العمل التطوعي قوة اقتراحية وتغييرية، لذلك يتطلب جملة من التضحيات وتعترضه مجموعة من التحديات الذاتية والموضوعية.
العمل التطوعي عمل مدني
رشيد المشهور
تكمن دوافع العمل التطوعي في الرغبة في خدمة المجتمع المحلي والإسهام في التغيير من وضع غير مرغوب فيه إلى وضع أفضل، ذلك أن الفعل الفردي مهم جدا لكن الفعل الجماعي التضامني أكثر قوة ونجاعة، نظرا لتكاثف الجهود وقوة الاقتراح الناتج عن التواصل المثمر والحوار الفعال. إضافة إلى أن العمل التطوعي عمل مدني وقانوني يتعارض مع العمل الذي يتم تغليفه بما هو سياسي أو أيديولوجي وإحساني، لكنه عمل لا يخدم المصلحة الشخصية فقط، باستغلال قيم الخير والحق والجمال والدين.
إن العمل التطوعي يقتضي تخصيص وقت محدد لعقد الاجتماعات وتنفيذ البرامج والأنشطة بشكل دوري، لذلك يتم اقتطاع وقت خارج التزامات العمل والأسرة والأنشطة الأكاديمية. والخاصة، إنه الزمن الثالث.
إن أفضل تجربة تطوع خضتها هي الإحساس بالانتماء الإنساني والمدني عبر الشعور بالفعل المرتبط بخدمة السكان الأفراد والجماعات، عن طريق مجموعة من الميكانيزمات التنظيمية كالجمعيات أو العمل النقابي أو الودادية السكنية التي تحدد وظيفتها بالمراقبة والنظافة والتشجير.
إن أفضل طريقة للتطوع هي بالإسهام بالأفكار والاقتراحات والمشاركة الميدانية بروح إيجابية، إلى جانب البذل والعطاء، ذلك يتم بالجهد البدني والمادي اللوجيستيكي واستثمار العلاقات في الشراكة الفعالة لخدمة التنظيم وتحقيق أهدافه عبر لجنه وهياكله.
ومن هنا تتنوع مجالات التطوع مثل: الجمعيات الثقافية التي تشمل الفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية والبيئية، ذلك بحكم التكوين الأكاديمي والشغف والاهتمام اليومي والهواية.
إن أهم تغيير يحدثه التطوع في الحياة يتمثل في تحقيق الذات عبر مجموعة الأغيار، وبأسلوب آخر التجرد من الأنانية والمصلحة الضيقة والانخراط في التغيير الجماعي الذي يعود بالنفع المعنوي والمادي على الجميع. يتعلق الأمر بنوع من التنشئة الاجتماعية الخاصة التي تمر عبر الآخرين، ولا شك أنها مهمة جدا في تحقيق النضج والحرية المسؤولة و المواطنة والسلوك المدني.
يساعد التطوع في تنمية الشخصية وشحذها، من خلال الاقتراح والتضحية بالوقت والجهد والمال، وينضج الجانب الوجداني ويتقوى البعد الأخلاقي الذي لا يحيد عن معرفة معنى القيم النبيلة التي تجعل الحياة لها طعم ومعنى وليست مجرد حياة من النمط الاستهلاكي.
لذلك، تعترض العمل الإنساني مجموعة من التحديات الذاتية والموضوعية. تتمثل الأولى في التغلب على الأنانية والتحرر من سطوتها، والتحلي بروح الجماعة وبقيم الحوار والتواصل والغيرية والإيثار، والانخراط في قضايا المجتمع وهمومه والاشتراك في التأثير في المصير الإنساني بعيدا عن العزلة والانحباس الفردي. أما الثاني يتجلى في مجموع الإكراهات التواصلية والمقاومات التي لها مصالح في ترك الأوضاع كما هي، سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا أو ثقافيا، كما ترتبط بضعف الإمكانيات المادية واللوجيستيكية ونقص في ربط شراكات منتجة، ومفيدة للعمل التضامني والإنساني المبني على الثقة المتبادلة.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات