أنت لست مهمًا على الإطلاق..... أليست فكرة مريحة؟!!

أعرف أنه قد يبدو من الغريب قول هذا ولكن عصر تقدير الذات وتحفيزها والفردانية قد لعبت دورًا مفزعًا في تاريخنا البشري.


أنت تعيش في عالم تكون فيه الابن الذي تُعلّق العائلة كل أمالها عليه، أن تسمع صرخات من أولئك المحفزين تخبرك بأنك قادر بل وواجب عليك تغيير العالم، أن يضع عليك العديد والعديد من الأشخاص الكثير من الآمال وأنت ببساطة لا تريد خذلانهم!


لنرجع بذاكرتك قليلًا إلى آخر مرة أخفقت بدراستك أو عملك أو قمت بتصرف أحمق، هل لا تزال تشعر بالخجل حتى الآن؟ وتواصل توبيخ نفسك؟ لكن لماذا؟ ما نسبة الأشخاص الذين قد يقومون بما قمت به؟ أو يخطئون الخطأ الذي أخطأت؟ أو يصيبهم ما أصابك؟ الكثير!!


إذًا لماذا يبدو من المخزي أن يحدث هذا معك؟ هل لأنك من المفترض أن تكون شخصًا عظيمًا، بشخصية ساحرة، تسحق النجاح تلو الآخر؟


الحقيقة ليست أنك لست مهمًا على الإطلاق، بل هي أنك لست أهم من أي شخص آخر، لذلك ليس من العار أن يصيبك ما يصيب غيرك من البشر لأنك ببساطة مثلهم!


لا أزال أذكر تلك الفتاة الغاضبة من أيام الجامعة، حين جاءت غير راضية عن أدائها في أحد المشاريع، لتجلس أمام الجميع وتوبخ نفسها: كيف سمحت لنفسي بتسليم مشروع بهذا المستوى؟ كان علي عدم تسليم أي شيء؟ كيف لي أن أكون بهذا المستوى وأحصل على درجة كهذه؟


على الرغم من التعاطف والدعم المزيفين الّلذين أظهرتهما، ما كنت أفكر به كان حقيقة وجود أشخاص آخرين يقومون بمشاريع بمستوى مقارب كل يوم، ويحصلون على درجات مقاربة إن لم تكن أقل، فلماذا قد يكون من العار حدوث هذا معها؟ لأنها ببساطة لا ترى نفسها كالآخرين!


بالتأكيد من السهل الحكم على الأشخاص والمواقف حين تكون بعيدًا عن المشهد، ولكن الحقيقة أنني لم أكن أفضل حالًا من تلك الفتاة، وطوال حياتي شعرت بالكثير من الخجل إزاء بعض القرارات الخاطئة التي اتخذتها، والمواقف المحرجة التي أقحمت نفسي داخلها، لقد كنت عرضة للقلق معظم حياتي حول ما سيعتقده الآخرون عني، ولطالما شعرت أنني لم أكن كافية على الإطلاق.



من وما الذي يحدد قيمتك؟


هل عدد المتابعين والإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعي يثير قلقك؟ هل عليك أن تكون نجم الساحة ويضحك الجميع على نكاتك ويقدروا كل إنجازاتك ويتعاطفوا مع أحزانك؟ ولكن لنكن واقعيين أنت تقول الكثير من الهراء، والله وحده يعلم عدد النكات السيئة التي تطلقها، ولكن الجزء الجيد من هذا كله هو من يهتم؟ لا بأس بأن تكون أحمقًا أو مهمشًا لفترة من الزمن ولمجموعة من الناس، لأنك ببساطة شخص عادي جدًا ولست محور الكون، أنت لست قريبًا حتى!


الخجل ينبع من توهمك لأهمية مبالغ فيها لنفسك... أنت لست مهماً كما تعتقد..لست مهماً على الإطلاق وليس هناك شخص متفرغ لمراقبة خلجاتك و أخطاءك.. لو أنك أخرجت كسرولة ووضعتها على رأسك فلن يهتم أحد أكثر من ثلاثة دقائق - د. أحمد خالد توفيق


الأبطال الخارقون


من منا لم يسمع بالكاتب الروسي "فيودور دوستويفسكي"، يعرفه العامة قبل القراء ولست بحاجة لإخبارك عن كمّ الاقتباسات الصحيحة والباطلة التي تُنقل عنه، لكنّ ما يميز كتاباته حقيقة هم أبطاله فهم ليسو من الرجال الشجعان مفتولي العضلات أو النساء المذهلات، بل هم أشخاص عاديّون مثلي ومثلك، فالبطل في "رسائل تحت الأرض" هو رجل بائس وحزين في الأربعين من عمره يقرر كتابة مذكراته، ليظهر شخصيته المتناقضة بكل معنى الكلمة، شخص يظهر عكس ما يبطن، يقرر أن يقوم بفعل معين ثم يذهب ليفعل عكسه، يفكر ويحلل ثم يقوم بشيء لا يقبله عقله ولا ضميره.


وحتى في "الجريمة والعقاب" البطل "راسكولينكوف" هو شاب جامعي عادي، يعيش حياة عادية ربما مع بعض الأحوال والظروف غير العادية، ستكرهه حينًا وستحبه حينًا آخر، ستحب صنعه مع صوفيا ومع أخته وربما مع صديقه "رازوميخين"، ولكنه سيقوم بالكثير والكثير من الحماقات والأفعال المشينة والمحرجة في بعض الأحيان، ستحبه ثم ستكرهه ثم ستتعاطف معه ثم ستحقد عليه، ومع نهاية العمل قد لا تدرك مشاعرك النهائية تجاهه ولكنك ستدرك بالطبع أنه إنسان، يشبهك ويشبهني بكل علاتنا وبطولاتنا الإنسانية، فهذا هو الواقع فلا وجود لأشباه أبطال مارفل في عالمنا الحقيقي.

إن ماركوس أوريليوس الذي يُعتبر أحد أكثر الأباطرة المحبوبين في التاريخ الروماني، وأهم شخص في العالم في ذلك الوقت حرفيًا، كتب لنفسه مرارًا وتكرارًا مذكِّرًا نفسه بأنه لم يكن في الواقع صفقة كبيرة!


ولكن لماذا عليك أنت أن تتعاطف مع ذاتك؟


قد يكون أعظم وأهم سبب هو أنك الوحيد الذي يعرفك حقًا، أنت الوحيد الذي تعرف كل كفاحاتك وعثراتك، وكل المرات التي خُذلت بها، وكل المواقف التي كسرتك، كل محاولاتك ودموعك وإخفاقاتك، تلك الظروف المخفيّة عن الكثير، وتلك الحكايا التي تخفيها رغم كونك ثرثارًا حقيقيًا.


لا أحد يعرفك مثلك، يمكن للناس أن يسارعوا في الحكم عليك وبناء تصوراتهم عنك، لكن هل تلك المعرفة والانطباعات التي صنعوها عنك دقيقة؟ مستحيل! لذلك أقول لك: لا تشغل بالك بهم!


وحتى لو أخذوا وقتًا لمعرفتك وبناء انطباعهم عنك، هل هذا يعني بالضرورة الحقيقة؟ هل قيمتك تعتمد فقط على إدراك الناس لك ورأيهم فيك؟ في الغالب لا، فكما يقول "ديل كارنيجي":"عند التعامل مع الناس تذكر أنك لا تتعامل مع مخلوقات منطقية، ولكن مع مخلوقات مليئة بالتحيز يحفزها الكبرياء والغرور."



لقد قمت بالعديد من الأخطاء وجنيت الكثير من الإخفاقات، ولا حاجة لذكر كل المواقف المخزية والمحرجة والمشينة التي مررت بها، وكل الذكريات الحزينة والأشخاص السامّين ممن خذلوك أو غدروا بك، لكن من يهتم؟ إن هذا كله جزء من الحالة البشرية، جزء من كونك إنسانًا عاديًا فقط لا أكثر ولا أقل، أنت لست مهمًا على الإطلاق ، أليست فكرة مريحة؟



تقوى يوسف

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تقوى يوسف

تدوينات ذات صلة