:رواية "كافكا على الشاطئ":هي رواية صادرة سنة 2002 للكاتب الياباني هاروكي موراكامي"

موراكامي ليس الكاتب الوحيد القادر على صنع كتاب بصفحات كثيرة لا تشعر فيها بالملل لحظة واحدة،لكنَّ المختلف في موراكامي هو قدرته على جعلك تقع في الحب.

بعد تجاوز الصفحة الأولى تفطن إلى أنك صرت واقعاً في غرام كلّ حرف مكتوب وكلّ شخصية حكى أو سيحكي عنها،حتى أنك ستغلق الكتاب كل بضع دقائق وتتأمل الغلاف لأنك وقعت في غرامه أيضاً،هذا هو سحر هاروكي موراكامي سحر القدرة على إيقاعك في حبّه وحبّ ما يصنع.

تقليب صفحات هذه الرواية لا يقتصر على الشغف و التشوُّق للأحداث بل يحمل في طيّاته حبّاً لذا ستشعر في المئة صفحة الأخيرة بالحزن لأنها المئة الأخيرة ولأن علاقتك الوثيقة بكافكا و الآنسة ساييكي و ناكاتا وأوشيما وهوشينو توشك على الانتهاء.

كيف يجعلك كاتب تقع في حبِّ رواية غرائبيَّةً رمزيَّة و سرياليَّةً كهذه,ما الذي يصنعه موراكامي ولا يصنعه كتَّابٌ آخرون!؟

بعد تفكير وصلت إلى أن سحر موراكامي كامن في مشاركتنا فوضاه,وفي أنَّه يعرض محتوياتِ دماغه أمامك, ثمَّ يجلِس إلى جانبك بادئاَ معك رحلةً لتقليب هذه المحتويات والبحث فيها ووضْع التساؤلات على كل تفصيلة صغيرة,موراكامي لا يعدك بإجابات ولا يعِد نفسه بها,كلُّ ما يفعله هو منح الأسئلة صياغاتٍ أوضح ومنحُك الإذن بالحصول على تساؤلاتك الخاصّة في مدى تفكيره هو.

لن يخبرك موراكامي لماذا فقد ناكاتا الوعي في أحد الأيام التي ذهب فيها في رحلةٍ لجمع الفطر في الجبل,وسيشاركك بالتساؤل عن السبب على مدار صفحاتٍ كثيرة,ناكاتا غبيٌّ ولا يعرف لماذا أغمي عليه و فقد القدرة على القراءة والكتابة ولم يتساءل يوماً عن السبب ,لكنّك ستفعل و موركامي سيفعل,وقد تحصل على إجاباتك الخاصة و يحصل هو على إجاباته الخاصة.

ولن يخبرك من هو الفتى المدعوُّ كرو ولا لماذا اختار القطط لتكون أبطال الكواليس في قصّته,ولن يخبرك حتى لماذا كان هناك جنديان عالقان في الحربِّ العالمية منذ الحرب العالمية لا يكبران ولا تتغير مهامهما.

لن يمنحك إجابات على كلِّ هذا,وستجد أنَّك ستقبل ما يقول كمسلَّمات أخيراً رغم أنَّك ستظلُّ تتساءل,لكن تساؤلاتك ستكون بغرض المشاركة لا بغرض الوصول إلى إجابات.

وستتفق معي ربّما على أنّ "كافكا على الشاطئ" رواية بديعة تخبرك عن الرغبات و الأحلام و الخيالات،وتعرض لك ما تريد أن يكون و ما أنت عليه و ما لا تودّ أن تكونه، تمنحك فسحةً من التساؤل و البحث و التفكير وتجعلك مشدوهاً على الدوام كيف يمكن لكلّ هذه الخيوط أن تتشابك ولهذه الحكايات البعيدة أن تصير حكايةً واحدة لإنسان واحد باحثٍ عن مخرج..

رواية قد لا يتقبلها الجميع بصدر رحب،لكن لا ينقص هذا من شأنها شيئاً.

صفاء حميد

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رواية جميلة وممتعة. تعتبر من أفضل الروايات التي قرأتها.

إقرأ المزيد من تدوينات صفاء حميد

تدوينات ذات صلة