عقد سيبويه في كتابه باب الاستقامة من الكلام والإحالة إذ صنّف الكلام وفق توافق الكلام مع المعاني أوتعارضهما.
عقد سيبويه في كتابه باب الاستقامة من الكلام والإحالة ، فقال: " فمنه مستقيم حسن ، ومحال مستقيم، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، وما هو محال كذب ". وتصنيف سيبويه هذا للكلام مبني على توافق الكلام مع المعاني وتعارضها.
فأما المستقيم الحسن فقولك: أتيتك أمس ، وسآتيك غدا" فالجملة الأولى الفعل آتيك واقع في الزمن الماضي ولهذا يقبل أن يتوافق مع اللفظ الدال على الزمن ( أمس ) ، ومثل ذلك في الجملة " سآتيك غدا " فهذه الجملة مبنية على الفعل المسبوق بالسين والتي تدل على المستقبل ، ولهذا تقبل التوافق معنويا مع كلمة تشير إلى الزمن في المستقبل مثل غدا ، ولو قلنا آتيتك غدا وسأتيك أمس لتحول الكلام إلى محال بسبب عدم التوافق المعنوي بين الكلام أو كما قال سيبويه : وأما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره ومن هنا فالمستقيم الحسن هو أعلى درجات الفصاحة وقد حاز هذه المرتبة بسبب التوافق المعنوي بين الكلمات وعدم خرق معيار منزلة المعنى .
وأما المستقيم الكذب فهو الذي يشتمل على الخيال والمجاز أو المعنى غير الحقيقي ومثّل له سيبويه بقوله "حملت الجبل وشرب ماء البحر" ، وأما المستقيم القبيح فقد أشار إليه سيبويه بقوله أن تضع اللفظ في غير موضعه نحو "زيدا قد رأيت، وكي زيدا آتيك" ، ففي الجمل السابقة وضعت "قد" مع "زيدا" وحقها أن ترتبط بالفعل كما ارتبط "كي" مع "زيد" وحقها أن يليها فعل، وفي هذا خلاف بين النحاة حول اختصاص حروف المعاني فمنهم من ذهب إلى اختصاصها بالدخول على الأسماء أو الأفعال وفقا للمعيارية البصرية، ومنهم من ذهب لعدم اختصاصها، وبهذا يمكن القول بأن تؤكد "قد" الرائي "زيدا" كما تؤكد فعل الرؤية "رأيت" .
وأما المحال الكذب فأن تقول " سوف أشرب ماء البحر أمس " فهو تناقض معنوي ، ومعنى غير حقيقي يشتمل على المبالغة والخيال والمجاز حيث جاءت سوف لدلالة على المستقبل ولفظ الزمن لدلالة على الزمن الماضي مع وجود المجاز في شرب ماء البحر .
ثم أشار سيبويه إلى الفرق بين الشعر والكلام بقوله " واعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام من صرف ما لا ينصرف يشبهونه بما حذف واستعمل محذوفا " .
فقد أراد سيبويه أن يعرض كلام العرب ومذهبهم في الكلام المنظور والمنثور وذكر شواهد على ما جاز في الشعر ومنها الحذف فيحذف الشاعر ما لا يجوز حذفه في الكلام لتقويم الشعر كما أنه قد يزيد لتقويمه أيضا . نحو قول الحجاج " قواطنا مكة من ورق الحمى " قاصدا الحمام . ومما ذكره سيبويه زيادة الياء في الجمع في الشعر فيما ليس حكمه أن يجمع بالياء نحو قولهم مسجد مساجيد وصيرف صياريف .نحو قول الفرزدق " نفي الدراهيم تناقد الصياريف " ووجه الكلام أن يقال دراهم وصيارف .
وفي هذا الباب إشارة إلى نظرية نحوية دلالية إذ يظهر فيه عمق التفكير عند سيبويه في بناء الجملة والبناء اللغوي للتراكيب اللغوية العربية وفق المعنى .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات