عن صورة الله عند الإنسان المؤمن، الله المنقذ الذي لا يسمح بوقوع الشر، أو الله الذي يمنحنا حق وحرية الاختيار والنجاة.
هل الله "حلّال" مشكلات؟
أراقب منشورات الفيسبوك كثيراً، منشورات الشكوى تحديداً، يحكي الواحد في منشوره قصة سيئة حصلت له، أو أزمة يمر فيها، ثم ينوّه بعدها أنّه يصلّي ويؤدي فروضه، أو ينوّه قبلها، رغم أنني أصلّي وأؤدي فروضي، كما ينوّه آخرون، أعرف أنني لا أصلي ولا أؤدي فروضي، وأرغب في ذلك حتماً.
منذ سنوات، نقمت على صورة "الله" التي اعتدت معرفتها، لقد كنت أصلي وأؤدي فروضي، كنت صادقة جداً ومؤمنة جداً، لكن الله سمح بأن أقع في مصيبة.
أتذكر أنني بكيت جداً، بكيت حتى غمرني شعور بالنقمة على وجودي وإيماني وأشعرني بأنّني أعبد الله بدون أيّ مقابل، وأنه لم يمد لي يد العون حين احتجته حقيقةً.
لازمتني هذه الفكرة سنوات كثيرةً بعدها، لم تنصلح علاقتي بالله مجدداً خلال وقت طويل، ظلّ هذا الحاجز واقفاً يدفع بي عن أن أؤمن بأن الله موجود هنا وهناك وفي كلّ مكان.
كنت أقول لنفسي، ما الفائدة من وجود الله، ما دام لم يمد لي يد العون، ما دام يسمح لهذا العالم بأن يكون وحشاً هائلاً يلتهم الأرواح والقلوب، وما دام يسمح بأن يصبح الظالمون والأشرار والقتلة حكاماً وذوي سلطة، ويُبقي المساكين والطيبين والفقراء رابضين في قعر العالم.
صراعات الإيمان
صارعت نفسي مراراً أمام الإيمان، فأنا أولاً وأخيراً شخص روحانيّ، أؤمن بأن الروح توازي المادة في الأهمية، لذلك كان علي أن أعيش في صراع مع نصفي الروحي، أن أنكره وأرفضه، أن أستهزأ به وأحوّله إلى نكتة.
كنت أريد أن يكون الله رحيماً وحنوناً ولطيفاً وجميلاً ومحباً دائماً، أن لا يسمح بحدوث الشر، أن يمنع الموت وانكسار القلوب، رفضت أيّ صورة مغايرة لله، رفضت ان يُقال لي إن الله يمتلك حكمة خفية للأشياء، أو إن الله موجود حتى.
حين أراقب كلمات منشورات الناس في مواقع التواصل اليوم، أو حين أخوض حواراً مع أحدهم، ليحدثني به عن المعجزات التي سيصنعها الله في حياته، أضحك وأتذكر تلك الحقبة السوداء في حياتي، الحقبة التي نقمت فيها على صورة "الله" لأنه لم يمنحني ما أريد.
أرى الله اليوم في صورة أخرى، أراه أعظم وأقوى، أراه إلهاً يرحم ويعذب يبتلي ويُنجي، أراه قادراً قدرة لا نهائية، لا مجرد حلّال مشكلات.
صورة "الله" في قلبي.
صورة "الله" في قلبي اليوم، ربما لا ترضي غروري الإنساني بأنني محور الكون، لكنها تُرضي إيماني، تمنحني كينونتي وحريتي، تجعلني أدرك أنّ الله خلقني لأكون حرّاً، لأسقط في المشكلات وأنهض منها، لأحلّها بنفسي، تجعلني صورة "الله" أدرك أنني أعبده لأنه يستحق العبادة، لا لأنه حلال مشكلات، بل لإنه خالق وقادر ومانح، منحني القدرة على الاختيار، منحني حرية الرفض، منحني الفرص ووضع لي العقبات، لأعرف كيف أحرر نفسي، لأستطيع يوماً أن أعرف أنني موجودة، وأنّ وجودي ذو معنى.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات