أحياناً نحنُ نرى ، لكنّنا لا نُبصر ..

جميعنا يعرف أن الإبصار نعمة عظيمة أعطانا الله إيّاها ودائمًا ما نحمده عليها.

كم هو شيء عظيم أن نكون قادرين على تأمل جمال الطبيعة والشوارع بمبانيها وزحمتها وأن نرى الأشخاص من حولنا وملامحهم، ونكون قادرين على النظر في أعينهم وتمييز ألوانها، وحتى ملامح وجهنا، هل يمكنك تخيّل عدم معرفة كيف تبدو؟ الأمر صعب جدًا والحمدلله أنّ أغلبنا قادرون.


لكن أصدقائي هل نحن حقًا مبصرون؟

سأعفيكم من الإجابة حاليًا، وآخذكم معي في رحلة إبصار فريدة من نوعها وبعد ذلك يمكنكم تحديد إجابتكم.


رحلتنا تبدأ من بيتٍ بسيطٍ لنسمّه مجازًا "وطنْ"

في "الوطن" هناك طفلٌ وُلِد حديثًا ما زال يعتقد أنّه في رحم أمّه لأنّ العتمة ذاتها لم تتغيّر، فلا ضوء هنا ولا شمسْ.

يبدأ الطفل بالبكاء فتأتي أخته الكبرى تاركةً كتبها الدراسيّة لتجمع كل حنانِ العالم وتطبطب على أخيها لعلّه يسكت، لكنّه يتابع البكاء، فتتعجب وتتساءل هل مخزون العالم من الحنان بدأ ينفذ؟ ثم تعتبر صمت أخيها هو الإجابة.

بجانبهم تجلس على الكرسيّ صامتةً مغيّبة بملامح مبهمة وبنظرةٍ شاردة، جدّتهم.

وهي بطريقةٍ ما أحسّت بأفكارِ حفيدتها وآثرت السكوت.

من المطبخ يأتي صوت الأمّ تنادي ابنتها لتساعدها في إعدادِ الطّعام، وهي تعلم تمامًا أنّ لا حاجةَ للمساعدة، فالطّعام هو كعادته طبقُ أرزّ وأحيانًا برغل للتنويع.

يلتمّون حول مائدةٍ لا ينقصها شيء سوى أبٌ قرّر العمل في مهنتين؛ ليضمنَ أن يكون هو دائمًا العنصر الناقصَ في تلك المائدة.


الآن لنقرّب الكاميرا قليلاً ونرى التفاصيل...


الطّفل يعلمُ أنّ مكانه الوطنْ لا الرّحم فبدأ بالبكاء ليتلقّى بعض الدفء من أخته. تنجح خطّته لكنّه يشعر كجدّته بأفكار الفتاة، وكأنّها قيلت بفمٍ مملوء وصوتٍ مسموع.

فينظر إلى جدّته كي يستمد منها الجواب، ويصمت بعد أنْ عرِف من نظراتها أنّ المخزون ينقص حقًا، وآثر بقيّة الأطفالِ على نفسه.


الأم نادت ابنتها للمطبخ كي تشغلها بشيء آخر غير أخيها فهي تعلم شدّة تعلّقها به، وبالتّالي تعود لدراستها بعد انشغالها السريع.

الأم تأمل أن يكون المحصّل الدراسي هو نجاتهم... ونجاة الوطنْ.


أمّا من حدّد معايير كمال المائدة، فهو القلب لا العين ولا حتى المعدة.

الأب يعمل بمهنتين حقّاً، لكنّه يتعمّد أيضًا عدم حضور الطعام. فإذا امتلأ مكانه سيرضى القلب وتبدأ كلّ من المعدة والعين بالشكوى.

ولكم تخيّل المشكلة!


دعونا من المجاز فقد أوشكت رحلتنا على الانتهاء.

إن سألتكم أن تسمّوا هذا البيت اسمًا غير الوطن ماذا ستسمونه؟ سوريا؟ لبنان؟ العراق؟ اليمن؟


لا أعلم كم وطنًا سيكون بطل القصّة لكنني أجزم أن كل من قرأها سيدّعي أن وطنه هو نجمنا.

ويا أسفي على ذلك!


نعود الآن للتساؤل... هل أنت مبصر؟


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

لو أني فقط اكتشفت هذا الموقع قبلا

إقرأ المزيد من تدوينات رئمٌ مِن آرام

تدوينات ذات صلة