قال لقمان الحكيم واعظا ابنه: "يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك" وقال الراغب: "الصمت أبلغ من السكوت"
لطالما أبهرني سعود السنعوسي بكتاباته، ودائما ما كانت كلماته تترك أثرها الجميل والبالغ في نفسي، ولعلّ أكثر قول اعتبرته بليغ الأثر قوله: "بعض المشاعر تضيق بها الكلمات فتعانق الصمت" ذلك أن الصمت ملاذٌ آمن، نفرّ إليه من فوضى الكلام، نلجأ إليه كلما اختلطت علينا المشاعر، ونفرُّ إليه مخافة أن تفسر كلماتنا على نحو لا يرضينا، نستعين به في أشد حاجتنا للخلوة، وإني أؤثر الصمت على النفاق، وأختاره على العتاب، و حديث الصمت يأخذني في جولة إلى قاعة التدريس!...كم كانت فوضى تلاميذي عارمة، كلما سنحت لهم الفرصة أبدعوا في الثرثرة: فهذا يُحدِّثُ صاحبه عن أبيه، والأخرى تتفاخر بأدواتها، وبعضهم يحاجج الآخر في رسمه، ومن كان منهم (ساكتا) تتفنَّنُ أنامله في قلب الأوراق وتقليب الأقلام! كنت في كل مرة ألجأ للطريقة التقليدية بأن أرفع صوتي قليلا قائلة: هدوء، أو أنهض من مكاني و أوبخهم ولكنّ الأمر لا ينجح؛ إذ سرعان ما تعود الفوضى وتغزو القسم من جديد، وحين طفح الكيل من فوضاهم و غزت القسم فأَرْدَتْه سوقا للكلام! كان يجب أن أجد حلا يكون الصمت فيه سيّدا لا السكوت!(علما أن الصمت يكون طويلا نوعا ما وهو أبلغ من السكوت)وفي خضمِّ الفوضى اقترحت أن يصمتوا، وأن يستمعوا لصوت الهدوء، وأن يستمتعوا بذلك؛ ففعلوا ما طلبته: صمتوا واستمعوا واستمتعوا. ثم من جمال الموقف ابتسموا؛ فابتسمتُ فكانت ابتسامتي إيذانا لهم بالضحك، ضحكوا ملأ أفواههم!وفي مرات تالية تطور الأمر فأصبح الصمت حاجة من احتياجاتهم، فصرت أكتفي بقولي: لو نصمت! فيصمتون دونما حاجة لتكرار قولي أو لرفع صوتي أو لتوبيخهم، يصمتون دون أن يضحكوا، يصمتون باستمتاع كبير، بل إن الأمر تطور أكثر فصاروا هم من يقترحونه علَي كلما رغبوا في لحظات هدوء قائلين: آنسة قولي لنا دقيقة صمت، آنسة لو نصمت قليلا...بل ويعترضون علَي كلما أبدلت لفظة: "اصمت" بلفظة:"اسكت" !فكانت طريقة فعّالة لتخفيف الفوضى، وطريقة فعالة أيضا ليتعلموا حاجة المرء للصمت قليلا.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
واو 😍