وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ

{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}


في طلبي العلم وعندما بدأتُ أتعمّق بعض الشيء في علم الكتب، مطولاتها ومختصراتها ومهذباتها، متونها وشروحها و قصائدها العلمية في غالبِ الفنون، فبدأت الأفكار والمعلومات تتجمع في رأسي، حينها خشيتُ تشتت الطالب وميله عن المنهجية أيّما خشية، فقررت وضع في ورقة المتون الذي كنتُ قد قرأتها واطلعت عليها، وسمعت من الشيوخ شرحها، وقررت بعد معرفتي التي أحسبها لابأس بها بالمصنفات أن أضع منهجية أحذو حذوها، وأخطو تجاها، مما أرشدني إليه شيوخي.


لكي لايجد التشتت مدخلاً إليّ وقد كاد أن يقتحمني بسبب حبّي للكتب لولا فضلُ الله عليّ، لأن التشتت لطالب العلم من آفات العلم، ومن المعلوم أن الكثير من طلبة العلم طلبوه لسنوات طوال، لكن دون فائدة تُذكر، ولا علمٍ ينفع، وغالباً مايكون السبب إمّا لعدم الإخلاص في النيّة، أو عدم الاتجاه نحو منهجية قويمة ومدروسة.


أعاذنا الله من علمٍ لاينفع.


ولهذا وضعتُ لنفسي المتون والكتب التي أودُّ قرائتها ودراستها وسماع شرحها، وقد وضعتها بحيث أن توافق شهوتي العلمية من جهة، وأن تكون ذو منهجية علمية من جهة أُخرى، وكان ذلك بعد خبرة لابأس بها بالكتب، وسماع نصائح الكتبيّين وأصحاب الاختصاص، الذين ملؤوا الطلبة علماً بالكتب لكي لا يتوهوا عن طريقهم، فإنّ العلم بالمصنفات قديمها وحديثها، جيّدها وحقيرها، من العلوم النافعة التي تتجه بصاحبها إلى التحصيل النافع وعدم الميل عن الطريق القويم، وهي من أهم الوسائل التي يُستعان بها.

وإنّ العلم بالكتب، هو من أهم السُبل لطريق التحصيل.


فجزا الله الكتبيّين عنّا كل خير لتوجيهاتهم لنا ..


وطريقتي في انتقاء الكتب كانت كما ذكرت، موافقة للشهوة وللمنهجية العلمية، وكنتُ قد وضعت لكلّ فن من الفنون الكتب المرادة متتاليةً، بحيث أنّي لا أتجه لغيرها، وما انتقيته كان غيضاً من فيض، لأن طالب العلم لو أراد قراءة كل ماتُمليه عليه شهوته العلمية، وكل ما تأمره به نفسه الآمرة بالمعروف، (وهو الأمر بقراءة الكتب )، لاحتاج إلى عمر نوح، ومال قارون، وقصر فرعون.


وهذه المنهجية اتخذتها لنفسي طريق، ولطلبي سبيل،

وكنتُ سأضعها من باب الفائدة ليس إلّا، لولا أنّي سمعتُ من شيخنا العصيمي عند شرح قول أبي حنيفة لما قيل له :

( في المسجد حلقةٌ ينظرون في الفقه، فقال : لهم رأسٌ؟

قالوا : لا، قال : لايفقه هؤلاء أبداً )


فبعد أن شرحها شيخنا قال : فأولى أن يُقال ذلك في المناهج المقترحة لنيل العلم مما تتضمن الإحالة على قراءة كتاب كذا

وكتاب كذا ـ كرّرّها أربعاً ـ ، فإنّ هذه بدعةٌ محدثةٌ حلّت بالأمةِ بعد سنة أربع مئةٍ بعد الألف، فألّف من ألّف في درجات العلم وطريقة أخذه ورتّب ذلك درجاتٍ وعددها بقوله المرتبة الأولى : أن يقرأ الطالب كذا وكذا ثم يقرأ كذا وكذا

ثم يقرأ كذا وكذا، ثم تتابع الناسُ بأخره على هذا، وصار أخذ العلم عن الشيوخ بمعزلٍ، فصار الطالب يزعم أن المنهج الذي يأخذُ به العلم، هو أن يُقبل على هذا المنهج الذي اقترحه بعضهم، فيقرأ شرح ثلاثة الأصول للعلامة ابن عثيمين مثلاً، ثم يقرأ القول المفيد شرح كتاب التوحيد للعلامة ابن عثيمين، ثم يقرأ شرح الواسطية للعلامة ابن عثيمين، قال كاتبهُ: ويكون بهذا قد حصّل قدراً جيداً من معرفة الاعتقاد، وأقولُ: بل لم يُحصّل شيئاً جيداً من معرفة الاعتقاد، لأنه لا فهم له، وليسَ المقصودُ بالفهم مجرد قدرتكَ على معرفةِ معنى الكلام، ولكنّ المقصود بالفهم : هو استقرارُ هذه المعاني في قلبك، ولا يمكن أن تستقر هذه المعاني في قلب متعاطي العلم حتى يكون عنده من يُلقي إليه هذه المعاني إلقاءً، فإنّ علامةَ علمِ هذه الأمة أنه علم موروثٌ بالأخذ عن الرجال، كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواهُ أبو داود بسندٍ صحيح عن ابن عباس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : تسمعونَ ويُسمعُ منكم ويُسمعُ ممن سمعَ منكم.


وهذ الحديث أصلٌ في كون العلم في هذه الأمة يُأخذ بالتلقي كما بيّنه الشاطبي رحمه الله في كتاب ( الموافقات )، ومن أسباب الضعف التي حلّت بالعلم وأهله في الأزمنة الأخيرة هو خُشو مثل هذه المناهج وامتثالها من بعض من سلك طريقَ العلم، فربما قرأ يسيراً على بعض الأشياخ ثمّ أغرق في تتبع مثل هذه الطرائق، أو سلك لنفسه طريقةً وقرأ بها بعض الكتب، ثم صار يتكلم في العلم من غير أخذٍ له، ومن هنا ظهرت هذه العجائبُ والأوابدُ والمصائب، التي صارت تُنسبُ إلى الشريعة في هذه الأوقات، فما هذا الركام الذي نراه إلّا نِتاج مولودٍ نكدٍ لأخذ العلم ولدَ بعد الأربع مئة والألف، وكانت بواكيره موجودةً في عشر التسعين، لكنه صُنفَ، وكُتبَ، ونُشرَ، وأُغريَ به الشباب بعد ذلك، وصار منتشراً مكتوباً، والجامع لهؤلاء الذين كتبوا في هذا أنّهم لم يتلقوا العلم عن العلماء كما ينبغي، وربما يكون بعضهم قد قرأ يسيراً، أما أن يكون منهم من صحبَ شيخاً تخرّج به، فدون ذلك خرطُ القتاد.







فالناسُ في المنهجيات متفاوتون، على آراءٍ مُختلفون، فلكلٍ منهجيته ورأيه. والأخذ عن العلماء بالتلقي هو الأساس لكل خيرٍ في العلم، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: تسمعونَ ويُسمعُ منكم ويُسمعُممن يَسمعُ منكم، رواه الإمام أحمد.


وليس ذلكَ تزهيداً بالكتب والمطالعة، فإنّ في الكتب عِلمٌ غزير، لو سبق أو صاحبَ ذلك صحبة الأشياخ، ويالجمالِ الكتب وذخارة تحصيلها لو دُرست على العلماء. فلابدّ من دراسة المتون على شيخٍ متقن، وإلّا لن تفلح في أخذ العلم وحدك، فلا تجعل الكتاب يكون هو شيخك الوحيد،فإنّ للكتاب منزلة وللشيخ منزلة أُخرى، فابتغِ بينَ ذلك سبيلاً.

مع ذلك فلا بُدّ من إدمان النظر في الكتب ودوام القراءة والاطلاع، وطول المكوث في المكتبة بين المُصنفات فأني أرى في ذلك نعيمُ طالب العلم.









ولابُدّ من القراءة في سير الأعلام والصالحين وطلبة الحديث، فإنَّ أرى في ذلكَ رفعٌ للهمة، ودفعٌ للكسل، وتتوقٌ للنفس.


وكنتُ من قبل سأضع المنهجية التي مشيت عليها كما هي، للفائدة ليس إلّا، لا منهجة مقترحة يُأخذُ بها، ولكنّي عدلتُ بفضلِ الله عن ذلك، لما علمته من ما سيقع من الشر من فهمً خاطئ للقارئ أنه يقرأ تلك الكتب فُيصبح عالماً دون الأخذ عن العلماء، وليس من الضروري أصلاً التقيد بمنهج ألبتة، فإنه كما ذكرت لكلٍّ ذوق ورأي ومنهجية، فلا يشرع طالب العلم في الأخذ بمنهجية معيّنة دون الرجوع إلى العلماء. والله أعلى وأعلم، واللهُ الموفق.


اللهم إنّا نسألك علماً نافعاً، والإخلاص في العمل،

ونعوذ بك من الشك والشرك والرياء والنفاق والشقاق وسيء الأخلاق، ونعوذ بك اللهم من علمٍ لا ينفع.


اللهم علّمنا ماينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علماً .








وهذه كتب أنصح بها لرفع الهمّة قبل البدء في طلب العلم أو أثناءه أو عند الفتور ، أبعدهُ الله عن طلّاّب العلم











- المشوق إلى القراءة وطلب العلم ( علي العمران )

- صفحات من صبر العلماء ( عبد الفتّاح أبو غدة )

- في محراب القراءة ( علي العمران )

- اقرأ وارقَ ( علي العمران )

- سلوة الطالب ( علي العمران )

- تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم لابن جماعة.

- معالم في طريق طلب العلم.

- صلاح الأمة في علوّ الهمة ، هذا الكتاب كبير لايُشترط أن تقرأه من أوله إلى آخره، إنما تستطيع انتقاء الفصول التي تريد قرآئتها.

- مُدمن كتب ( وضّاح بن هادي ).

- حلية طالب العلم (بكر أبو زيد )، وشرحه لابن عثمين.

القراءة المثمرة ( عبد الكريم بكّار ).



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ماذا تقصد بالعلم يا سيدي في منهجك؟ هل هي العلوم الشرعية أم علوم اللغة و الأدب أم العلوم الدنياوية؟

إقرأ المزيد من تدوينات عبد العزيز جنيد

تدوينات ذات صلة