عند عيش طفولة متميزة في المدرسة و التفوق الدائم ، دائما مستبقا أقرانك، تصادف يوما ما أنك لم تعد مستبقا الأحداث .

و هوب فجأة اختفى التميز، لسبب ما لم تعد تستطيع مجابهة الإيقاع، و تدخل في أزمة أنك لم تعد جيدا كفاية لفعل أي شيء، حينها غالبا ما يفتح باب الإحباط، و أسئلة كثيرة تجوب خاطرك لا تستطيع الإجابة عنها، فهل فعلا ستستمر أم سترضخ لواقعك.


كثير من الأشخاص ممن يعيشون بهذه الفكرة،بفكرة أنهم يجب أن يحقق المركز الأول في كل المجالات، و لا يتقبلون رؤية غيرهم في الصف الأول ، ليس حقدا منهم بل ظنا أن لا مركز يستحقونه دون المركز الأول ، يظنون أنفسهم أفضل من الكل، و لا يعطون احتمالية أن يصتدموا بمن هو أفضل منهم، أو بالأحرى لا يمنحون أنفسهم حق المركز الثاني حتى و لو أرادوا ، اعتقادا منهم أن ما عدا المركز الأول ليس جيدا، كأن المركز الثاني وباء وجب اجتنابه.


إن كنت ممن يؤمنون بهذه الفكرة، أولا الكون لا يتمركز حولك ،لا لست كذلك هناك الآلاف مثلك ،فعلا انت متميز، كل فرد متميز عن غيره لكن لا أحد أحسن من الثاني ، و لا بأس في أن تكون مثل غيرك فهذا هو الطبيعي،

ثانيا من الجيد أن تكون متميزا، لكن ما ليس بمقبول هو أن تجحف في حق نفسك إن لم تحصل على الدرجة التي تريدها؛ إن أنت بدلت جهدك هذه المرة ابدل جهدا أكثر بطريقة أذكى في المرة المقبلة، و لا بأس في أن لا تكون الأول ، المهم هو أن تسابق نفسك و ليس غيرك فلكل ظروفه،قد لا تكون الأول في مجال ما لكن الأول في غيره، درجتك المتراجعة في مجال ما قد تمنحك الفرصة للتميز في جانب آخر .


هذه الظاهرة أسبابها عدة، لكن قد تكون راجعة في بعض الأحيان إلى أخطاء تربوية، و أردت أن أضع الأصبع على خطأ شائع لدى الأهالي ، ألا وهو تسجيل الطفل في المدرسة بسنة قبل سنه القانوني، و تلقينه مهارات دراسية قبل أوانها، ظنا منهم أنهم يساعدونه على التميز و التفوق، قد تكون هذه الطريقة في سنواتها الأولى تبدو "جيدة" هذا إن كان الطفل سريع الاستيعاب، لكن على مر الزمان و توالي السنوات يتولد لدى الطفل أو المراهق إحساس بعدم الكفاية، دائما في حاجة إلى تقديم و عمل المزيد على شتى الأصعدة حتى و لم تُطلب منه، يولد هذا داخله إحساسا بعدم الكفائة و النقص ، رغم أنه أدى ما عليه و أتم واجبه على أكمل وجه، إلا أن رؤيته لنفسه لم يقدم شيئا إضافيا مقارنة بأقرانه حتى لو لم يطلب منه كفيل بتوليد شعور النقص و عدم الكفاية لديه، دائما يريد تقديم المزيد كي يشعر بالرضا عن نفسه.

من المفرح اهتمامك بابنك و رؤيته موفقا ، لكن لكل شي مقياسه و أوانه. لا داعي لاستباق الأمور ، أحيانا إيمانا من الأباء أنهم يجهزون أبنائهم لما هو أفضل ، يتسببون عن غير قصد في توليد خلل قد يؤثر على تركيبتهم النفسية، و بالتالي حياتهم المستقبلية.


أن يرتاد ابنك المدرسة في سن السادسة بدل الخامسة من عمره، ليس تأخرا، بل يمنح طفلك فرصة 365 يوما إيضافيا لتكوين النضج اللازم و اكتشاف تجارب جديدة ستؤهله لبداية فصل جديد و مرحلة جديدة بصدر رحب.

أثناء دراسته في المرحلة الابتدائية و تلقيه للمفاهيم اللغوية و الحسابية الأولية، ليس عليه أن يتلقن مفاهيم من مستوى عالي و الاطلاع على مقرر المستوى الإعدادي، لكن هنا أضع خطا توضيحيا بأنه في حال كان طفلك ممن يستوعبون المفاهيم بسرعة و يتشربونها بوعي أكثر من أقران سنهم لا بأس في تقديم المزيد لهم حتى لا يكون هناك انقطاع في دورتهم التعليمية و لا يشعروا بنوع من الجمود و الملل ، و أعيد التأكيد أن هذه حالة استثنائية ، في الغالب لا تحاولوا الضغط على أطفالكم و لا تستبقوا الأحداث، على العكس حاولوا تعريض أطفالكم لكثير من التجارب المختلفة ،كتسجيلهم لممارسة رياضات معينة حسب سنهم ،أو اصطحابهم لمعهد فنون موسيقية، هذا سيعزز رصيد تجاربهم الحسية و سيساعدهم على صقل شخصيتهم و اكتشاف مواهبهم .

رويدا رويدا... لكل شيء أوانه.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نغم الحياة

تدوينات ذات صلة