لماذا ندرس التاريخ على أي حال؟ لماذا نحتفظ بسجل للأشياء التي حدثت؟
يقول أبو العلاء المعري عن الدهر :
“ثلاثةُ أيّامٍ هيَ الدّهرُ كلّه وما هُنّ غيرَ الأمسِ واليومِ والغَدِ.”
بدأ في الشرق هذا على الأقل ما يعتقده الخبراء، ربما جاء من الحيوانات، ربما كان الصينيون، ربما كانت لعنة ما.
هناك شيء واحد مؤكد : لقد امتد إلى الشرق والغرب والشمال والجنوب ، وعبر الحدود ، ثم المحيطات ، حيث طغى على العالم، الشيء الوحيد الذي انتشر بشكل أسرع من العدوى هو الخوف والشائعات، أصيب الناس بالذعر حتى الأطباء أصبحوا في حيرة من أمرهم . تأخر السفر أو أعيد توجيهه أو أُجهض بالكامل، حتى المهرجانات والتجمعات والفعاليات الرياضية، ألغيت جميعها، و انخفض الاقتصاد و تراكمت الجثث .
نتحدث بالطبع عن الطاعون الأنطوني (Antonine Plague) ، هو وباء ضرب الإمبراطورية الرومانية في نهاية السلالة الأنطونية، خلال عهد ماركوس أوريليوس وخلفه كومودوس، بين سنتي ١٦٥ و١٩٠ ميلادية حيث ظهر هذا الوباء أو بالأحرى الجائحة في الإمبراطورية الرومانية من طرف القوات العائدين من الحملات التي قاموا بها في الشرق الأدنى.
يرجع أصل تسمية هذا الطاعون “أنطوني” إلى اسم السلالة التي حكمت الإمبراطورية الرومانية آن ذاك: الأنطونيون. كما ويطلق عليه المؤرخون الإنجليز أحيانا اسم الطاعون الجالينيسي ( الطاعون الغالينيكي ) نسبة لإسم جالينوس، الطبيب الشهير في ذلك الوقت. يشتبه العلماء في أنه كان إما مرض الجدري أو الحصبة، ليبقى السبب الحقيقي وراءه غير محدد، وهي جائحة عالمية بمعدل وفيات يتراوح بين ٢-٣٪ ، والذي بدأ بأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا حتى تصاعدت وأصبحت مخيفة ومميتة و أصيب الملايين. حتى توفي ما بين ١٠ و ١٨ مليون شخص في نهاية المطاف.
“إن العام يدور على نفس الخطى.” -فيرجيل
في كتابه (الإنفلونزا الكبرى) الذى صدر عام ٢٠٠٤ يروي الكاتب والمؤرخ الأمريكى جون إم بارى ، قصة جائحة الإنفلونزا لعام ١٩١٨ التي اندلعت في معسكر للجيش خلال الحرب العالمية الأولى وقتل ما يصل إلى ١٠٠ مليون شخص في غضون أشهر.
و ينسج قصة الوباء بقصة الطب الأمريكي ، موضحا كيف تطور الطب في القرن قبل الوباء وحالة الدواء في الوقت الذي حدثت فيه الأزمة. موضحا كيف انتشر الفيروس ، ويشدد على مدى سرعة انتشاره ، ويشرح كيف أعاقت القيود الطبية قدرة الأطباء على التحكم في انتقال الفيروس، حيث انتشر المرض من كانساس إلى أوروبا عندما دخل الجنود الأمريكيون في الحرب ، وفاقمت حالة الاكتظاظ في معسكرات الجيش من انتشار المرض بين الجنود.
في مقال مشهور عن تعداد السكان (١٧٩٨) لتوماس مالتوس توقع أنه يتم الحفاظ على التوازن بين الأفواه والطعام في المستقبل ، كما في الماضي ، من خلال المجاعات والأوبئة والحروب.
كانت تلك الفترات مليئة بأشخاص يفعلون نفس الأشياء: يأكلون ويشربون ويتقاتلون ويموتون ويقلقون وكان لديهم شغف ، وحتى في المستقبل ، حتى مع كل التقدم التكنولوجي الرائع ، سيكون نفسه إلى حد كبير. دوما وأبدا.
في كتابه دروس التاريخ يقول ويل ديورانت (Will (Durant بأن فلسفة التاريخ هي محاولة رؤية الحاضر في ضوء الماضي.
وكما قال روستن كوهل في الموسم الأول من True Detective : ” الوقت دائرة مفرغة. كل ما فعلناه أو سنفعله، سنفعله مرارًا وتكرارًا إلى الأبد.” و من قبله الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس : “كل ما فعلناه أو سنفعله، سنفعله مرارًا وتكرارًا إلى الأبد.” و مقولة “الأيام دول“، ومنها أيضاً عرفنا معنى المثل القائل “إن دامت لغيرك لم تصل لك“، ومنها قال الكثيرون : “الكرسي دوار“، و نظرية نيتشه عن “التكرار الأبدي“ (eternal recurrence) ولكن بعضهم لا يتمعن جيداً في هذه الأقوال، فهي لم تأتي من فراغ.
.” أن الرجال لا يتعلمون الكثير من دروس التاريخ ، و هذا هو أهم درس من دروس التاريخ ”
– ألدوس هكسلي
فلماذا ندرس التاريخ على أي حال؟ لماذا نحتفظ بسجل للأشياء التي حدثت؟ نخشى أنه إذا لم نفعل ذلك ، فإننا محكوم علينا بتكرار التاريخ ؛ ولكن في كثير من الأحيان لا يبدو أن هذا يمنعنا من تكراره. ولدينا نزعة مزعجة لتذكر الأشياء التي لا تتحدانا أو تزعجنا. ولكن ما زلنا نحاول التقاط ما نستطيع ، من خلال المتاحف والاحتفالات والدراسة ، لأننا نعتقد بطريقة أو بأخرى أننا سنتوصل في نهاية المطاف إلى معرفة شيء عن سبب حدوث الأشياء بالطريقة التي تحدث بها ، ومسلحين بهذه المعرفة ، قد نتمكن حتى من تشكيل مستقبلنا.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات