في مثل هذا اليوم قبل عامين شددنا الرحال إلى مكة المكرمة، وفي فلسطين يعتبر هذا الوقت تحديداً من أكثر الأوقات ازدحاماً، بسبب عطلة الشتاء،


انطلقنا فجراً حيث كان الجو بارداً جداً والقلب متلهفٌ للقاءٍ سيكون الأول في بلادنا عليك أن تمر بثلاث نقاط تفتيش حتى تجتاز الحدود، الأولى النقطة الفلسطينية والثانية نقطة الاحتلال الذي يتعمد أن يؤخر كل الحافلات المتجهة لأداء العمرة بحجة التفتيش ويضيق عليهم بكل ما يستطيع.أما الثالثة فهي نقطة الأردن وبعد طول الانتظار والمعاناة خرجنا من الحدود الأردنية متجهين إلى الديار الحجازية.وهنا بدأت الرحلة براً، الطريق سريعُ وموحش، وتمكن منا التعب والنعاس، بعضنا استطاع النوم والبعض الآخر انشغل بمراقبة تفاصيل الطريق التي لا يظهر منها أحياناً إلا صحراء قاحلة، واستراحاتُ مهجورة وبعض شاحنات النفط والبضاعة التي تٌونس بعضها.وصلنا لمنطقة على الحدود السعودية اسمها "المدورة" وهناك يتم ختم الجوازات بتصريح الدخول، إن برد هذه الصحراء لا يُوصف إنه ينخرٌ بالعظام كما قال الأقدمون هنا تحديداً تشعر بالغربة تشعرُ بأنك ببلادٍ غير البلاد وهواء غير الهواء وضياعُ.شعرتُ للحطة أنني داخل رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني فقد أشرقت الشمس علينا هناك ولم تتحرك الحافلات بعد، صحراءُ وغربة وحافلة واختناق والكثير من التعب وفلسطينيون وعرب هكذا اكتملت عناصر الرواية.أيقظني من شرودي صوتُ جندي على الحدود يخاطب زملائه بلهجته السعودية "هيا يا عيال نمشي هذا الباص".وانطلق الباص وبدأ جزءٌ جديدٌ من الرحلة، أحمل دفتري وأدون ملاحظاتي أكتب ثم ألتفت لحقيبتي وفيها أقراص الزعتر البلدي وعروق الميرمية إنها رائحة البلاد لقد كنتُ فعلياً أحمل بلادي بحقيبتي.بعد مسيرة يومين ظهرت أضواءٌ من بعيد، إنها مدينة رسول الله، مدينة من نصروه وصدقوه وضموه إليهم، أحدهم بدأ ينشد "طلع البدر علينا" وتعالت الأصوات في الحافلة مصحوبة بنشوة الفرح والشوق، فأخرجت دفتري وكتبت أول القصة "الساعة الآن الثالثة فجراُ أكتب هذه الكلمات وأنا على مشارف مدينة رسول الله"

يتبع...


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سلسبيل نواهضة

تدوينات ذات صلة