العودة إلى فطرتنا الـــBig Five

بعد تجارب كثيرة فى الحياة وبعد صعوبتنا النفسية لا نعرف سماتنا الحقيقة، وهى سمات موجودة منذ طفولتنا لكن تم تشويشنا فى الحياة.

ندور فى كل فترة من الدوائر المتشابكة مع بعضها ولا نكتشف ذلك الا عندما ندرك أننا انتهينا دوائر كثيرة من قبل ونتأمل طريقة سير حياتنا وكيفية ازالتنا لمعوقات ومخاوفنا فى الحياة. حياتنا متشابكة لدرجة كبيرة جدا من التعقيد والاعجاز والإبهار وكيف تلتقى كل الخطوط مع بعضها البعض، كأنك تشاهد حياتك مسلسل تلفزيوني من قبل لكن لكى تدرك وبوعى لكل هذه التشابكات والتزامنات والعراقيل لابد انك انتهيت جزء كبير والصعب فى حياتك لكى تعرف معنى فى حياتك.

ما هى الشخصية:

من غريب اطوار وانطوائى إلى مزعج وجرئ، أن شخصية الإنسان هى شئ معقد وملون. تشير الشخصية إلى أنماط الميزة للشخصية فى التفكير والشعور والتصرف تجاه المواقف المختلفة فى العالم الخارجى للذات، صفات مستمدة من فطرتنا الإنسانية مع تجربتك الحياتية وتنشئتك الاجتماعية. وتتغير الشخصية باستمرار مع تطورك وتغير شخصيتك من واقعك وخبراتك فى الحياة إلا أن تظل بعض سمات ثابتة فى شخصيتك، وهى سماتك الفطرية.

ما هي السمات:

تشير الدراسات والأبحاث الحديثة هى أن السمات هى التى تترك أثر أو انطباع أولى مع الشخصيات التي تقابلهم فى العالم الخارجى. بمعنى أن السمات هى أساس الشخصية التى تنطوى على الشخصية ككل، وهى طريقة مستقرة نسبيًا فى طريقة التفكير والسلوك للفرد، ويمكن أن تستخدمه لوصف شخص ما أو المقارنة بين شخصيتك المختلفة عن شخصيات الأخرين.

أقوال المنظرين فى علماء النفس:

"فرويد" قال أن ما يحرك شخصيتنا هى دوافع عدوانية وجنسية غير واعية بينما قال "كارل روجر" أن لدى الأشخاص ميول فطرية للكبر والنمو لإحداث تغييرات إيجابية فى حياتهم.

وقال "أدلر" أن الطبيعة الذاتية لكفاح الفرد من أجل تحقيق أهدافه التي يسعى من خلالها السعي للتميز في الكمال، بينما قسم "كارل يونغ" الشخصية إلى نصفين انبساطية وانطوائية وأصبح هذا التعريف سائد لفترة من الزمن وأصبح يستخدم في اختبارات نفسية كثيرة.

كيف تقيس الاختبارات الشخصية:

بدأت القصة عندما قام كارل يونغ عالم النفس السريري بوضع نظريته عندما قسم الشخصية الفرد إلى الانبساطية والانطوائية حول افتراضاته نحو الطبيعة البشرية إلى تصنيف، ووضع نظامًا لتنظيم الشخصية يتوافق مع أفكاره دون اختبار ما إذا كانوا يصفون العقل بشخصيات الأخرى.

وكانت النتيجة هو اختبار MBTI الذي قام به الباحث Mayer-Briggs اختبار الشهير الذى موجود بكثرة على الإنترنت، لكن فى النهاية الأمر بواسطة التكنولوجيا الحديثة اليوم قام الباحثون بتطوير أسلوب إحصائي يسمى "التحليل إلى عوامل- factor analysis" ويقوم الاختبار العلاقة بين جميع السمات التى تم اختبارها - مئات أو آلاف من السمات المتنوعة فى الشخصية إلى أن توصلوا من كل هذه السمات إلى 5 سمات فقط - Big Five تحتوى 5 السمات جميع السمات الأخرى.

أى أن كل واحدة من السمات ترتبط على أقل باحدى هذه السمات الخمس، وهذه السمات الخمس لا ترتبط ببعضها ببعض، وأن 5 سمات تشمل فى جوهرها جميع السمات الأخرى. تقوم هذه السمات ال5 من رسم شخصيتنا من الطفولة حتى مرحلة البلوغ.

ما هما الــ Big Five:

ما يميز هذه الدراسات هو انها لم يتم اكتشافها بواسطة المنظرين لعلم النفس، إنما تم اكتشافها بواسطة دراسات تجريبية على عكس اختبار "Mayer-Briggs "MBTI الذي استمد الاختبار على نظرية كارل يونغ عندما قسم الشخصية إلى نصفين الانبساطية والانطوائية نتيجة عمله من الملاحظات الصارمة للناس.

تم تطوير نظرية Big Five والنظريات المستخدمة لشرحها بناءًا على الملاحظة العلمية الدقيقة، والتى تأخذ نمط OCEAN ويغطى كل عامل من عوامل الشخصية مجموعة جوانب داخل كل شخصية.

• Openness To experience- الانفتاح على الخبرة أو الاطلاع على مستوى فكر عالى

هو الانفتاح على العالم الخارجى من ألغاز وغرابات وتزامنات وكل ما له صلة بالتفكير والخيال الخصب المجرد مع دمجه فى حياتك بنظرة موضوعية، ويتميز هذه السمة بالأشخاص "المفكرون، والمبدعون، والفنانون" يكونوا فضولين و واسعي الأفق الذين يعملون في وظائف تتطلب قدر كبير من الذكاء والخيال والإبداع.

ويشمل الاستبيان الذى يقيس هذه السمة (أنا شخص خلاق أقوم بطرح أفكار جديدة، لدى الفضول لمعرفة الكثير من الأشياء، أنا ذكى و واسع الأفق، لدى خيال واسع) ومن الأمثلة المعاكسة للسمة (أفضل العمل الروتيني، أفضل العمل المكتبى، لا أحب الموسيقى، لا اهتم بالفنون، أحب الحياة كما علمنى ابائى)

• Conscientiousness- الضمير أو الوعى

هذه السمة مرتبطة إلى حد كبير بالحكمة الداخلية لدى الأنسان وحكم تصرفه تجاه نفسه والأشخاص والعالم الخارجى، ويتميزون هؤلاء الأفراد بإيمان بالقيم والأخلاق النبيلة ومعرفة الحق من الباطل والتى أساسها فطرة الأنسان. الأشخاص الذين لديهم هذه الصفة يتمتعون "بالقدر عالى من المسئولية تجاه أنفسهم والآخرين، ومجتهدون، وقدر عالى من ضبط النفس"

وهم يختارون النقاط التالية فى الاستبيان (أقوم بعملي بجهد واجتهاد، أعرف نقاط ضعفى جيدًا، أقوم بعملي بإتقان، أضع الخطط والتزم بها)

• Extroversion- الانبساطية

هذه السمة مرتبطة بالأشخاص الاجتماعيين بشكل خاص و منتشرون فى كل مكان، الذين يتميزون بالثرثرة وكثرة الكلام مع الغير والغرباء إيضًا و دائما ما يبدون أطراف الحديث مع الغرباء فى أول لقاء لهما، وكثيرين الحركة والنشاط والحيوية ولا يخجلون.

وهم يختارون النقاط التالية من الاستبيان (بتكلم كثيرًا، كثير الحركة، كثير النشاط، مثير للحماس، انا شخص اجتماعى، أحب الاجتماعات والانشطة)

عكس السمة هما الانطوائيين هما متعمقين داخل ذاتهم، وقليلي الحركة والكلام، وكثيرين النشاط لكن داخل عقولهم، هم خجولين ولا يحبون الاجتماعات والمناسبات.

وهم يختارون النقاط التالية من الاستبيان (انا قليل الكلام، أنا كثير التفكير داخل نفسي، لا احب المناسبات، لا أقوم بحركة كثيرة)

• Agreeableness- الانسجام أو التوافق

هذه السمة مرتبطة بانسجام العقل والقلب تكون نتيجته بالسلام النفسى الداخلى للشخص وأيصًا بالسلام والمحبة والإخلاص فى العالم الخارجى وأفياء للأشخاص وزملائهم في العمل، و يتمتعون بالمصداقية الكبيرة والدبلوماسية وحل المشاكل بالطرق السلمية ويتجنبون الصراعات والمشاكل التى ليس لها قيمة. ومن عيوب هذه السمة أنهم لا يتقبلون النقد ولا نقاط ضعفهم.

وهم يختارون هذه النقاط التالية من الاستبيان (لا أحب النقد على نفسى ولا على الأخرين، لا أحب أن أظهر بالضعف، لا أحب ان ابحث عن عيوب الآخرين، لا أميل إلى تشجيع الخلافات بين الأشخاص، لا أعامل بالتكبر والغرور مع الاشخاص)

• Neuroticism- العصابية

هذه السمة مرتبطة إلى حد كبير بتقلب المزاج وعدم استقرار العاطفى والنفسى، فهم يتغيرون مزاجهم كل لحظة وبل يتغيرون مزاجهم مع الاشخاص بكل دقيقة من المناقشات بينهم، وإيضَا بالصراعات الداخلية وقلة الثقة بالنفس وعدم اعتمادهم على الأخريين.

وهم يختارون هذه النقاط التالية من الاستبيان (متوتر احيانًا، أميل إلى الاكتئاب، أميل إلى الحزن، كثير القلق، أعانى من تقلب المزاج، كثير الغضب)

مثال - "تجربة المارشملو"

إحدى التجارب المذهلة التى تبين مدى ثبات سمات الشخصية هى تجربة "المارشميلو" الشهيرة التى قام به الباحث الأمريكي "والتر ميشيل". قام الباحث بهذا الاختبار يقيس مدى معرفة سمات الشخصية لدى الأطفال من الصغر، وهى دراسة عن تأجيل المتعة لدى الأطفال - Delayed gratification.

حيث تقترح الدراسة وجود علاقة بين سلوك الطفل بعمر صغير ونجاحه فى حياته العملية لاحقًا، وهو مدى ثبات سمات الشخصية وأن السمات الشخصية هى فطرة الشخص الذي يولد بها من إيجابيات وسلبيات وأن التربية لها أثر كبير فى نمو الشخصية من تنمية المواهب ورعايتهم بطريقة سليمة.

تقوم التجربة على فكرة وضع الحلوى "المارشميلو" أمام الطفل، ومن ثم الطلب منه عدم أكل هذه الحلوى لمدة 15 دقيقة وبعدها يحصل على قطعة أخرى بالإضافة لتلك الموجودة أمامه.

والمثير للإهتمام في هذه التجربة هو أنه تم إجراء آخر على هؤلاء الاطفال بعد عدة سنوات عندما أصبحوا بالغين، ولقد تبين أن قدرة على التأجيل المتعة التى تم قياسها فى طفولتهم مرتبطة بالعديد من السلوكيات والقدرات عندما أصبحوا بالغين.

أى من هذه السمات ال5 المرتبطة بتأجيل المتعة؟

لقد تبين أن الأطفال الذين حصلوا على علامة عالية تجربة "المارشميلو" يتمتعون بقدرة أكبر على التركيز وقدرة أكبر على التحكم فى الذات، وقدرة أكبر على تحمل الإحباط، وانهم يتمتعون بمهارات أفضل فى العلاقات الشخصية ذو كاريزما وذو شخصية، وكما يحصلون على علامات أعلى فى الامتحانات القياسية والمقصود بالامتحانات هى التى لها ذات أهمية لدى الفرد مثل امتحان اجتياز اللغة أو شهادة الدكتوراه ليس امتحانات الدراسية.

نستخلص كل ما سبق، أن الانسان او الفرد له صفاته الشخصية المختلفة عن الشخصيات الاخرى، منذ الطفولة ونحن بدورنا ان ننمى سماتنا ونثقلها بخبراتنا الشخصية ونعرف ما هى عيوبنا ونعالجها، وان التربية السليمة له دور مؤثر فى تنشئة الطفل ومعرفة قدراته ومواهبه منذ الصغر .