امنحي نفسك حياة قبل ان تمنحي واحدة, وأحبي نفسك حُباً جماً قبل ان تُعلمي أن تمنحي حُباً غير مشروط لعائلتك...
أشعةُ الشمس تبَدو جميلةً جداً اليوم, تَمُدني بالطاقة والتفاؤل كي أبدأ يومي بنشاط, انا أُدعى ليلى, رَبةُ منزل, أعيشُ في قَريةِ البُسطاء, أُربي الدواجن والماشية, مُتزوجة ولدي أربعةُ أطفال يأخذون كُل وقتي...
أستيقظُ باكراً لأُطعمَ الخِراف والدجاج, ثم أذهبُ الى المنزلِ بِسُرعة قبل أن يَستيقظ زوجي, أُحضرُ لهُ البَيضَ والحليب, وقليلٌ مِن الجُبن, أُحضر ملابسه وأَدعو أن يكونَ يومهُ جميلاً.
يعملُ زوجي مزارعاً, يَقضي طوالَ يومهِ تحت أشعةِ الشمسِ, التي تتحولُ في الظَهيرة الى رئيس عملٍ قاسي, يَجلدُ عُماله بسوطٍ من نار, أَطبعُ قبلةَ الوداعِ على جبينه وأذهبُ لأيقاظ الأطفال.
لدي إبنتان, جولي في العاشرةِ من عُمرها, وجُودي في الثانيةََ عشر, أما التوأمان من الصبيان فكِلاهُما في الثالثةِ من العمر, يَستيقظانِ باكراً, ويَهمان باللعب ونَشر الفوضى في المنزل, ما أن أُحضر طعام الإفطار حتى يكون المنزلُ في حالةٍ عَارمة من الفوضى, جودي عزيزتي تُساعدني دوماً, فإنجابُ البِكر فتاة لهو حظٌ جميل, فهي تَهمُ لِمُساعدتي في الطبخ والتنظيف وفي العنايةِ بأخويها حتى أُنجز العَمل.
يتناولُ أطفاليَ الأعزاء فطورهم, وتتجه الفتاتان الى المدرسة, أما الشقيين فأُرسلهم الى شقيقتي, حتى أتوجهَ الى عملي في مصنعٍ يقع في مدينة الياسمين, التي تَبعُد ساعتينٍ عن منزلي.
تلك المدينة التي كُنت أعُلق صورها على حائط غُرفة الطفولة الوردية, وأجمعُ مِسوداتِ مُخططاتي حينما أقطنُ في منزلي الوردي, ولكن تُتاح لي الفرصةُ الآن لزيارتها كُل يومٍ للعمل, وهذا يٌرضي طفلتي الصغيرة.
شَعرتُ اليوم أن شَقيقتي بدأت تَتململُ من المكوثِ مع أطفالي كل يوم ريثما أعودُ من العمل في الخامسة, ولكن ما باليد حيلة, فعلي العمل كي أُعينَ زوجي, فالحياة برفقةِ أربع أطفال مُكلفة للغاية.
على أية حال, شَكرتُها بِلُطف وقَدمتُ لها بعض البيض الطازج, وغادرتُ مسرعةٍ كي أستطيعَ اللحاق بالحافلة, التي تَنقُلنا الى المدينة, تاركةً خلفي طِفلان يَبكيان وبالكاد أفلتا ثوبي لأُغادر, أُفكر بهما كثيراً, زوجي يقول لي لا بأس, إنهما طِفلان, وعلينا أن نَعملَ ونَجنيَ المال لإطعامهما, ولكن لا يعلمُ الأب أن الأُم تُسجن طوال يومها في سجن أَفكارها المُرتبكة, حول ما يفعل أطفالها في هذه اللحظة, وهل هم جائعون..؟!
وَصلتُ المصنع وبدأتُ أعملُ بِسُرعة, لعلي أُغادرُ اليوم مُبكراً, لأصلَ إلى المنزل و أُحضرَ طعام الغداء قبل أن يعودَ زوجي, أتسائلُ هل أخبرتُ جودي أن تَحذرَ من الزُجاج في المطبخ ولا تدع أخويها يقتربان من المدفأة...؟!
أنهيتُ عَملي أخيراً, وفشل مُخطط العودة باكراً, يا ليتني أمتلك يدين أُخريات, كُنت أنهيتُ العمل باكراً...
بَعد يومٍ طويلٍ من العمل أجلسُ في الحافلةِ الرثة لأعودَ إلى أطفالي, يجلسُ أمامي شابٌ في مُنتصف العُمر يَسخرُ من ملابسي, يقول لصديقه تبدو قروية ولكنها جميلة...!
أُرددُ لِنفسي لا تكترثي, لا تكترثي , أغمضتُ عيناي قليلاً, فأنا مُنهكةٌ للغاية.
وصلتُ المنزل, كانت جودي تُساعد جولي في دُروسها, عزيزتي الصغيرة, التوأمان يلعبان, جيد, وضعت مِعطفي جانباً وتوجهتُ الى المطبخ مُسرعة لأُحضرَ الطعام, وكُنتُ أُردد...سوف يكونُ الطعام جاهزاً خلال دقائق لجولي التي كانت تتضور جوعاً.
أنهيتُ الطعام الذي أنهكني لساعةٍ ونص من الوقت, وعاد زوجي أخيراً من العمل, تناول طعامه, أخبرني أنهُ ليس لذيذاً, إعتذرتُ منه وأخبرتهُ أنني تأخرتُ في العمل, وغداً سوف أطهو لهُ طعامه المُفضل, ذهب ليغفو قليلاً, وذهبت لأُنظف الصحون في حين جودي تُراقبُ أشقاءها... يالي من حمقاء كيف لي أن أُعدَ طعاماً كهذا..؟!
عزيزي يَعملُ طوال النهار, ليعودَ و يأكُلَ طعاماً ليس لذيذا, غداً سأخرجُ باكراً غداً وأُحضر لهُ الطعام الذي يُحبه...ولرُبما أُحضر الحلوى أيضاً.
أخيراً حل الليلُ بِنَسماته العليلة, كُنت قد إنتهيتُ تواً من تنظيف الأطفال, و وضعتُهم في الأسرة, وأخبرتُهم قصةً جميلة لِلنوم...أخبرتني جودي أنها مُستاءة من عملي, فهي تعودُ من المدرسة لِتدرسَ وتساعدُ جولي في دُروسها, وتراقبُ الصِغار ريثما أعودُ من العمل, في حين أن صديقاتها يلعبنَ في ساحةِ القرية, يا إلاهي انه حملٌ ثقيل على طفلة في الثانية عشر من عُمرها, سوف أسهرُ اليوم لأُحيكَ لها وشاحاً جميلاً.
أَشعةُ الشمس تبدو جميلةً جداً اليوم, تَمُدني بالتفائل والنشاط كي أبدأ يومي, انا أُدعى لمياء, أَنهيتُ مدرستي الثانوية في القرية, كُنتُ أَعملُ منذُ سِن الخامسة عشر, أُخيطُ ملابساً جميلة لأهل القرية, حتى أجمعَ مالاً كافياً وأرتادُ الجامعة في المدينة وأقطنُ فيها...
كانت أُمي تُحبطُ آمالي دوماً, وتَسخرُ مني, وتقول لي أنني أُضيعُ وقتي بين هذه الكتب التي لا تنفعُ الزوجة الجيدة بشيء.. وأن علي أن أتعلمَ الطهو والتنظيف حتى أتزوج, كذلك كانت أخواتي يُخبرنني... ولكن كان لدي حُلم, الإلتحاقِ بالجامعة, وأن أدرُسَ تَصميم الأزياء وأعمل في المدينة, أنظُر الى صوري تَخرُجي من الجامعة, مازلت لا أُصدق أنني كُنت أُخبأ كنزاً من العزيمة لأصل الى حُلمي, مرت 4 سنواتٍ بالفعل, كانت جميلة جداً, حظيتُ بوقتٍ رائع, أُضيف الى رصيد خِبراتيِ المتواضعة, صحيحٌ أنني كُنتُ أَعملُ نادلة, وأحياناً أُجالسُ الأطفال كي أجني مال السكن الجامعي وثَمن كُتبي, ولكنني كُنت سعيدة, فأنا أعملُ لأجلي, أنا أجتهدُ لأجل لمياء, تفوقت في السنة الأولى وحصدتُ مِنحةً دراسية أزاحت عني ثقلاً كبيراً, ومحاولة السقوط في بئر الزواج المبُكر.
غادرتُ المنزل بعد أن تناولتُ طعام الإفطار, تحدثتُ قليلاً مع شقيقتها على الهاتف, كانت
كُنت أفكر أنني في العشرينيات, أعيشُ مع فتياتٍ رائعات, وأدرس في جامعةً رائعة وأعيشُ في مدينة رائعة, حتى عملي الذي تسخر منه أخواتي يبدو رائعاً, وكنت أفكر ان ليلي في مثل عمري كانت تسهر طوال الوقت وهي تحاول تهدئة جودي التي كانت تبكي كثير اً في اليل وزوجها يتمتع بنومه, وفي الصباح تعمل في المزرعة وثم تذهب الى المصنع وتعود لتنظف وتطبخ, وانا اذهب الى عملي وفي المساء ادرس قليلاً واخرج استمتع مع صديقاتي...
لا أُريدُ أن أبدو في الأربعين من عمري وانا في الثلاثين, لا أريد أن أُفنى لأجلِ زوجٍ أو طفل, اريد ان احصل على حياة أولاً, ان أسرق من الزمن الذي يطالب المرأة بفداء حياتها بلحظات حبٍ للذات أصنع بها نفسي أولاً...
لذلك عملت واجتهدت في دراستي وانتقلت الى المدينة, وانهيت دراستي الجامعية,
ها أنا اليوم اعمل متدربة لدى مصمم أزياءٍ معروف في المدينة, في كل يوم اتعلم الكثير والكثير عن الأزياء وكيف أظهر جمال المرأة, أرى نساءً مختلفات في القرية, ربما ان رأت نساء القرية أمراة تبتاع حذاءً بهذا القدر من المال لقالوا عنها ساحرة شمطاء أنانية, ولكنني أرى انها تعمل بجد وتحب ذاتها, سوف تكون يوماً زوجة وأم وسوف تغلب عاطفتها على احتياجاتها وتغدو تنسى نفسها شيئاً فشيئاً حتى تصبح رماداً, ولزوجها وأطفالها فعملها هذا هو حق مكتسب, والرجل صاحب العضلات يعمل مثلها وربما اقل منها وفي المنزل يغدو طفلاً صغيراً يحتاج لإطعامه وإلباسه والعناية به.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جميل جداً👍🏽تحية حب لكل إمرآة طموحة لا تسمح لمسؤولياتها تجاه أسرتها أن تطمس طموحها وذاتها