أنت تعتقد أنك تعرف، معظم أعمالك مبنية على معرفة غير كاملة وأنت لا تعرف حقًا ما يدور حولك، من الممكن أن تعيش مع الجهل متى يكون جهلنا في حقيقة الأمر نعمة ؟


يقول التطيلي الأعمى عن : فانظر بعقلك إن العين كاذبة و اسمع بقلبك إن السمع خوان

ولا تقل كل ذي عين له نظر إن الرعاة ترى ما لا يرى الضأن


يحكى أن أخاً سأل أخاه: ” لماذا كبرت سكيراً؟” فأجابه: “لأن أبانا كان سكيراً!” ورد له سألوه: ” لماذا كبرت ولم تكن سكيراً؟” كان جوابه” لأن أبانا كان سكيراً!”. لاحظ قرب العلاقة و بعد الشخصية، مع إنهم ولدوا لنفس الأب والعائلة والبيت والمجتمع. ما سبب اختلافهم ؟


راوؤل مارتينيز (Raoul Martinez) في كتابه خلق الحرية (Creating Freedom: Power, Control and the Fight for Our Future) يقول : ” بأننا لا نختار قدومنا إلى الوجود، ولا نختار البيئة التي سوف ننمو فيها، لا نختار أن نولد هندوسيين، أو مسيحيين، أو مسلمين، أو في منطقة حرب أو ضاحية هادئة من الطبقة الوسطى، جوعا أو مرفهين، نحن لا نختار آباءنا، كانوا سعداء أو بائسين مثقفين أو جاهلين، بصحة جيدة أم مرضى، إن المعرفة التي نمتلكها، والمعتقدات التي نمتلكها، والأفكار التي نطورها، والتقاليد التي نتبناها، والفرص التي نتمتع بها، والعمل الذي نقوم به الحياة التي نعيش فيها تعتمد كليا على ميراثنا البيولوجي والبيئة التي نعيش فيها، هذا ما يسمى بيانصيب الولادة.”


إذا هل هي مسألة حظ !! لأنه لم نكن مسؤولين عن بناء شخصيتنا، وبذلك نخلي مسؤوليتنا تجاه أفعالنا لأن أفكارنا وأفعالنا مبنية على تفاعلات لا نهاية لها بين جيناتنا وبيئتنا، أنا لم أختر أن أكون أنا ولا أنت أخترت أن تكون أنت، لكن لشخصيتنا العامل الأكبر في الخيارات التي نأخذها في أي موقف، وبناءاً على هذا فإن مسؤوليتنا تحدد بهذه الخيارات.

” أنت تعتقد أنك تعرف، معظم أعمالك مبنية على معرفة غير كاملة وأنت لا تعرف حقًا ما يدور حولك، من الممكن أن تعيش مع الجهل.” ريتشارد فاينمان (Richard Feynman)


فكرة (يانصيب الولادة) كانت سببا في إعادة النظر بمقدار “معرفتنا بأنفسنا !! ” لأن الحكماء بينا هم اكتر ناس على وعي بهذا، لكن الباقي منا واقع بفخ إننا معصومون عن الخطأ، وعيوبنا قليلة !! والسبب كما وضح أفلاطون : ” إن العاشق عادةً ما يكون أعمى بشأن الشخص الذي يحبه، لأننا إلى حدٍ ما، نحب أنفسنا أكثر من أي شيء آخر، فنحن أيضًا أكثر عمى فيما يتعلق بأخطاءنا .”


بقول روبرت جرين (Robert Greene) في كتابه (The Laws of Human Nature) : “الحقيقة هي أننا كبشر نعيش على السطح، ونتفاعل عاطفيًا مع ما يقوله الناس ويفعلونه، حيث نشكل آرائنا عن الآخرين وأنفسنا بشكل مبسط إلى حد ما، حيث نميل للقصة الأسهل والأكثر ملائمةً لنا، ظناً بأن تفكيرنا و سلوكنا على درجة عالية من الوعي، وإن مجرد التفكير أننا لا نملك السيطرة الكاملة على أفكارنا و أفعالنا يجعلنا في حالة من الخوف، ولكن في واقع الحال نحن على مواجه مع قوى في أعماقنا تدفعنا للتصرف والتفكير .”


و “كلنا نعتقد أننا عقلانيين ، لكن للأسف، العقلانية ليس شيء يولد معنا ولكن يتم اكتسابها من خلال التدريب والممارسة.”


وقيل :” لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإن ظن أنه قد علم فقد جهل.“


حتى في عصرنا الحالي مع كل التطور التكنولوجي والتقني، ما زالت هذه المواجهة مع عواطفنا موجودة بشكل أقوى من أي وقت آخر، مثلا فإن شبكات التواصل الإجتماعي أعطت منصة لهذه المشاعر والعواطف أن تصل لشريحة أكبر من الناس، لا يمكن استثناء أحد من التأثير الذي لا يقاوم للعواطف على العقل، ولا حتى الأكثر حكمة بيننا وإلى حد ما كوننا غير عقلانيين يكاد يكون خارج عن سيطرتنا، لكن لأن التكيف شرط للبقاء، قام عقلنا بتطوير وسائل لاستيعاب الكم الهائل من المعلومات المحيطة بنا بما يعرف ب (التحيزات المعرفية) أو (Cognitive Biases) .


يقول روبرت جرين (Robert Greene) : ” تؤثر العواطف بشكل مستمر على مسار تفكيرنا و على كيفية اتخاذ قراراتنا بشكل خارج عن نطاق وعينا. والعاطفة الأكثر تأثيرا هي ميلنا للمتعة والراحة وتجنب أي مسبب للألم وعدم الراحة، وغالبا ما تدور أفكارنا حول هذه العاطفة نحن ببساطة نبتعد عن الأفكار غير السارة أو التي يمكن أن تكون مؤلمة بالنسبة لنا، لذلك نعتقد بأننا مدركين للحقيقة وواقعيين، في حين أننا في الواقع نتمسك بالأفكار التي تزيل التوتر، و تجعلنا نشعر بالرضا و هذا الميول هو مصدر كل التحيزات المعرفية (Cognitive Biases) .”


تقسم عقولنا إلى حصان وفارس ،الحصان هو عواطفنا (اللاوعي) التي تحركنا بقوتها وطاقتها، لكن هذا الحصان لا يمكن قيادته من دون تفكيرنا (الوعي) المتمثل بالفارس، في أغلب الأحيان نظن أن السيطرة بيد الفارس ،وننسى أنه مجرد قائد، الفرق بينهم هو السبب اللي يجعلنا نعتقد أننا على صواب، لأن في نهاية المطاف لا نزال بشراً، وللأسف لا يمكن تفادي أو التعرف عليها بسهولة لوجود ملايين من هذه التحيزات، من أشهر هذه التحيزات ما يسمى بال (Confirmation Bias) بمعنى عندما نكون على قناعة معينة نبدأ بالبحث عن أدلة وبراهين توافق هذه القناعة بغض النظر عن مدى صحة هذه الأدلة.


تخيل لو أخذنا بعين الاعتبار النتائج السلبية والإيجابية بشكل متساوي، كان من الصعب القيام بأي فعل. لذلك أول خطوة يجب أن تكون إيجاد الدلائل التي يمكن أن تدحض قناعاتك ومعتقدات الآخرين لإثبات وجهة نظرك. فكل شيء يعرف بعكسه .


“يمكنك معرفة اسم الطيور في جميع لغات العالم ، ولكن عندما تنتهي ، لن تعرف شيئًا مطلقًا عن الطير … لذلك دعونا ننظر إلى الطائر ونرى ما الذي يفعله – هذا هو ما يهم. ” ريتشارد فاينمان (Richard Feynman)

يمكن من الصعب تقبل هذه الأفكار لكن هل أنت متأكد ؟!! يمكن أن تكون أكثر الأشخاص صبراً في العالم ، لكن إذا أظهر العلم أننا نتخذ قرارات سيئة عندما تكون معدتنا فارغة – ما فائدة صبرك في هذه الحالة ؟


في نهاية الأمر أنا أخترت كتابة هذه الكلمات وأنت إخترت قراءتها، لكن من الممكن عندما نحاول إثبات أخطائنا ومعرفة مواطن جهلنا في أسرع وقت يمكننا أن نحرز تقدما و يكون جهلنا في حقيقة الأمر نعمة .

saffha/صفحة

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات saffha/صفحة

تدوينات ذات صلة