مقدمة عن رواية من الارض إلي القمر لجول فيرن الصادرة عام 1865
منذ بدء الخليقة، ولا يزال العالم الفضائي يمثِّل لغزاً مبهماً يكتنف العديد من الأسرار، ولاشك أنَّ القمر ذلك الجسم الكوني الذي أقسمَ به رب الكون في القرآن الكريم، قد ألهمَ الشعراء والكتَّاب بمادة ثرية لحكاياتهم وأشعارهم. ليس هذا فحسب، بل تفاعلت معه الحضارات والديانات القديمة، فعندما نتصفح الميثولوجيا القديمة نجد آلهة القمر مثل سيليني، وفوبي، وديانا وغيرهم. وبالطبع لم يكن الأدب بمنأى عن هذا العالم، بل قُدِّمت العديد من الأعمال التي تسبر أغوار ذلك العالم الغامض، ولاعجب أن تتصدر رواية من الأرض إلى القمر للكاتب الفرنسي جول فيرن طليعة هذه الأعمال.وإننا إذ نتناول رواية من الأرض إلى القمر، فنحن بصدد الرواية التي سبقت العلم و تنبَّأ من خلالها الكاتب جول فيرن بالصعود إلى القمر قبل مئة عام من رحلة نيل أرمسترونغ المعروفة بـ رحلة أبوللو-11 عام 1969، ولعلّ المثير للدهشة هو مدى التقارب بين التفاصيل التي تخيّلها جول فيرن والحقائق التي توصَّل إليها العلم لاحقاً. وعلى سبيل المثال من ذلك، كان إرتفاع مركبة جول فيرن خمسة عشر قدماً، وقطرها تسعة أقدام، بينما كان إرتفاع "أبوللو-11" عشر أقدام وسبع بوصات، وبلغ قطرها اِثنتي عشرة قدماً وعشر بوصات. بالإضافة إلى ذلك، إتخذ جول فيرن من ولاية فلوريدا موقعاً لإطلاق المركبة وبالفعل تمّ إطلاق المركبة أبوللو من مركز كينيدي للفضاء بفلوريدا. ومن الجدير بالذكر أنَّ المركبة الحقيقة قد حملت ثلاثة أشخاص، وهو ما تخيَّلَهُ جول فيرن. ومما يزيد من الدهشة، أنَّ رحلة نادي السلاح قد اِستغرقت أربعة أيام للوصول إلى القمر، وبالفعل اِستغرقت رحلة نيل أرمسترونغ قرابة الأربع أيام. كما تابع مدير مرصد كامبردج مركبة جول فيرن من خلال تلسكوب متطور، وهو ما حدث بالفعل. وفي السياق ذاته، تولّى مركز هيوستن الفضائي بولاية تكساس مهمة الإشراف على رحلة أبوللو-11، وفي الرواية سنقرأ كيف جاهدت تكساس حتى الرمق الأخير إلى نيل شرف اِستضافة الكولومبيد أو الكولومبياد.وعلى الرغم مما أسلفنا ذكره، والذي لا يجعل مجال للشك حول عبقرية جول فيرن، بَيدَ أنَّ عبقريتَه تجاوزت الحدود العلمية إلى الجوانب الإجتماعية والسياسية، فقد اِستطاع الكاتب بنفاذ بصيرته وقدرته التحليلية، أنْ يتنبَّأ بأنَّ الشعب الأمريكي سيكون الأسبق في الصعود إلى القمر، مسلطاً الضوء على الطبيعة الأمريكية التي لا تتورَّع في إشعال الحروب من أجل المكاسب الإقتصادية، وهو ما نشهده منذ الحرب الباردة إلى وقتنا هذا، حيث جاء على لسان أحد أعضاء نادي السلاح عقب إنتهاء الحرب الفيدرالية "شيءٌ مُحزن حقاً، لا شيء نفعله ولا حلم نتطلَّع إليه، أينَ مِنَّا ومِن فراغنا ذلك أصوات القذائف والبنادق التي كانت تثلج قلوبنا؟!". ويتعمَّق الكاتب أكثر مشيراً بين ثنايا السطور إلى سباق التسلُّح والتنافس الأمريكي- الأوروبي، وهو ما ظهر لاحقاً عندما أوشكت الحرب العالمية الثانية على الأُفول وأذنت حقبة الحرب الباردة على السطوع.ومِن نافل القول، أنّنا بصدد عمل من روائع الأدب العالمي، سطَّرهُ روائيٌّ خالد الذِكر، لم يُطلق خياله على عواهِنِهِ، وإنما درس الجوانب العلمية دراسة وافية دقيقة، فكانت أعماله سبّاقة ملأتِ الدنيا وشغلت الناس.وأخيراً، إلى أصحاب الآمال العظيمة، والطموحات الكبيرة، ذوي الهمم العالية الذين يمشون واثقي الخطى، لا يتهيَّبون صعود الجبال نضع بين أيديكم هذه الرواية التي كانت نبراساً للإنسان كي ينفذ من أقطار السموات والأرض.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات