يقول العالم الكنددي (ريتشارد فولتز) "أن القرآن الكريم هو أفضل الكتب التي أولت البيئة والحيوان عناية بالغة، غير أنه- ومع الأسف- المسلمون في غفلة من هذا"
بالأمس خاطب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش وزراء من 40 دولة محذرا، بقوله ." أن نصف البشرية في منطقة الخطر"، وهي تواجه الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة وحرائق الغابات".
آن الأوان للتدبر والتفكر في هذا الكون و في أفعالنا وتصرفاتنا على كوكب الأرض ،تجاه الطبيعة، يقول رسولنا الكريم" تدبر ساعة يعدل عبادة ألف عام"، ويقول سقراط " حياة لاتدبر فيها ليست جديرة بالحياة"،
أن علاقة الإنسان بالبيئة منذ نزول سيدنا آدم عليه السلام على الأرض، فعمل على توفير احتياجاته من هذه البيئة من غذاء ومأوى وملبس وبذل جهدا كبيرا لمواجهة الظروف الجوية كالرياح والأمطار ومواجهة الحيوانات المفترسة لحماية نفسه، فيقوم بصيدها والاستفادة منها، فتشكل لدى الإنسان الوعي البيئي، فمن الطبيعي أن يفكر في إيجاد الحلول للمشكلات. ومنذ نحو(2500)عام ق.م، كتب علماء الإغريق عن علاقة الإنسان بالبيئة وكيف أن الإنسان بأفعاله وسلوكه ممكن أن يؤثر سلبا أو إيجابا بالبيئة، فيقول أفلاطون مخاطبا قومه" إن معظم العلل الاجتماعية والبيئية التي تعانون منها هي تحت سيطرتكم، على أن تكون لديكم العزيمة و الشجاعة لكي تغيروها".فكان أفلاطون أول من نادى بأن الذي يحدث هو تدهور للبيئة جراء أفعال وتصرفات البشر، حتى أنه أصدر القوانين التي تلزم أي فرد يقوم بتلويث الماء عليه تنظيف البئر أو الجداول بالإضافة لتعويض المتضررين من ذلك التلوث.
وفي القرن الرابع قبل الميلاد تطرق أرسطو في كتابه ( السياسة) الفرق بين سكان أوروبا الباردة وسكان آسيا ، فسكان أوروبا في نظره يتميزون بالشجاعة ولكنهم غير ماهرين الإدارة والفهم والتنظيم ، لذا يفتقدون إمكانية السيطرة على زمام الأمور، وفي كتابه ( تاريخ الحيوان) فسر أسباب الموجات الوبائية للجراد وجرذ الحقل بحيث أصبحت خارج إمكانية السيطرة عليها. أما في الحضارة الهندية فكان الاهتمام بالبيئة يشغل فكر الحكام النبلاء، كمثل ( أشوكا) الذي حكم في القرن الثالث قبل الميلاد، فرأى أن الحاكم ليس فقط عليه ملاحقة المجرمين، بل أيضا الحفاظ على الثروة الحيوانية والنباتية بمنع اصطياد الحيوانات للتسلية، كما أن البوذية حثت الناس على التعامل برأفة مع الكائنات الحية. أما في حضارة وادي الرافدين كان لديهم تقديس لنهري دجلة والفرات لذا بذلوا جهودهم في تطهير المياه وحفر الترع ، وفي العصر البابلي أصدر حمورابي شريعته فكان منها سبع مواد تخص النخيل، وفي حضارة وادي النيل ارتبطت حياة المصريين القدماء بوادي النيل فهو مصدر للنماء والخصب بل أطلق عليه واهب الحياة وخالق الكائنات.
أما في التاريخ الإسلامي هناك وضوح في الاهتمام بالبيئة واحترامها ويظهر ذلك جليا في تحريم تلويث مياه الأنهار والإسراف بها بل أن الخلفاء المسلمين حفروا القنوات والترع لتشجيع الزراعة، وتحريم قطع الأشجار في الحروب ، ومنع الصيد في أوقات تكاثرها، فيقول الله عزوجل في سورة البقرة " كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين". فذلك قانون رباني .
اهتم الفلاسفة والعلماء المسلمين بالبيئة أمثال ابن خلدون وابن رشد والرازي وابن سينا وبديع الزمان الهمذاني والغزالي وغيرهم العديد من العلماء، إنطلاقا من فهمهم للقرآن الكريم حيث تدبروا الايات وربطوها بالبيئة والكون فتلك هي فلسفة للبيئة على أساس قرآني ، الفيلسوف المسلم أبو حامد الغزالي نظر إلى البيئة بأنها كل شيء يسبح الله ويقدسه ،بداء من الذرة حتى النظام الشمسي، أما الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي له نظرة جميلة للبيئة حيث يرى بأنها رقص للذرات وموسيقى إلهية فكل الأصوات في الطبيعة هي موسيقى إلهية فيقول : الموسيقى ليل نهاار .... صوت ناي ساكن وآخر وضاء...إذا ما انتهت الموسيقى انتهت الحياة". أما الهمذاني ربط البيئة بأسماء الله الحسنى فمثلا رأى أن اسم الله القدوس حينما تقوم الكائنات بتطهير الأرض من الملوثات واللنفايات فيدل ذلك على قدسية الله، وحينما نرى الزلازل والفياضانات فكأنها تنادي باسم الله الجبار الجليل وحينما يوزع الله الأرزاق في البيئة يدل على اسم الله العدل وهكذا يورد جميع أسماء الله الحسنى ويربطها بالبيئة.
وفي القرن السابع عشر الميلادي مع بداية الثورات العلمية أصاب الإنسان الغرور، فشعر بأنه سيد هذه الأرض والمسيطر الوحيد عليها حتى أن بعض العلماء أمثال فرانسيس باكون قال" أن على الإنسان إلجام الطبيعة وتقييدها والسيطرة عليها ، ونزع مخالبها "، لم يعد مقبولا لدى جميع المدافعين عن البيئة هذا الكلام، وما أبشعه من كلام !!
علم البيئة لم يزدهر إلا في خمسينيات القرن الماضي ولم يتبلور بشكل واضح كعلم إلا في السبعينيات على يد علماء الجغرافيا والكيمياء والبيولوجيا، فقاموا بدراسة هذا العلم وكيفية التعامل مع البيئة والتصدي للمشكلات بدراسة الحلول المناسبة لها. فبات الاهتمام بالبيئة مطلبا حضاريا خاصة بعد الثورات الصناعية والاستعمار غير الإنساني للبلاد والعباد ، للبحث عن الموارد الطبيعية لأجل الصناعة، فتجلت بوضوح نظرة الانسان القاصرة والظالمة تجاه البيئة فكانت النتيجة استنزاف الموارد غير العقلاني وتدهور البيئة.
بعدما تأزمت مشكلة التغير المناخي والاحتباس الحراري الذي تعاني منه جميع الكائنات الحية والغير حية ،وبفعل الإنسان نفسه الذي حمل الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها. أصبح لزاما على ذلك الإنسان المغرور المتكبر في تصرفاته الرجوع للقيم والمبادئ التى وردت في جميع الكتب السماوية والتشريعات الألهية في هذا الكون ، فالبعد عن الدين والروحانيات والتمسك بالماديات واستهلاك الإنسان الشره للموارد الطبيعة، جعله مجرما عنيفا في حق نفسه أولا وفي حق البيئة المستنزفة ثانيا، بكل ما تحوية من شجر وحجر وحيوانات وحشرات بل بكل مافيها من ذرات الغبار والأتربة وقطرات المطر وجزيئات الماء.
فظهر خطاب العولمة البيئية الذي ينادي ويقول "أننا نمتلك عالما واحدا بكل مافيه من موجودات حية وغير حية، هذا خطاب يدعو لإلغاء الحدود البيئية بين جميع الدول، وتأكد ذلك مع ظهور المشكلات البيئية والتي أبرزها التغير المناخي، وذوبان الثلوج وثقب الأوزون. العالم كله يعاني من تلك المشكلات العالمية ،وغيرها العديد من المشكلات المحلية. ذلك إعلان من البيئة برفض واستنكار لما يفعله الإنسان ، حتى أن
القرآن الكريم عبر عن غضب ورفض عناصر الكون لأهل الضلالة الأشرار، حينما أمر الله تعالى الطوفان لإغراق قوم نوح عليه السلام وعصف الرياح بقوم عاد والصيحة بقوم ثمود وانشقاق البحر وابتلاعها لقوم فرعون. فيشير القرآن الكريم أن الكون يغضب ويثور وينقلب على الإنسان ولا يحزن عليه، وكل ذلك بأمر من الله تعالى. بل أن ما يدعو للتعجب هو العالم الكندي (ريتشارد فولتز) حيث يقول في كتابه ( حقوق الحيوان في الإسلام) "أن القرآن الكريم هو أفضل الكتب التي أولت البيئة والحيوان عناية بالغة، غير أنه- ومع الأسف- المسلمون في غفلة من هذا"
ما يشهده العالم اليوم من حرائق للغابات ناتجة عن التغير المناخي وارتفاع شديدة في درجات حرارة الأرض، ماهو إلا إنذار للبشرية للعودة إلى رشدها، هناك فرضية تقول : إذا انقرضت ديدان الأرض ستنتهي الحياة على الأرض خلال خمس سنوات، أما إذا انقرض الإنسان بعد خمس سنوات ستتجدد الحياة والطبيعة على هذه الأرض"
مع بداية كل يوم جديد على هذه الأرض، ندرك أن الله يعطينا فرصة أن نحيا كراما وبإنسانيتنا عليها،مع ولادة كل طفل ندرك أن الله لديه أمل في ذلك الإنسان لإحداث التغيير الإيجابي الذي تنشده الإنسانية.
المراجع :
أوزدامير،إبراهيم (2008).البيئة في الإسلام.ط1،مصر:بلنسية للنشر والتوزيع
الخفاف،إيمان(2013).التعليم البيئي في رياض الأطفال.ط1،عمّان:دار المناهج للنشر والتوزيع
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
ماشاءالله على التفصيل والوضوح وربط الأحداث دكتورا سهير المبدعة