حكَاية حَالٍ مِن الأحوَال؛ تَحكِيها أحلاَم ويُحاكِيها مَنَام، والنهاية تَحكمُها طَبيعة مِن السِّلم والسَّلام.

يَتبَادر لدَى الكثِير مِنَّا مَعرِفة الإجابَة على أسئِلَة عَدِيدَة عَن حقِيقَة الشَبه بينَنا وبينَ أحلامِنا، بينَ كُل ما لدَينا ولدَيهِم، أسالِيبنا وأسالِيبهم، كبِيرنا وكَبيرهم، صَغِيرنا وصَغيرهم، الشَّرقيُّ مِنَّا والغَّربيُّ مِنهُم، أهُم نحنُ ونحنُ هُم؟ أمُنذ الأبيَّة الى الأبديَّة؟ ألَن نتغيَّر ولَن يتغيَّروا؟ أجَمِيعُنا كجَمِيعهم؟ أنَحنُ سَواسِية بِلا استِثنَاء؛ فِي الأمَلِ والآمَال، ولَرُبَّما بالألمِ والآلَام؟ أفِي كُلّ شَيء؟ عُمومـــاً، نَحنُ كذلِك، وعِلاوَةً عليهَا فإنَّ الأمرَ بِرُمَّتِه مُساوَاة، بَل أكثَر مِن ذلِك، أعنِيها وبِالمُساواةِ مَعهَا، رَضِينا أم أبَيْنَا، فالأحلاَم؛ حالهُم كَحالِنا وحَالُنا كَحالِهم، لا إحتِكارَ فِيهَا ولا إبتِكَار إلّا مِنهَا، تُشبِه في مُفردِها قَليلاً من المَلامِح لدَينا، وأمَّا الإختِلاف، فهُو فِي جَمعِها وتحقِيقِها، وبالرّغمِ عَمَّن يُجِيد جِيرُها حَول جِيدِهَا، فَهِي كَمَا هِيَ، كَم عَظيمَة التَجارُب مِن هَذَا التقارُب! أيُعقَل هَذا الإفراطُ فِي الكَلام؟ أهِيَ حِكايةُ حَقٍ أم مُجرَّد مَدعَاةٌ لِسلمٍ وسَلام؟


مِن المُتعارَفِ عَليه والواضِح كوضُوح الشّمس أنَّ الأحلاَم هي سِلسِلَة مِن الرُّؤيَا وتَسلسُل مِن الأحدَاث تُمزَج طَبِيعتُها بتَفاصِيلِها بينَ الواقِع والخَيال، نَلجَأ لَها لأسبَاب واضِحة، راجِحة، أحياناً هَي إجبَاريَّة، وأُخرَى إختِياريَّة، نَبحَث فِيها هُروباً مِن الواقِع، بَل نُفوراً بالشكلِ المُتَفرِّد مِن طرِفِنَا والمُتجمِّع مِن طَرفِهم، مِن عِبء الحَياة، مِن الأوهَام وكفَّارة الإبهَام، بَل مِن كُلِّ شَيء، هي فِعلاً إزدِواجيَّة تَجمَعُنَا فِيهَا الحَياة مَعها، سويّاً، سِلماً وسِلمياً، مَع كُل مَا دلَّ ويَدلُّ على الحَقٍّ والحقِيقَة بِلا جِدَالٍ ولا سِجال، وعَلى كُلّ حالٍ مِن الأحوَال.


كَم هِي الحيَاة حكِيمَة، مُحكَمَة ومُحكِّمة، عادِلة، مُحقِّقَة ومُحقَّقَة، ثابِتة، حُرَّة ولا تُصاحِب إلَّا أحراراً، لا يَهمُّها سِوا الإنجَاز بِلا تَحيُّزٍ ولا إنحِيَاز، تُعادِل بِعَدلِها عدلَ السمَاء، تُحيِي مَن يُحيِيهَا، تَحتَضِن مَن يَحتَضِنُها، جَريئَة، جَمالُها خلَّاب، صوامِلُها وصوامِعُها، كلُّ ذلِك لا يَهُم بِوجودِ بسَاطتِها، أشكَالُها وإشْكَالُها، كُلّ مَا فِيها بِلا استِثنَاء، حتَّى المُعاناة فِيها ومِنهَا هِي عَفوِيَة، طرِيقُها سَلِيم، تُسلِّم الجمِيع وتَسمَح لهُم بتحقِيق الكثِير مِن كُلِّ أمرٍ مُسالِم، ألَا يَكفِي؟ ألَيسَ ذلِكَ بخيرِ مِثال؟ بَلى، بل غِرارٌ يُطلِق العَنان لِنفسِه وبِنفسِه، تَواضعاً وخاضِعاً لِكامِلَ الحُلولِ وأبسَطُها فِي تَجاوز كلّ الخِلافات والإختِلافات المُتناثِرة هُنَا والمُتبعثِرة هُناك.


تُحاكِي الأحلام الطبِيعَة وتسرُد قِصَّة واقِعيَّة مِن زَمنٍ غنيّ عَن التَعرِيف، زمَن الأثِير، زمنٌ إختلَفَ فِيه الكَثِير، زمنٌ له مِن الطِباع حُسنُها وحَسنُها، تَحكِي الأحلامُ عن نفسِها وتَروي عمَّا يُملِي نفسُها مِن الحَق والإنصِيَاع، تحكِي: يَملئُنِي إرهَاقٌ وأرَقٌ بِلا إنقِطَاع، مَلامِحي مَلامِحُ أوجاعٍ بِلا إنصِياع، ما ذنبِي فأنَا لا أمِيلُ إلّا للإبدَاع، وأمَّا الأسبَاب؛ خِلافٌ فِي كُلِّ مَكان، هُنا وهُناك، لَم يعُد بإِمكَانِي تَحقِيق المَزيد، فأنا بِحاجَّة ماسّة الى التَوقُّف والإنقِطَاع، رِحلَتي مُوجِعة ومُرهفَة الإندِفاع، إرتِياعٌ وإرتِياع، طَقوسٌ قارِسَة، رؤوساً قاسِيَة ومُتمرِّسة عَن بِكرَة أبِيهَا، أنَا لا أشكِي ولا أشتَكي، فلا حِيلَة لِي فِيها، هِي إعتبارٌ لي ولكُم، ثمَّ إنتِظار وإنتِظار! ليست مُبكِّرة أنا ولَا مُتأخِّرة، أُعَانِي ما أعنِيه بِكُلّ مَا تَعنِيه الكَلِمة، لديَّ خوفاً وشُكوك مِن تَحقِيق إنجَاز قَد يَذهَب فِي مَهبّ الرِّيح! لديَّ أرواحاً سائِدَة في الإنتِظَار، لدَيَّ رغبةً في التَحقِيقِ والتَّحلِيق، مَن سَيَحفَظ ويُحافِظ؟ مَن سَيُحقِّق أمَانِيهَا؟ أُمنِيَاتُها؟ أمَلُهَا وآمَالهَا؟ أهِي الحُجَج ام تِلك التي يَملئُها البَججُ بالحَرج؟


تَستجِيب الطَبيعة بِكُلّ مَا تُؤتِيه مِن قُوّة مُواجِهةً فِيها الأحلاَم بِـ "سُبَات" سلامٍ سلِيم، لَا خُروجَ عن الصَّمتِ ولَا خَجل أمامَ الأحلاَم، هِي شَهادةُ حقٍ من شاهِد الحقِيقة عَن الطبِيعَة؛ أنَّها قوِيَّة ودائِماً مَا تَختَار التَأدُّب لا التَسلِيم ولا الضُّعف، مُتقدِّمَة بِسُلوكِها وأسلُوبِها، ولكنَّها تَساءلَت!! أهُناك مَن يَستغلّ ذلِك السُّكون؟ أهُناك ثغرة بينَ أركانِ الشُّروق والغُروب؟ ألَا يَكفِي القلِيلُ مِن الهُدوء؟ لحظَة، سأفصحُ عن كُل ما لديّ: هِي عَشيقتِي وسأُدافِع عَنها لا مَحالة، مَن يُنِير دروبَنا ويُدفِئ قُلوبَنا؟ مَن يَشفِي غَلائِلُنَا؟ هِيَ بِكلّ تأكِيد، عَجيبٌ أمرُكِ ايَّتُها الأحلاَم! ألَا يَكفِي انَّ الـ "سُبَات" سكِينَةً وسَلام! أمنطِقٌ هَذا؟ ألا تفطِمون بالحقِّ فِي وجُودنا، فلِما الإعتِراض؟ لمَا هذا التَسَاءل والسُلوك؟ ماذَا تُرِيدين بَعد؟ ماذا تعنِين بتِلك التَلمِيحَات؟ ولِمَا تِلك الأحقَاد المَدفُونة؟ ما الأسبَاب؟ مَا الخَلل؟ مَن مِنكُم يَبحث عن عِداءٍ مُبكِّر؟ ألَا يُطَمئِنكُم انَّ لِكُلِّ داءٍ دواء؟


تُردِّد الأحلاَم بَعضاً مِن التَمتمَات رداً على كلَام الطبِيعَة ودونَ انفِعالٍ يُذكَر او نَزِيفاً مِن المَال يُهدَر، تُسمَع جيِّداً تِلك التَمتَمة الفائِضة بِلا ردَّةِ فعلٍ او حتَّى مُحاوَلة فِي ذلِك، طبِيعيَّة هِي الأمُور، إنَّها الطبِيعَة ومن فِي الطلِيعَة، بأخلاقهَا، بِصبرهَا وإنسانيَّتهَا، لَن ولَم يكفِي المَزِيد مِن الكَلام فِي وصفِ المشهد، بينَما تقِفُ الحَياة تَواضُعاً وتَسأل: مَاذا عَن جهلِ الأحلاَم؟ عن همَجِيَّتِها؟ عَن تَسرُّعِها وتَداولِها؟ ماذا عَن مُحاوَلة أخرى للتَسوِيَة العَادِلة؟ ولِمَا لَا؟ ستَحترِمُ الأحلامُ أحلاَمَها وسَتبقَى الطبِيعَةُ أساساً ومَن يُحقِّق آمَالهَا، جمِيلة هذِه الاطروحَة فلِمَا لا نُحقِّقُها؟


تُبَادِر الطبِيعَة بِالمُوافقَة ودونَ ايّ شُروط عَدا تنفِيذ بَعض المَطالِب الإنسانِيَّة، كعَادتِها، ثمَّ تَصدح لتُسمِع مَن يَكرهُهَا؛ آليتُ عَلى نفسِي وهمسِي، بَرِيئَةٌ أنا، حَنُونَة، بِكامِل عفَويَّتِي وعُنفُوانِيَّتي، أقِفُ أمَامكُم وحِيدَة، على حقٍ ولا مَانِع لديَّ مِن الإعتِزاز وصَدّ ايّ إبتِزاز، أنَا الأُولَى والأَوْلَى، الشَّهادة عنِّي دائِماً مَجرُوحَة ويَكفِي انّني اسمٌ عَلى مُسمَّى، طبِيعيَّة أنَا، طبِيعيَّة الطَّابِع، لا أعلَم عَن التَصنُّع شيء، قويَّةٌ فِي الدِفاع عَن نفسِي، لا أُبَالِي لِمَن لا يَحترِمُني، ولَن أبَالي لِمن لا يَعرِفُ من الشيءِ عَنّي، أنا التَّارِيخ، لقِناعَتِي أنا قَنُوعَة، ولِقوَّتِي أنَا قوِيَّة، أمَّا مكانَتِي فعظِيمَة الوجدَانِ كالجُود بَين الوجُود، غيرَ انّني مُباركَة وفِي اطمِئنان بعد تأدِية المَهام فِي وقتِها وعَلى أكملِ وجه، بِالمُقابل؛ انتُم أيُّهَا الأحلاَم، فِي حِيرةٍ من أمرِكُم، خلافِكم، إختِلافِكم وإختَلافَاتِكم، لا ذنبَ لي فيها، فهِي تنهَشُكم وتَدُكُّ أركانَكم، أهُو المَلل؟ وإن لَم يَكنْ، فَلِما كُلّ هذا الكَلل؟ أينَ أنتُم مِن حُبِّ الحَياة ومحبَّةِ النِعَم؟ ألَن تَجِدُّوا لِتُجدِّدوا؟ تَجتهِدوا لتَستحِقَّوا؟ أم إفتَكرتُم إنَّها رِياح تَحمِل أربَاح؟ كيفَ هوَ حَالُكم مع سائِر الأوهَام؟ سَلامٌ سَلاَم، فَلا إدرَاك ولا إلهَام دونَ إكمَال المَهام، أنَا الطبِيعَة، قَنوعَة، طبِيعيَّة، صاحِبة الحقّ والحقِيقَة، أنَا الوجُود، أيكفِيكم هَذا إمْ تُحَال حالُكم إلى المُحال؟



إنتَهت رغبَةُ الأحلامِ في إستِمَاعِها دُونَ البوحِ عن إستِمتَاعِها، سيَطُول الجِدال وتؤُول الخِصال، نِهايَة مُؤقَّتة، غير مُؤلِمَة، مُقنِعة، ومِن المُرجَّح انَّها لدَى البَعض مُلهِمَة، لَم يَنتهِي مِنها التّردُّد، بَل بالعَكس، إلتَهى عنهَا التَبدُّد، كلٌّ على حِدَة، إنَّها حَالٌة مِن الحَالات، حِكَايةٌ مِن الحِكايَات، واقِعيَّة، حقِيقيَّة ومنطِقيَّة، فِيها نَبرات، تَناقُرات، تَناكُلات، تَناقُصَات، تَناقُضَات والكَثِير المُثِير، فِعلاً؛ لَن ولم تُشرِق علينا الحَياة إلَّا بالحَق والحقِيقَة، هِي إجَابة وإستِجابَة لِكلِّ سُؤالٍ أو تَساؤل عن ايّ دليلٍ أو دَلالَة في مَعرِفة الشَبه بينَنا وبينَ ذوات الهِيام مِن الأحلاَم، بِلا ألَم، وبالأمَل كُلَّ الأمَل أن يُحقِّقُها مَن يَستَحِقُّها لَا مَن يَسحقُهَا وليَطفوا عالمُنَا مُصالِحاً ومُتسَامِحاً فِي خيرُ ختامٍ مِن السِّلم والسَّلام.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أحمد البطران "بطرانيات"

تدوينات ذات صلة