أُطروحة عن رواية: شرطة الذاكرة للكاتبة اليابانية يوكو أوغاوا

على جزيرة وحيدة يعيش الناس عالما مختلفا تماما، عالم تختفي فيه أرواح الأشياء وتفقد فيه قيمتها شيئا فشيئا، وتختفي معها الذكريات، فيصبح ما كان ذو قيمة سابقا مجرد شيء لا تحرك رؤيته في القلوب ساكنا، بل ويجبر الناس على حرق كل ما اختفت روحه، ومن أبى ذلك تطارده شرطة الذاكرة.

الأب بالنسبة للفتاة: أمنها وأمانها، عالمها المليء بما تشتهي، أمنياتها وأحلامها، الحب اللامشروط، والعطاء اللامتناهي فكيف تتخلى فتاة عن كل هذا!


ولأن الطفرات واقعة لا محالة، ولأن الاختلاف فطرة كونية جُبِل عليها الإنسان يولد على هذه الجزيرة من لا تنمحي ذكرياته

...تستمر الحياة على هذا النحو:

في البداية تمس الاختفاءات الكماليات وما يمكن تعويضه بأشياء أخرى: كالعطور وحلويات الليمون، ثم تطال هذه الاختفاءات أشياء أهم: كالطيور والورود، ثم: الخضر والفواكه إلى أن تصل إلى الأجساد فتختفي الأقدام، ثم الأطراف، ثم الأصوات، ثم لا يبقى من الإنسان شيء!

وحدهم من تمردوا على القوانين الجائرة وأبوا إلا أن يعيشوا بذكرياتهم خرجوا للنور من مخابئهم بعد اختفاء شرطة الذاكرة!

كل الأشياء عندي _من أبسطها إلى أعقدها_ مرتبطة بذكرى: من ملعقة الطعام إلى الحجاب فوق رأسي، لذا أجد أنه من الصعب جدا العيش بلا ذكريات، خاصة وأني جربت ذلك فمثلا رحلت أمي ولا أذكر عنها إلا تفاصيلا متناهية الصغر وهذا يؤرق مضجعي، وأجده شيئا فشيئا يقلص المسافة بيني وبين ذكراها.

الظلم يبدأ صغيرا لجسِّ النبض ثم يكبر شيئا فشيئا حتى لا يبقِ أخضرا ولا يابسا!


بطلة الرواية هنا فقدت ذكرياتها المتعلقة بوالدها ولكنها تقبلت الأمر وتعايشت مع الفكرة! ضغط هذا عليّ كثيرا أثناء القراءة إذ لا يعقل أن تتخلى الفتاة عن أي شيء يربطها بوالدها! ذلك أن الأب بالنسبة للفتاة: أمنها وأمانها، عالمها المليء بما تشتهي، أمنياتها وأحلامها، الحب اللامشروط، والعطاء اللامتناهي فكيف تتخلى فتاة عن كل هذا!

.

كما وجدت تشابها بينها وبين واقعنا: فالخضوع التام للقوانين والذي أبداه السكان كان واضحا جدا أن ينتهي به المآل إلى هذا المنتهى(بأن يختفي الإنسان كليا) وهذا الخضوع موجود في حياتنا اليوم، فالظلم يبدأ صغيرا لجَسِّ النبض ثم حين لا يجد مقاومة يكبر شيئا فشيئا حتى لا يبق أخضرا ولا يابسا!

أما عن الرواية عموما فقد كانت مثيرة في بدايتها، زاخرة بالتفاصيل اليومية التي تأخذ القارئ لمكان وزمان الأحداث، ثم حين طالت التفاصيل دون تطور للأحداث بدأ الملل يتسرب لنفسي وأكدت لي النهاية ذلك، فلم يحدث غير المتوقع ولم أتفاجأ من ذلك، كنت أنتظر شيئا أقوى، شيئا أكثر خيالا وأكثر إنصافا إذ لا يعقل أن نعيش الظلم في الواقع والروايات معا!

زكية أحمد

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات زكية أحمد

تدوينات ذات صلة