أن يكون عقلك صاخبا، أي لديه القدرة على تحويل الهدوء لفوضى خلال دقائق.

أحيانا أشعر أن هناك ما يقارب عشرة أشخاص في عقلي، يتسامرون يتحدثون يصرخون يضحكون يبكون

في ذات الوقت، يعيشون حياة كاملة داخل سراديب أفكاري.

أصوت لا تهدأ أبدا .. لعله من علامات الذكاء والجنون في آن.

أستيقظ وأبدأ نهاري، الهدوء يعم المكان، لا صوت إلا صوت العدم في منزلي، كل ما أحتاجه أن أشرب قهوتي باستمتاع قبل أن يبدأ يوم حافل لدي،

لكن عقلي يستيقظ مباشرة، وتبدأ الأفكار بالاسترسال ..

فجأة وبينما أحدق في البحر أمامي، أفكر بتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على حياتنا، أو بالمعايير غير المنطقية التي يفرضها المجتمع علينا، ثم أفكر بأطراف شعري المتقصفة التي تحتاج إلى تقليم، ثم يخرج شخص في عقلي فيقول لي .. "أنا جائع" .. أتوجه للبراد لأحضر الفطور .. وفجأة بينما عقلي يحدق بالأكل ..يقول لي: "الفتيات خارقات قويات لماذا لا يحظين بالتقدير المطلوب"، فأجلب حاسوبي المحمول وأبدأ بكتابة مقال جديد، عن المجتمع و الثقافة الذكورية وما لا يعجبني في النظام العالمي، يسترتسل الوحي بإمدادي بالأفكار .. انظر للساعة .. أهرع من مكاني .. لقد داهمني الوقت

علي أن أتحضر للذهاب للعمل، وعلي أخذ فيتاميناتي لتمدني بطاقة كافية لليوم،

أصل للعمل ، وأغوص بين أخبار هنا عن أفغانستان ولبنان وفلسطين ومالي والقطب الجنوبي .. صراعات لا متناهية في العالم، وألم ومعاناة في كل بقعة على هذه الأرض وبين كل خبر وخبر .. عقلي يصرخ استنكارا وقلقا وغضبا .. لما يحدث وما حدث ..

وفجأة همسات داخل عقلي تعلو .. "لماذا تجلسين هنا.. لماذا عليك الغوص في تفاصيل بؤس العالم، علينا أن نرى الشمس .. أريد أن استمتع بالحياة "

وأنا أقول لعقلي "اصمت .. اخرس .. هنالك الكثير من العمل"

ثم يقول لي : "لو عملت في تخصص آخر .. فكري بمستقبلك .. بخريطتك المهنية .. علينا أن نلوذ بالفرار"

أرضخ له واستمع له، أحدق لدقيقة وأتساءل "ماذا لو لم أكن صحفية .. ماذا من الممكن أن أكون، أي مهارات جديدة علي تعلمها يا ترى"

شخص آخر في عقلي يوبخني.."لماذا لم تنتهي من كتابك الجديد؟"

ثم يخرج شخص في عقلي يصفعني "ركزي بالعمل"

فأعود للعمل الذي لا ينتهي .. ويبدأ عقلي بالانهيار ويصرخ مستنجدا ..

"أريد قهوة.. أريد قهوة!"

أذهب لأحضر قهوة لعله يصمت لدقائق و يريحني من التفكير اللامتناهي.

ثم يعود بأفكاره وهمساته وتوجيهاته التي لا تنتهي

"عليك بالإطمئنان على عائلتك"

"عليك بالرد على رسالة من صديقتك"

"عليك بدفع فواتيرك"

"هناك فستان جديد علينا شراؤه"

"تفقدي الانستغرام .. لماذا لم تضعِ أي منشور جديد منذ أيام"

وأنا أصرخ بداخلي .. "لا وقت لدي.. لا وقت لدي"

كل هذا يحدث داخلي دون علم أحد،ففي الحقيقة غالبا أمتلك وجها بلا تعبيرات.

أعود للمنزل بعد 12 ساعة عمل متواصلة مع عقل لا يهدأ ..لا يصمت .. يفكر بكل شيء وبكل أحد في آن.

أعود منهارة من يوم كامل ومرهق مع عقل لا نهاية لأفكاره.

أعود لأحضان سريري .. أفكر بأني ذكية بما يكفي لإسكات عقلي على الأقل خلال نومي

يهدأ عقلي لدقائق .. فابتسم وأظن وأخيرا انتهيت منه.

أغوص بأحلامي لأجده هناك يبدأ من جديد، يكمل أحاديثه ونقاشاته التي لم ينهها في نهاري، وأعود بالغوص من جديد في دوامة عقل لا حدّ لأفكاره.

ربا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

أنا أعاني من نفس الأمر .. لا أدري هل أسميه مشكلة ام ماذا ؟. ياترى ماهو الحل ! أرهقتني أصوات عقلي

إقرأ المزيد من تدوينات ربا عياش

تدوينات ذات صلة