الروتين هو أن تحيا بلا روح..تسير في أيامه جسداً بلا روح

لا أعلمُ حقاً ما يجب على فعله الآن...تبدو الخيارات المتاحة أمامي مُغريةً للغاية النهوضُ من السرير, تناول الإفطار...مُجالسة أفراد عائلتي ...التحدُث مع أصدقاءِ تَمضيةِ أوقات الملل لا أصدقاء العقل والقلب الخيالين...!

هل علي الكتابة...مهلاً أنا أكتبُ الأن...

أستطيع رؤية الكلمات تتطايرُ أمامي...في بعض الأحيان أستطيعُ أن أكون حاضرةً في حياة بعض الأشخاص الورقيين فقط وأنا أنظرُ الى السقف, وربما وأنا مع عائلتي أو مع الأصدقاء, والكثيرُ من تلك القصص التي أكون حاضرةً فيها وأنا أنظرُ لشخصٍ يحاولُ أن يخبرنني بالكثير والكثير من المعلومات غير القيمة مثل الجامعة....


نعم أنا أشعرُ بالروتين اليومي...ذلك الروتين الذي يحولُ الحياة في بعض الأحيان الى فراغٍ واسع, تجولُ فيه الأرواح بحثاً عن ذلك الإكسير الذي يُعيدها الى الحياة...

فالروتين أشبهُ بأن تكونَ جسداً يتحركُ بروحٍ نائمة, الروتين هو معرفة تفاصيل القصة, أحداثها وشخوصها ونهايتها وبدايتها....حتى أنك تعلمُ جيداً ما هي المُعيقات والصدف المحتملة في أيامها الرمادية...الروتين يجعلُكَ أحيانا تشعرُ كأنك آلةٌ ما, تتحركُ تلقائياً وِفق برنامجٍ مُحدد ومكرر ...وكأنك تفعلهُ دون شعور, دون لهفة, دون شغف, ولا تُفرقُ بين ليل وصباح أيامه...!

لستُ أنا فقط من أغوصُ في ظلام مُحيط ذلك الروتين, فأصدقائي كذلك, عائلتي, الجيران...الجميعُ تقريباً....


حينما كُنت صغيرة أخبرتني أُمي أن الحياة المدرسية مُملة للغاية وأن الحياة الفعلية والمغامرات هي عنوان فصل الحياة الجامعية....فكنتُ أنتظرُ السنوات حتى تتنتهي حياة الطلاب التي تنطوي على الكثير من الواجبات الدراسية, والمشاجرات المدرسية, والضغوط المنزلية, والملل طوال نهايات الأسبوع, التي تُعاد فيها زيارةُ الأقارب أو النزه العائلية المشحونة...

وحين ذهبتُ للجامعة, وجدت ذلك الأكسير, فكان من المُمتعِ الحصول على الحُرية, وتجربة العيش وحيداً وتحمل المسؤولية, وتكوين الصداقات وحضور الصفوف المُختارة بمواعيدٍ تُزيل حِملَ الإستيقاظ باكراً في بعض الأحيان...!

نعم كانت جميلة...ثم بدأ شبحُ الروتين يُسيطرُ على سُطور ذلك الفصل يا أمي...!

فأصبحت الصفوف مملة ومكررة....وكأن العِلمَ يقتصر ُ على سرد ما لا فائدة منه...وأصبح الأصدقاءُ أصدقاء الملل والجلوس سوياً في مقاعد إنتظار الحافلات, وأصبحت الإستقلالية عنواناً آخر للوحدة....!!


وحينما قررت الحياة أن تُنجبني في بلادٍ يعيش الكتاب كالفقراء فيها, وتوضع الموهبة على رفوف الهواية, ويصبحُ العمل الروتيني يُسدد الفواتير ويملأ البنزين...أصبح العمل وجهاً آخر للروتين...!


حتى الحياة الزوجية, التي تظنُ الفتيات أن وجودَ الشريك في أيامها سوف يضيف الأُنسَ والمتعة لحياتهن, يتنهي الأمرُ فيها باكراً...فبضعةُ سنواتٍ و يعتادُ كلاهما روتيناً آخر, ويصبحُ حوارَ الأيام المقبلة...ثُمَ تصبحُ المسؤليات والأطفال الضيف الثقيل على حياتهم....وحتى يتعايشان مع فِكرةَ أنها الحياة, وأنهم ضيوفٌ دائمين, حتى يبدأوا البحث عن روتينٍ عائلي يصوغُ غلاف حياةً كاملة ومستقبلٍ آخر...!


هل الروتين هو ذلك الشبح المظلم الذي عليك أن تستيقظ كُلَ يوم بنية محاربته...؟

هل الروتين هو أغلبُ فصول الحياة...؟

هل الروتين هو أن تكتب قصتك و تُكررَ تجربتها مرارً وتكرارً , وأنت تعلمُ أن اليوم هو الغد والغد هو البارحة...؟!

هل نحن من نصنعُ الروتين ؟؟ أم أن الحياة تنطوي على فِكرةِ ما هو جميلٌ اليوم بالنسبة لي قد لا يُلائم ذوقي غداً...؟ وأنا اليوم شخصٌ وغداً أغدو آخر...؟!

أم أن إيقاع الروح يتراقصُ على ألحان البدايات.....ويبكي على شُموع النهايات وما بينهما أيام الروتين الباردة... ؟!

إقرأ المزيد من تدوينات مدينة الياسمين

تدوينات ذات صلة