح وببريق مختلف تمامًا عما سبق.
في النهاية، دعونا لا نهتم بصحتنا النفسية والعقلية والجسدية بعد إصابتها، فنحن نستحق كل دقيقة بحياتنا لكي نكرسها في الاهتمام بأدق تفاصيل روحنا.
فالروح هي المنبع الأساسي الذي يغذي جميع أجزاء جسدنا، لذلك ستجد دائمًا أن الروح الضعيفة والمُهملة تجعل الجسد يواجه ضمورًا في قوته لا يتحمل أي شيء وينكسر بسهولة مع أول مواجهة حقيقية له مع الحياة.
التعليقات