الطفل الذي يقتصر تعليمه على المدرسة هو طفل جاهل، الذهاب الى المدرسة يختلف عن التعليم!
إيقاظ أطفالك للذهاب للمدرسة، الركض الحثيث خلفهم لمتابعة دروسهم، واكتئاب الامتحانات النهائية، وملل الأطفال داخل الصفوف وعشقهم الكبير للعطل والإجازات الرسمية، عشقهم حتى الحجر الصحي وكورونا فقط لأنها حمتهم من الذهاب للمدرسة، وكرههم غير المعلن لمعلميهم ومدرستهم، لماذا كل هذا؟ هل العلم كئيب لهذه الدرجة؟ أم أن أطفالنا أغبى بكثير من المناهج التي تطرح عليهم، أم أن هناك سببًا آخر؟
في هذا المقال سأخبرك عن تجارب رأيتها حولي أؤمن بأنها أسباب حقيقية لكراهية المدرسة، وعلى الرغم من أني كنت طفلة محبة للمدرسة في صغري وكنت من الأشخاص الذين يحصلون على أعلى الدرجات، ولكن كرهي قد أتى متأخرًا بعد التخرج وبعد تجربة العالم الواقعي، وهو كره حقيقي ومنطقي بالنسبة لي، والآن للإجابة عن سؤالنا، لماذا؟
1- التلقين
كل سؤال في العالم يملك إجابة محددة واضحة، أو ربما إجابتان ولا طريق آخر، كل معضلة أو مشكلة تمر بها هناك أشخاص أذكى وأحكم منك قد مروا بها في الماضي ووجدوا لها جوابًا فما عليك سوا البحث، لينتهي المطاف بتخريج أفواج من الروبوتات واثقين جدًا مما يعرفونه ومستعدين للموت في سبيله أو على الأقل القتال لأجله.
رأيك في الرأس مالية، ورأيك في الحرب اليونانية، ورأيك في الدولة العثمانية، ورأيك في عمل المرأة والرجل، ورأيك في ابن تيمية، ورأيك في الطوائف أو الأديان الأخرى، كلها قناعات أعطيت لك مع تفسير وجيه، وبناء على التلقين الذي تلقيت ستكون داعمًا أو كارهًا بشدة لهذه الأطراف، وكأن الحياة أبيض وأسود ولا مجال فيها للتفكير أو للحياد.
ينعكس هذا بعد التخرج على حياتنا، فكلما واجهتك معضلة بحثت في الانترنت أو أرسلت سؤالك لمجموعة استشارية أو برنامج استشاري، ليعطيك الغير رأيهم الصحيح الموثوق، وبعد قراءة مقالين ومشاهدة فيديو يوتيوب أصبحت الآن جنديًا للدفاع عن هذه الفكرة.
ننسى أو نتناسى أحيانًا أن اختلاف الظروف يجعل الحقيقة مختلفة من شخص لآخر، مهما بدت الحقيقة واضحة بالنسبة لطرف من الأطراف، لنأخذ قضية واضحة جدًا "العنف ضد المرأة"، يحلو لطرف من الأطراف إخبارك بأن عليك أن تكوني مستقلة لتجنب هذا، وأنك امرأة ضعيفة إذا ما قبلت بذلك، هناك حل واحد فقط "الشرطة" و"الاستقلال، ينسى العديد من الأشخاص أنه في أمريكا مثلًا تمتنع الكثير من النساء السود عن الإبلاغ عن هذه الحالات، لأنها لا تريد مزيدًا من الشرطة داخل الحي الذي تعيش داخله والمليء أصلًا بالشرطة، والذي سينعكس سلبًا على الحي وعلى أطفالها، أو أنها لا تريد أن ترى رجلًا أسود آخر يقتل على أيدي الشرطة، ننسى مثلًا أن فكرة العصابات والقتل ظهرت لمنع تدخل الشرطة وأن الرجال يمتنعون عن الإبلاغ عن قاتل أطفالهم فقط لأنهم لا يريدون تدخل الشرطة في حيهم، ينسى هؤلاء الأشخاص أيضًا المهاجرين أو اللاجئين، فإبلاغ الشرطة في تلك الحالة سيعني ترحيل الأب لموطنه الأصلي مما يعني إبقاء الأسرة دون معيل، وماذا عن رجل صاحب سلطة في المنزل أو العمل الذي بإمكانه الهروب من أفعاله دون حسيب أم المرأة سينبغي عليها العيش مع تبعات تلك القضية للأبد، مما قد يعني حرمانها من أبنائها أو من وظيفتها، هذا بالإضافة إلى أن فكرة الاستقلال نفسها ليست بالسهولة التي نحسبها، فهناك العديد من النساء المحرومات من فرص التعليم، أو من امتلاك أي مهارة قد تؤلهم لسوق العمل.
إذًا هل تقولين بأن الصمت هو الحل، أو أن هذه الأفعال ليست بجريمة؟ في الحقيقة هذا عكس ما أقوله تمامًا، ولكنه يعيدني لفكرتي وهي التلقين، الفكرة التي تمنعنا دائمًا من الاعتراف بأننا لا نملك الحل، وبأننا لسنا أذكى من غيرنا، وأن الآخر ليس أغبى أو أجهل من أن يعطي رأيه، أو أنه لا يملك أي آراء إضافية ذكية قد تثري الحل، فطالما أن شخصًا ما قبل العيش بطريقة ما، فهذا لا يعني بالضرورة أن هذا الشخص أحمق وضعيف، ومن هو حتى يعطي رأيه في حضرة علماء علم النفس، أو الرياديين.
هذه المشكلة تنطبق على كل شيء، آراءنا العلمية والدينية والاجتماعية، بغض النظر أي الأطراف أنت هناك فرصة كبيرة أن تشبثك بوجهة نظرك قد أتى بعد قراءتك لصفحتين من كتاب المدرسة، أو سماعك لرأي معلمك أو والديك أو أي شخص يبدو وكأنه أذكى منك!
2- لا واقعية التعليم
لا يوفر التعليم قدرًا كبيرة من المعرفة التي قد تعينك في الحياة الواقعية، يبدو وكأن العلم منفصل تمامًا عن كل شيء نحتاجه، قد تكون معلم علوم رائعًا وتملك الكثير من المعرفة المشوقة، ولكن ما إن تصبح معلمًا في المدرسة، حتى تجد نفسك مطالبًا بشرح انجراف التربة لطفل في العاشرة، وتلقينهم النقاط العشر عن فوائد التدوير، وإخبارهم بأن هناك احتمالية كبيرة أن "انجراف التربة وشح المياه"،إجابة صحيحة للكثير من الأسئلة.
لا توفر المدارس تعليمًا حقيقيًا للكتابة والإلقاء والتصميم والبرمجة والثقافة المالية وحل المشكلات، لذلك قد لا يكون سبب كره أبنائك للمدرسة هو كرههم للعلم، بقدر كونه كرهًا للتجهيل الذي يحدث لهم!
3- المعلم
في أي مكان أذهب إليه "مدرسة جامعة عمل"، ألاحظ أن المعلم أو المحاضر أو المدير يأتون محملين بمشاكلهم النفسية التي لم يسمح لهم القدر بمعالجتها، فيحاولون إيجاد شفائهم عن طريق الطلبة، لا يمكنني إحصاء عدد المرات التي تباهى فيها المعلمون أو الإداريون بذكائهم ونباهتهم، وصنعوا أسوأ النكات عن غباء الطلبة وجهلهم، مع ذكر لذكاء أطفال اليابان والغرب وكم أننا بعيدون جدًا.
يرافق هذا عدد لا بأس به من المؤيدين والمذهولين، مما يعزز غرور ذلك المعلمة للاستمرار، من الصعب إقناع المعلمين بأنهم ليسو بالذكاء الذي يعتقدون، وأنهم ليسو هنا لاستعراض ذكائهم على طفل في العاشرة، بل هم هنا لتعليم ذلك الطفل ومساعدته على بناء ثقته، وأن اسستعراض إنجازاتهم وتحطيم ثقة طلابهم لا تصب في صالح العملية التعليمية على الإطلاق.
4- التنمر
لا يتم التعامل مع هذه المشلكة بجدية في مدارسنا، أذكر طالبًا غادر الباص الذي كنت أركبه مرة ليتجمع عليه حوالي ال5 طلاب ليبدؤو بضربه بعنف مما دعا سائق الباص للنزول ودفعهم عنه، وفي هذه اللحظة العصيبة كان هناك معلم واقف على باب المدرسة بعصاه الكبيرة، ينظر للقتال دون اهتمام، ولا يبدو حتى مهتمًا لمعرفة إن كان ذلك الطفل بخير أم لا.
عدم اللاهتمام يصل أحيانًا للأهالي الذين يمزحون حول كون حجم أطفالهم صغير للغاية مما يعني خوفهم من الأطفال الأكبر حجمًا، لدرجة أن بعض هؤلاء الأطفال يرفضون الذهاب للمدرسة دون إخوتهم الأكبر سنًا.
بالإضافة إلى عدم التعامل بطريقة صحيحة مع الظاهرة، قد ينتهي بهم الأمر بالصراخ على أطفالهم، أو الشعور بخيبة كون أن أطفالهم أضعف من الدفاع عن أنفسهم، أو قد ينتهي الأمر بالمعلم بمعاقبة الجميع، لأنه لا يريد إضاعة وقته بسماع تفاصيل الحكاية والتفكير فيمن قد يكون المذنب، مما يجعل الكثير من ضحايا التنمر صامتين وغير راغبين بإعلام أي أحد عما يحدث معهم.
كيف يمكننا أن نحب المدرسة؟
بما أن هذه المقال ليست كتابًا مدرسيًا فلن تجد الحل بنقاط مرقمة، ولن تجده كذلك في مقال آخر، الحوار والتفكير وقراءة تجارب الغير، والبقاء متواضعًا دائمًا لتغيير أفكارك والعثور على حلول جيدة هو الحل.
إدراكنا أن هناك مشكلة هي خطوة جيدة نحو الحل ولكنها غير كافية على الإطلاق!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات