صدقوني لا أعرف إن كان ثمَّة حلٌّ لكلِّ هذا, فالوضع حرج, وربما نحن نوشكُ حقاً على وصول مرحلة: آخر العلاج الكيّْ.
اضطرتني وظيفة مؤقتةٌ في التعليم أخوضها هذه الفترة إلى الانضمام للكثير من المجموعات الفيسبوكية المتعلقة بالتعليم, وهناك أراقب على الدوام سجالاتٍ لا تنتهي بين المعلمين وأهالي التلاميذ, بكلِّ ما في السجالات من تبادل تهم و حربٍ وإن تكن باردة.
يبحث الأهالي عن مدرسين مثاليين, ويبحث المدرسون عن تلاميذ مثاليين, و في ظلِّ أن بحثهم لا يعدو كونه لهاثاً خلف السراب, فإن شرارة الحربِ دائمة الاستعداد.
أتذكَّر يوماً كنتُ فيه في الصف السابع وقد انتقلت للتو إلى مدرسة جديدة, تلميذةٌ هادئة شديدةُ الجديَّة وبدرجات دراسيَّة تُقارب الكمال’ في أسبوعيَ الأول, تلقيتُ توبيخاً لأنّني تثاءبتُ مراتٍ كثيرة في أثناء الدرس و ضرباً بالعصا على يدي من معلمة العلوم, لأنَّني نسيتُ حلَّ الواجب.
عدتُ إلى والدتي مطأطأةً رأسي بخجل لأخبرها بما حصل, وقالت لي ببساطة إنه ذنبك نامي باكراً وحلِّي واجباتك ولن يوبّخك أحد أو يعاقبك.
لا أذكر أنَّني أهملتُ واجباً بعدها لا في المدرسة ولا في الجامعة, ولا تزال صورة معلمتي تلك-رحمها الله- في عيني من صور المعلمين المثاليين.
الآن أنا لا أدّعي أنَّني أؤيد الضرب, طبعاً لا, لكنَّني أستذكر هذا التآلف الذي كان بين المعلمين و أهالي الطلبة, هذا الاتِّفاق السريَّ المشترك الساعي بهدوء لكن بتنظيم إلى التربية و التعليم معاً.
اليوم, صار هذا التآلف ضرباً من السلوك غير المألوف, فلنقل إنه موشٌ على الانقراض, لا أعرف من قسم الأهالي و المدرسين إلى معسكرين, وجعل العلاقة بينهما علاقة عداء وانتقاد, لا علاقة تعاون ودعم.
التلاميذ أنفسهم لم يتغيروا, لا يزال التلميذ منذ أول الزمن يحمل نفيه الوجه, مستعدَّاً للاجتهاد و الالتزام, ومستعداً كذلك للفوضى و الكسل, الذي اختلف هو تلك التوليفة التي اعتدناها على أيامنا, واعتادها أهالينا على أيامهم, واختفاء هذه التوليفة هو ما يصنع الآن كلَّ هذا الخراب, الذي نبصره و نلمسه, ولا نستطيع معه شيئاً.
أهلٌ مطحونون ومدَّرسون مطحونون, أما التلاميذ فصاروا مطحونين أيضاً بفعل المحيطين بهم وتحولوا إلى مجموعات متنوعة من الشخصيات الضائعة في كثير منها, أو المستقرَّة بصعوبة في بعضها.
يبدو لي أنَّ المعضلة أوسه من الأهل ومن المدرسين, الأمر يمتد عميقاً في الوضع الاقتصاديِّ المتدهور, و بعده في الوضع الاجتماعيِّ المهزوز, و في منظومة القيم التي صرنا نسمع عنها دونَ أن نراها.
هل من حلول؟
صدقوني لا أعرف إن كان ثمَّة حلٌّ لكلِّ هذا, فالوضع حرج, وربما نحن نوشكُ حقاً على وصول مرحلة: آخر العلاج الكيّْ.
و الكيِّ الذي أعنيه هنا ليس للتلاميذ ولا لأهاليهم ولا للمعلمين حتى.
الكيِّ لجذور المشكلة, للحالة التي حوَّلت أكثر العلاقات تكاملاً وسعياً نحو هدف موحد, إلى علاقةٍ مشوّهة ساعيةٍ نحو التقاط الزلات و صناعة المكائد.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات